تسييس العدالة.. "وأنت الخصم والحكم"

تسييس العدالة.. "وأنت الخصم والحكم"

افتتاحية النداء

إذا كان صحيحاً موقف النظام السوري حين يطالب بعدم تسييس التحقيق والمحاكمة في قضية اغتيال رفق الحريري –وهو مطلب حق- ، فإن الأصحّ أن يكفّ عن ممارسة هذا نفسه في بلده. وهو إذ يفعل ذلك جهاراً ومنذ سنوات طويلة، لا يضرب مصداقيته وحسب، بل يسيء بعمق إلى الوحدة الوطنية وإلى حظوظ سوريا بالخروج من أزمتها..

في القضية الأولى، لا يمكن الموافقة على استعمال مجريات العدالة الصرفة وسيلة لممارسة الضغوط السياسية على بلد، ولا على استعمال الصلات السياسية للخلاص من مجريات العدالة تحت عنوان التحرّر من هذه الضغوط. وفي الحالتين هو تسييس خارج الأصول القانونية، على حساب البلد نفسه.

وحين قال طلال سلمان (رئيس تحرير صحيفة السفير) في تشرين الأول 2005 "إن القيادة السورية هي التي زادت من تسييس هذه الجريمة السياسية أولاً وأخيراً" حيث " لم تُطلع هذه القيادة لا شعبها ولا اللبنانيين على معلوماتها بالوقائع حول هذه الجريمة." كان محقاً.

ما يتعلّق بنا أكثر، هو ما يفعله النظام في بلده وشعبه، من اعتقال سياسي وسجن وإطلاق مفتوح لهيمنة الأجهزة الأمنية. وهو؛ بممارسته هذه؛ يصل إلى القضاء واستقلاليته فينال منهما، بل إلى حصن البلاد الأخير، ليقوّض مناعته وحصانته وضمانته للحمة الاجتماعية.

فعل ذلك مؤخراً حين سعى إلى إصدار أحكام بالسجن عامين ونصف على اثني عشر مواطناً من قيادات إعلان دمشق، وحين عرقل تنفيذ قرار الغرفة الجنائية في محكمة النقض واستمرّ بحبس ميشيل كيلو ومحمود عيسى.

في السابق، قام النظام بتسييس التعليم، وحوّل المدارس والمعاهد إلى حقل للتلقين والهتاف والوشاية والفساد. وكان ذلك سدّاً أمام الأجيال يأسرها ويحدّ من طاقاتها ويمنعها من بناء وطنها بالفعالية والطريقة الصحيحة من خلال الحريّة والتفتّح والقيم الوطنية..

وباحتكاره للإعلام كان - ولا يزال- يمارس تسييساً عليه، يصبغه بلونٍ واحد باهت، ويغلق على العقول الحرة أبواب الرأي . في حين لا تزدهر بلادٌ إلا ابتداءً من حرية التعبير بكافة الأشكال.

لكنّه؛ بوصوله إلى القضاء ومجريات العدالة الأساسية في العمق؛ يتجاوز حدوداً كان يجب أن يتوقّف خلفها، ويعيد النظر في سياساته التي أوصلته إلى هذا المأزق.

لذلك كلّه، ما زال علينا أن نطالب النظام بالإفراج عن المعتقلين السياسيين جميعاً من دون إبطاء.. وما زال لدينا أمل بقضاء مستقل. 

هيئة التحرير