مبادرة السلام العربية تتكلم عبري

د. ياسر سعد

[email protected]

في فلسطين صور متناقضة تعكس أحوالا مأساوية وتكشف عن خلل كبير في أولويات السلطة الفلسطينية. فمع إحكام الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة ووصول الأحوال الإنسانية هناك لمرحلة حرجة استدعت نداءات أممية لإسرائيل لفتح المعابر والتوقف عن ممارسة سياسة العقوبات الجماعية بحق أكثر من مليون ونصف فلسطيني، نجد مواقف وتصريحات عجيبة للسلطة الفلسطينية ومسؤوليها.

فقد حث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جون هولمز إسرائيل على إنهاء الإغلاق "غير المقبول" للمعابر الحدودية، وقال بيان أصدره مكتبه إن "الإجراءات التي تزيد المصاعب والمعاناة للسكان المدنيين لقطاع غزة ككل غير مقبولة ويجب أن تتوقف على الفور". وعبر هولمز في البيان عن القلق بوجه خاص "من أن الكرامة الإنسانية وأحوال المدنيين في غزة وأكثر من نصفهم من الأطفال لا تبدو قضية رئيسية لدى أطراف الصراع".

معاناة غزة تتزامن مع تزايد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية والتي شهدت أشكالا متعددة كان أخرها قيامهم بتدنيس مسجد ومدفن في مدينة الخليل والتي شهدت مؤخرا نشر نحو 550 من أفراد قوات الأمن الفلسطينية. فقد كتب المستوطنون عبارات عنصرية منها "الموت للعرب" وأخرى تسيء إلى الرسول محمد بواسطة طلاء على حائط المسجد، كما دنسوا  مدفنا في المنطقة.

من جهة أخري كشفت مصادر صحفية عن أن محمود عباس قرر مقاطعة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب المزمع عقده الأربعاء المقبل، بدعوى ما وصفه موقف الجامعة الضعيف من حركة حماس، كما أشارت تلك المصادر إلى أن أبومازن غاضب من عمرو موسى للأمر نفسه. السلطة الفلسطينية والتي تقاطع اجتماعات الجامعة العربية وتجاهر بعتبها عليها، لا تجرؤ أن تفعل ذلك لا مع الإدارة الأمريكية والتي نكثت بوعودها التي قطعتها في مؤتمر انابوليس، ولا مع الحكومة الإسرائيلية برغم من تجاوزاتها وجرائمها ضد الإنسانية بحق القطاع.

 تصرفات السلطة وتصريحاتها توحي بأن الخلاف الفلسطيني والذي أصبح متقدما في أولياتها عما سواه، استهلك قدراتها وطاقاتها وخصوصا مع اعتراض الجانبين الأمريكي والإسرائيلي عن أية خطوة نحو مصالحة فلسطينية حقيقية.     

السلطة الفلسطينية والتي عجزت عن تحقيق اختراق في مفاوضاتها مع إسرائيل واتسمت مواقفها السياسية بالتردد والتأرجح، لجأت أخيرا إلى نشر إعلانا على صفحة كاملة في الصحف الإسرائيلية الرئيسية الثلاث باللغة العبرية للترويج لمبادرة السلام العربية. وجاء في الإعلان والذي تصدره العلمان الإسرائيلي والفلسطيني ووضع داخل إطار مؤلف من أعلام 50 دولة عربية وإسلامية: "57 دولة عربية وإسلامية وافقت على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مقابل اتفاقية سلام شاملة وإنهاء الاحتلال".

وإذا كان الإعلان يمثل أسلوبا جديدا، فإنه يعبر أيضا عن الإحباط والعجز السياسي، وهو يحاول إغراء الإسرائيليين بمكاسب السلام دون التطرق إلى الحق الفلسطيني، وكأن المسألة تحولت من الأرض مقابل السلام إلى المكاسب والغنائم مقابل السلام. تحركات السلطة ومواقفها الأخيرة غير موفقة تماما خصوصا وأنها تزامنت مع معاناة غزة وسكانها دون أن تكون لتلك المعاناة في خطابها ومواقفها المكان الذي تستحقه.