الدهشة أهمّ حافز للتفكير،

عبد الله القحطاني

وهو أهمّ حافز للفعل.

فهل بقي لدى الشعب السوري مكان للدهشة!؟

عبد الله القحطاني

الدهشة في كتب اللغة  هي : الحيرة وذهاب العقل ! يقال دَهِش ، ودهشَه دهَشاً . وأورد بعضهم : دُهِش ، فهو مدهوش . كما يقال : أدهشه . والمعنى في كل ماورد هو : الحيرة وذهاب العقل !

 إلاّ أن للدهشة ، في الاستعمالات الأدبية وغيرها، لاسيّما في العصر الراهن ، معاني أخرى، تفيد المفاجأة بغير المتوقّع ، والتنبيه القويّ بعد الغفلة الشديدة ، المستقرة ، نتيجةَ إلفةِ الأشياء والاعتباد عليها ! ويمكن النظر إليها ، على أنها هزّة قويّة ، للعقل المتبلّد ، تنبّهه إلى أشياء قديمة ، كان غافلاً عنها ! أو تلفته إلى أشياء جديدة ، لم يكن يعرفها من قبل ! وبناء على هذا يمكن النظر إلى كثير من الحالات ، على نحو خاصّ مختلف :

 1- من صور الدهشة والإدهاش ، في رسالات الأنبياء ، وحياتهم مع أقوامهم :

 * المعجزات التي جاء بها الأنبياء ، مثل : عصا موسى ويده !

·        معجزات المسيح : في إحياء الموتى ، وشفاء الأعمى والأبرص !

·        القرأن الكريم : ببيانه ، وإخباره بقصص الماضين، ولفت أنظار الناس بالعجائب الكونيّة، مثل : خلق السموات والأرض ، وخلق البشر والجبال ، والليل والنهار، والشمس والقمر، والنوم في الليل والنهار .. وحادثة انشقاق القمر، عند تحدّي قريش للنبيّ ، بأن يشقّ القمر .. وغير ذلك من دلائل قدرة الخالق !

2-  الإدهاش في الشعر والأدب والفنّ ، والإبداع بشكل عامّ ! فكلّما ازداد الإبداع في الأدب ، ازدادت قدرته على الإدهاش ! والأدب العاجز عن الإدهاش ، يعَدّ ضعيفاً ، بصورة عامّة.

3-   الإدهاش في السياسة :

·        في أحد الأعمال الفنّية لدريد اللحام : أنه كان يكتب (عرض حال) لأحد المواطنين ، ليقدّمه للمحكمة ، متظلّماً من أحد خصومه . فكتب له (غوّار) عرض حال ، يصوّر حالته ، بشكل أقسى كثيراً ممّا هو عليه ! ويصوّر مظلمته بشكل أكبر بكثير من واقعها ! فصار الرجل يبكي بشدّة ، ويقول : أكلّ هذا جرى لي ، دون علمي !؟

·        ممّا ألِفَه شعب سورية ، في عهد الأسرة الأسدية الميمونة ، من المظالم والكوارث والمصائب ، مايشيب له الولدان ! لكن الناس في سورية ، ألِفوا هذه  البلايا ، حتى صارت كأنها هي الأمر الطبيعي في حياتهم ! فلم يعد أحدهم يدهش ، لكل مايصيبه من ظلم وجور وقهر، ونهب وحبس وتشريد ! لأن هذه الأمور صارت طبيعية لديه ، وأيّ تغيير فيها نحو الأفضل ، يصيبه بالدهشة ! بل صار يدهش ، إذا أنجِزت له معاملة ، دون أن يدفع عليها رشوة ! وهكذا صارت الأمور الشاذّة المثيرة للدهشة ، هي الطبيعية ، والأمور الطبيعية هي المدهشة ، في نظر المواطن السوري !

·        ومن العجيب أن توالي المدهشات ، الغريبة إلى حدّ الشذوذ ، أفقد المواطن السوري قدرته على الاندهاش ! ومن ذلك ، على سبيل المثال :

-       أن يسلّم حافظ أسد الجولان للصهاينة ، بلا حرب .. ثم لايحاكم ولايعدم ، كما جرت العادة بشأن الخونة !

-       أن يستلم حافظ أسد حكم سورية ، وهو الذي أضاع الجولان في الحرب ، وسحب الجيش السوري بشكل كيفي ، ولا يدهش أحد !

-       أن ينهب حافظ أسد نفط سورية كله ، ولا يدهش أحد !

-       أن يسمع المواطن السوري ، أن ثروات آل أسد وآل مخلوف ، بالمليارات ، من حساب وطنه وشعبه .. ولا يصاب بالدهشة !

-       أن يقتحم عنصر مخابرات ، بيتاً في قرية أو مدينة ، ويسوق أهله إلى أقبية التعذيب ، والناس ينظرون ، دون أن يصابوا بالدهشة !

-       أن يهان الناس في الشارع ، رجالاً ونساء ، من قبل أجهزة المخابرات .. ولا يصاب واحد منهم بالدهشة !

-       أن تهان المقدّسات الدينية ، والرموز الوطنية ، والكرامات الإنسانية ، علناً ، من قبل أجهزة الأمن السوري .. ولا يصاب الناس بالدهشة !

-       أن يتحدّث إعلام الأسرة الأسدية ، عن الوحدة الوطنية ، والوحدة القومية .. ولا يصاب الناس بالدهشة ، وهم يعرفون مافعل آل أسد ، ويفعلون ، من تمزيق الوحدة الوطنية في سورية ، ومن تحطيم المرتكزات والأسس ، التي تقوم عليها الوحدة العربية ، في تحالفهم مع الفرس ، ضدّ أبناء أمّتهم العربية !

-       أن يرفع آل أسد ، شعار الحرّية ، صباح مساء .. دون أن يدهش المواطن السوري ، الذي يرى ما يفعله هؤلاء ، بحرّية المواطنين السوريين !

4-  إن عدم اندهاش المواطن السوري ، بأيّ من المدهشات التي تمارس عليه .. هو بحدّ ذاته يثير دهشة العالم ، فيتساءل الناس : ماذا جرى لشعب سورية !؟

5-  كيف تعود للمواطن السوري، قدرته على الاندهاش ، من حالته، وممّا يفعله به آل أسد !؟ هذا السؤال يعَدّ جوهرياً ، إذا أريد لهذا المواطن ، أن يتحرّك لإنقاذ نفسه ، من البلايا الرهيبة ، التي تنصبّ على رأسه ، صباح مساء !

وهنا يطرح سؤال آخر، مرتبط بالأول :

 ما الوسيلة الأنسب ، التي تجعل المواطن السوري يُدهش ، ليتحرّك !؟

 هل هي الكلام ، الذي يصف حالته في ظلّ آل أسد ، ويصوّر له مآسيه ، في وسائل إعلامية شتّى ، من بينها المسلسلات التلفزيونية !؟ أم أن هذه الوسيلة صارت وسيلة لتفريغ شحنات الكبت والقهر التي لديه ، لإبقائه في حالة من الركود والخمول والغفلة !؟

 هل ثمّة وسيلة أخرى ، غير الكلام ، ملفوظاً ومكتوباً ومصوّراً .. تعيد للمواطن قدرته على الاندهاش !؟

هذه الأسئلة ، مطروحة على القوى السياسية ، الحريصة على تحريك المواطن السوري، لتحرير نفسه من براثن الأخطبوط الأسدي البشع !