مؤتمرات حق العودة ..

فقاعات أم استحقاقات؟!

طارق حمود

الأمين العام لتجمع العودة الفلسطيني

ما حدث في اتفاق أوسلو برغم ما فيه من مخازي ومآسي لم تتوقف عند تضييع الأرض والاعتراف بالعدو بل تجاوزتها لتضييع الشعب بالتخلي عن قضيتهم وحقهم في العودة، كل هذا بظاهره المؤلم شكل انطلاقة جديدة من انطلاقات الدفاع والتمسك بالحقوق أثبت معها الشعب الفلسطيني قدرته على تجاوز المحن مبرهناً من جديد على حيوية قضيته بما تحمل من تراكمات النضال السابق السلبية والإيجابية، وجدد معها الشعب الفلسطيني بيعته للثوابت المتمثلة بوحدة الأرض والشعب.

نستطيع أن نسمي الحركة الشعبية التي نهض بها الشعب الفلسطيني بعد أوسلو في دفاعه عن حق العودة ردة فعل، ولكنها ردة حملت مضامين كثيرة أكدت أن القضاء على الثوابت من المهمات المستحيلة حتى لو قاد عملية القضاء عليها (ممثل شرعي)، وبالرغم من عشوائية ردة الفعل هذه، وعدم قدرتها في بعض الأحيان على نظم عملها، إلا أنها شكلت أرضية مهمة انطلقت على قاعدتها مؤسسات ومراكز الدفاع عن حق العودة بشكلها إما الإعلامي أو البحثي أو الشعبي أو حتى الفصائلي، ولم تكن هذه الظاهرة في يوم من الأيام ظاهرةً سلبية كما أراد البعض أن يصورها، بالرغم من تعدد أسمائها، فمطالبة البعض بدمجها لا يمكن أن يشكل حالة عامة وإنما سيحولها لحالة متفردة قد يحتويها دعاة التمثيل هنا أو هناك، بكل الأحوال و مثلت حركة اللاجئين الفلسطينيين العشوائية أو المنتظمة الشعبية أو المؤسساتية الأكاديمية المنطلق السليم من حيث الطرح والإستراتيجية بغض النظر عن محتوى العمل وأسلوبه ومثلت أساساً استطاع اللاجئون من خلاله بلورة موقفٍ سياسيٍ هامٍ وصارخٍ في ظل هشاشة الإطار التمثيلي الجامع للشعب الفلسطيني وفي ظل انهيار السقف السياسي إلى أدنى طموحات ومتطلبات هذا الشعب، وربما كان الحراك الشعبي للاجئين الفلسطينيين في بداياته منسجماً مع المنهج الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية وغير خارج عن إطارها في الوقت الذي كان فيه هذا الإطار ملبياً للتطلعات الشعبية خصوصاً فيما يتعلق بحق العودة وهذا ما استمر حتى قبيل توقيع اتفاق أوسلو، أما بعد أوسلو وعندما أحس الشعب الفلسطيني بالغبن الشديد وبعد أن أثبتت هذه التجربة فشلها وسارت من تنازلٍ إلى آخر، وفي ظل انهيار القيم الثورية والتحررية خصوصاً داخل المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي هذه النقطة بالذات قد استقي ما كتبه الكاتب "أنور حمام" في مقال "إلى أين تتجه صورة المخيم حيث كتب: (السلطة وتراجع دور المخيم:

مع اتفاق أوسلو بدأت صورة المخيم تتقزم تدريجيا، فالمكانة الاجتماعية ورأس المال النضالي الذي كان معيارا رئيسيا في المراحل السابقة لم يعد كذلك، تم الانتقال لمعايير جديدة ورأسمال جديد اقتصادي وظيفي، فمكانة الإنسان الاجتماعية لم تعد تتحدد في السلم الاجتماعي بعدد المرات التي دخل بها الإنسان السجن أو الإصابة أو الإبعاد أو الاستشهاد لأحد أفراد الأسرة، بل تم الاعتماد على متغيرات جديدة، كالدرجة الوظيفية في مؤسسات السلطة والتي تبنى على الموقع التنظيمي والشهادة الأكاديمية، وشبكة العلاقات المصلحية الجديدة، ومدى الاقتراب من مراكز القوة والنفوذ، وفي الكثير من الأحيان الاعتماد على "الفهلوة"، وبدأ في هذه المرحلة ينظر للمخيم كمجموعة من الشباب الأقوياء وأصحاب هيبة بحكم تاريخهم النضالي، ولذا تم التركيز على استغلال هذه القوة ليصبحوا "كمستزلمين"، من قبل مراكز القوة داخل السلطة، وأصبحوا في أحيان كثيرة اليد التي يبطش بها المسئول) انتهى الاقتباس

كل هذه الأمور كان لا بد لها من توجه جديد وجدي لإعادة الهيبة وإعادة الاعتبار لا لشخص اللاجئ بقدر ما هو إعادة اعتبار لإستراتيجيته السياسية وثوابته ومبادئه، فكان النهوض الحركي للاجئين على صعيد اللجان والمؤسسات قد بدأ ياخذ منحى جديد من النضج الذي وصلت معه بعض المؤسسات إلى مرحلة تنظيم المؤتمرات المحلية والدولية وبمواضيع مختلفة وأوراق متنوعة تحت العنوان العريض وهو حق العودة، قد لا يرضى البعض عن تنظيم هذه المؤتمرات معتبراً إياها خطوة في طريق تقاسم التمثيل، ولكن بعيداً عن المناكفة السياسية مثلت هذه المؤتمرات حالة شعبية سياسية جعلت من نفسها معوقاً في طريق التنازلات المجانية، وزجت هذه المؤتمرات بنفسها كرافعة لمستوى المطالب الوطنية ومعبرة عن إستراتيجية سياسية تمزج ما بين الموقف السياسي النظري والممارسة الشعبية له وبأعلى مستوياته، وقد يتهم البعض مؤتمرات حق العودة أنها ليست أكثر من فقاعات إعلامية ترمى هنا أو هناك، وقد يكون في هذا الرأي صوابية من جانب  فقدان بعض المؤتمرات لبرنامج قادر على الحياة بعد لملمة أوراق المؤتمر، وفقدان أي برنامج متابعة لمقررات المؤتمرات، ولكن حتى المؤتمرات في جانبها الإعلامي المهرجاني الكرنفالي قد تكون قادرة على صياغة ثقافة شعبية معينة، والتعامل الإيجابي مع هذه الظاهرة لا شك أنها من متطلبات النضال الشعبي على الأقل في هذه المرحلة، التي تراجع فيها تمثيل الشعب الفلسطيني إلى أدنى المستويات، وفقد فيها الشعب الفلسطيني الجناح المظلل لمسيرته ونضاله ونشاطه خصوصاً في مناطق اللجوء، سواء في الدول العربية أو الأجنبية، لذلك لا بد من التأكيد على أن مؤتمرات حق العودة حتى في أدنى مستوياتها وبرامجها قد تشكل استحقاقاً طبيعياً للفراغ السياسي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، هذا الفراغ الذي وصل إلى درجة الانقسام في البرامج السياسية بل والتناقض في إستراتيجيات العمل السياسي، ولذلك يقف الآن اللاجئون الفلسطينيون أمام حالة سياسية منقسمة وموقف شعبي لا شك أنه سيتأثر بنتائج وإفرازات ما يجري على الأرض ومنها باتت مؤتمرات حق العودة خصوصاً في مناطق اللجوء الفلسطيني تمثل ضرورة علها تكون حاضنة شعبية موحدة للموقف وليست حاضنة تمثيلية وإنما رافعة لإعادة تشكيل الصيغة التمثيلية وفق الرؤية الشعبية الضامنة لحقوقه والمحافظة على ثوابته والجامعة لمواقفه.