غزة ستحرر العرب
عبد العزيز كحيل
عندما تابعت المهرجان الذي نظمته حماس في غزة يوم 14-12-2008 إحياءً للذكرى الواحدة والعشرين لتأسيسها ازداد يقيني في بغض الأنظمة العربية لها والتفاف الجماهير المسلمة حولها، فقد أثبتت أن غزة حرة رغم الحصار وأن الحركة لم تفقد شيئا من رصيدها الشعبي رغم هذا الحصار وما واكبه من مؤامرات خفية ومكشوفة، وهذا سيكون له نتيجتان حتميتان في رأيي، تتمثل أولاهما في ارتفاع درجة تصلب الموقف العربي الرسمي منها باعتبارها تهديداً واضحاً لثوابته المعروفة (التنازلات بلا مقابل، السلم مع الصهاينة اختيار استراتيجي وحيد، العلمانية العدوانية، تهميش الجماهير...)، أما الثانية فهي ارتفاع شعبية حماس وتأثيرها في الشارع العربي بحيث تزيل الخوف من القلوب وتطعم الناس بجرعات قوية من الثبات على المبادئ والجرأة في التعبير عن الانتماء العقيدي لأن أتباع حماس جهروا بمبادئهم وثوابتهم فأعلوا صوت القرآن وتعاهدوا على الوفاء للإسلام كهوية ومرجعية وشخصية تدعو إلى مواصلة المقاومة والجهاد وتقديم التضحيات من أجل التحرر ودحض الاحتلال ورد العدوان، كما رفعوا صور مجدد القرن الرابع عشر الهجري الإمام الشهيد حسن البنا _رضي الله عنه_ وأعلنوا الانتماء لحركته وختموا المهرجان بنشيد الإخوان. وكل هذا لا تطيقه الأنظمة العربية ولا تسمح به من جهة، وتتعطش له الشعوب المسلمة من جهة ثانية، فلا شك أنها ستتساءل كيف يمكن أن تتوفر هذه الحرية في غزة المحاصرة وتنعدم في جميع العواصم العربية إلا واحدة أو اثنتين؟ فهل الحرية في هذه العواصم التي ترفع شعارها أم في غزة التي يظنون أن الحصار والخيانة والتآمر قتلت فيها المعاني ولم تترك لها إلا محاولة البقاء على قيد الحياة؟ هنا سترغب هذه الشعوب في التحرر بإعلان انتمائها وإعلاء مقدساتها وستفك عقدة الخوف، وكيف تخاف في ظل "الأمن" الذي تسهر عليه الأنظمة القمعية بينما لا يخاف الفلسطينيون في ظل "الخوف" الذي يفرضه الاحتلال وعملاؤه؟ كيف تجبر على رفع شعارات لا تؤمن بزيفها وتجبر على الهتاف بحياة زعماء تلعنهم في سرها؟ كيف تحرم من رفع اللافتات التي تحب والتنادي بالمبادئ التي تؤمن بها وتعظيم الرجال الذين تلتفت حولهم حتى بعد موتهم؟. إن مهرجان حماس سيكسر القيود من المحيط إلى الخليج لأنه زاد من رصيد الأمل عند الأحرار والمضطهدين، وقد كان خطاب أبي العبد بلسماً شافيا وكان التجمع الضخم دحضا لافتراءات المفترين وتأكد الجميع أن الجوع والمرض والبرد والحرمان من الدراسة والحج لا يؤدي إلى الانتحار أو الثورة على حماس وإنما ينشأ القاعدة الصلبة التي ستحرر فلسطين وتحرر الجماهير العربية المضطهدة... ربما قبل تحرير فلسطين .ٍ..بل إن انعتاق العرب من الاستبداد مقدمة ضرورية لإنهاء الاحتلال الصهيوني، ولا شك أن الرسالة وصلت لكل الأطرا ف وجاءت ردود الأفعال تؤكد وصولها، وقد شاءت العناية الإلهية أن تكون مشفوعة في نفس اليوم برسالة أخرى لا تقل تعبيرا هي قذف الصحفي منتظر الزيدي لحذائه في وجه جورج بوش، فقد كسر هو الآخر حاجز الخوف وأعلن تمرد العرب والمسلمين على ذلك النبي الكذاب ووصفه بما يليق به فكان فعله برداً وسلاماً على الأمة بقدر ما أثار امتعاض المنطقة الخضراء، تماماً كما أثار مهرجان حماس استياء سلطة المقاطعة.
إن الرمزية هنا وهناك في صالح أمتنا، ولو أتيح للفلسطينيين في الضفة أن ينظموا مهرجاناً لكان بنفس الضخامة من غير شك، ولهذا السبب لا يمكن أن تسمح رام الله المستسلمة بإقامته كما أن ما أقدم عليه منتظر سيحفز غيره ليبتكروا من الوسائل ما يناسب المواقف ليقولوا للجلادين وأذنابهم إنهم يرفضون "حريتهم" التي يبشرون بها وعملاءهم الذين ينصبونهم هنا وهناك ويتمسكون بحقهم في الرفض والمقاومة والجهاد.
إن غزة فعلت الخطوة الأولى... حررت الإنسان، وهذا يبشر بتحرير الأرض والانتماء والشخصية. .نعم قد يتم _لا سمح الله_ اغتيال إسماعيل هنية أو خالد مشعل أو محمود الزهار، لكن اغتيل قبلهم شيخ المجاهدين أحمد ياسين وأسد غزة عبد العزيز الرنتيسي وغيرهما من القادة، فهل أصاب "حماس" بسبب ذلك وهن أو تراجع؟ ولولا حماية الأنظمة العربية لحدود ما يسمى إسرائيل حماية لا تفتر لحظةً من ليل أو نهار لالتحق بفلسطين ألف ياسين وألف رنتيسي من أقطار الأرض.. ثم قد اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا فماذا أصاب الإخوان بعده؟ أليسوا اليوم متواجدين في بلاد الدنيا جميعا؟ أليسوا أكبر قوة إسلامية؟ أليسوا أكبر كتلة سياسية تربوية دعوية في معظم البلاد العربية؟ مات البنا وبقي البناء شامخا ومات ياسين وبقيت حماس...وقد كان هؤلاء يعتبرون الشهادة أسمى أمانيهم فنالوها...وهكذا حتى يظهر أمر الله
أما الذين يسخرون من أنشطة حماس وخياراتها فهم منسجمون تماماً مع مواقفهم المبنية على الخوف من إسرائيل لا من الله، وعلى الرجاء في أمريكا لا في رب العالمين... وكل إناء بما فيه ينضح.
وأخيراً... يا غزة أثبتي واصبري وصابري ورابطي فإنك مصدر إلهام للعرب والمسلمين.
ويا حمساويون لستم وحدكم، قلوبنا معكم... كنا معكم في المهرجان، هتفنا معكم واستمعنا معكم لأبي العبد ورفعنا معكم رايات الإسلام والمقاومة... ونحتفل معكم بالنصر إن شاء الله.
"لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد" صدق الله العظيم