من (بلفور) إلى (بوش)

من (بلفور) إلى (بوش)

تشريع السطو الصهيوني….!

 نواف الزرو

[email protected] 

كُتب بواسطة محرر الموقع في أقلام الوطن

المصدر: موقع نبض الوعي العربي

www.arabianawareness.com

 بحلوله في الثاني من الشهر الجاري يكون قد انقضى 91 عاماً على "وعد بلفور" النكبوي الذي منح الوطن الفلسطيني للمشروع الصهيوني؛ هكذا  ببالغ الصلف والظلم والانتهاك للقرارات والمواثيق الأممية كافة...!

وتتجدد هذه المناسبة والذكرى التي لا تموت كما في كل عام، وتتجدد معها الذاكرة الوطنية الفلسطينية المكتوية بجحيم (بلفور)...!

ونستحضر في هذه الأيام الفلسطينية ذلك الوعد الذي أُطلق عليه "وعد بلفور" الصادرعام 1917 لنربطه استراتيجياً بما يُخيم على المشهد الفلسطيني الراهن، الذي يُهيمن عليه أيضاً ذلك الوعد الآخر الذي أُطلق عليه "وعد بوش/2004 لشارون"؛ فكلاهما يتكاملان في "تشريع" السطو الصهيوني المسلح على الوطن الفلسطيني من نهره إلى بحره...!

فالوعد "البوشي" لل "بلدوزر" الصهيوني  (شارون)  في عهده  ينطوي  كما كُنا كتبنا مراراً في هذه المناسبة  على جملة لا حصر لها من التداعيات والتحديات والأخطار الداهمة التي تتهدد بضياع فلسطين العربية من البحر إلى النهر إلى أبد الآبدين؛ فوعد (بوش) ل (شارون) وضع فلسطين عملياً بين وعدين تاريخيين يتلاقيان على الإجهاز الكامل الشامل والمطلق على فلسطين لصالح المشروع الصهيوني و"الدولة اليهودية النقية".

ولذلك لا مبالغة إن قُلنا أن "وعد بوش" إنما يُكمل ويُتمم "وعد بلفور" من حيث منطلقاته ومضامينه وأهدافه وتداعياته، ويُمكننا بالتالي أن نضع خطوطاً مشددة تحت أهم استخلاصٍ في هذا السياق: وهو أن الصراع في فلسطين يعود في ظل "وعد بوش" وفي ظل خطط الاستيطان والجدران والتهويد إلى بدهياته الأولى وإلى مربعه الأول.

بل ربما يكون هذا الوعد أخطر من (بلفور)، فها هو سفير الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة (داني أيالون) يُعلن بمنتهى الوضوح: "إن رسالة (بوش) في الرابع عشر من نيسان/إبريل 2004 إلى (شارون)، والتي اعترف فيها بالكُتل الإستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى (إسرائيل)، تُشبه في أهميتها التاريخية وعد (بلفور)"!!!

عن وكالات الأنباء في 01/11/2006

وأكد (داني أيالون): "أن رسالة (بوش) تُعتبر وثيقة أهم من تصريح (بلفور)،  وبحسبه  فإن الرسالة ستكون الأساس للتوصل إلى أي إتفاق في المستقبل."!!!

فإذا كان "وعد بلفور" المشؤوم قد أسس على نحو مُبيّت ومُبرمج وتآمري لإقامة الدولة  الكيان  الصهيونية و"منح ما لا يملك لمن لا يستحق" فإن "وعد بوش" يُكمله عملياً في الجوهر والمضمون والتداعيات على الأرض الفلسطينية.

وإن كان  "وعد بلفور" آنذاك قد أسس لنكبة فلسطينية كبيرة ومستمرة ومتفاقمة فإن "وعد بوش" ل (شارون) ليس فقط يُكرس ويُعمق النكبة والمعاناة والظلم والطغيان التاريخي الذي لحِق بالشعب الفلسطيني وإنما يُنتج نكبة فلسطينية أخرى، ويُلحق بالفلسطينيين المزيد من المعاناة والألم والعذاب.

وإذا كان "وعد بلفور" قد أدى في المحصلة إلى ضياع 78% من فلسطين لصالح الدولة  الكيان  الصهيونية هكذا ظلماً وافتراءً وإرهاباً، فإن "وعد بوش" إنما يُجهز على ما تبقى من فلسطين ويُصادرها هكذا ظلماً وافتراءً وإرهاباً وطغياناً لصالح تلك الدولة.

وإذا كان "وعد بلفور" قد حمل في أحشائه تطهيراً عرقياً وإلغاءً شاملاً للوجود العربي وللحقوق التاريخية العربية الفلسطينية في فلسطين لصالح "الوطن القومي لليهود"، فإن "وعد بوش" يحمل في أحشائه أيضاً المرحلة التالية المتممة لحرب التطهير العرقي والإلغاء السياسي التي تشنها الدولة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يقود هذا الوعد في تطبيقاته النهائية إلى الإجهاز على الحقوق التاريخية والحضارية والسياسية الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني.

وإذا كان "وعد بلفور" يُشكل انتهاكاً سافراً للقرارات والمواثيق الدولية فإن "وعد بوش"، وبعد واحد وتسعين عاماً من (بلفور)، يُشكل ليس فقط انتهاكاً سافراً للقرارات الدولية فحسب، بل يُشكل انتهاكاً سافراً واستباحة صارخة للمجتمع الدولي كله، وللأمة العربية على نحو خاص وللقرارات والمواثيق الدولية على نحو أخص؛ إذ تقوم الإدارة الأمريكية عبر هذا "الوعد" بالانقلاب على مفاهيم ومبادىء القانون الدولي وتضرب بعرض الحائط الشرعية والعدالة الدولية وكذلك المشاعر والوجود والحقوق العربية العادلة..؟؟!!

فإذا كانت تلك القرارات الدولية، التي اعتُبرت ظالمة ومُجحفة في حينها، قد منحت الدولة اليهودية أكثر من نصف مساحة فلسطين هكذا، فإن "وعد بوش" بتداعياته على الأرض يُصادر ويُهوّد كامل فلسطين ويُجهز على مقومات الاستقلال الفلسطيني ويغتال الآمال والطموحات والتطلعات والحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ويعدم من جهة أخرى كل مشاريع واحتمالات وفرص التسوية السياسية مهما كانت..!

فبعد أن منح (بلفور) وطناً قومياً لليهود في فلسطين نتج عنه النكبة واللجوء والتشرد يأتي (بوش) ويُطالبنا ليس فقط بالتخلي عن حق العودة إلى فلسطين المغتصبة، وإنما بالتخلي أيضاً وعملياً عن حق وحُلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى على مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة!!!

ذلك أن العودة إلى حدود حزيران 1967 "مستحيلة" كما أكد (بوش)، في الوقت الذي يعترف فيه "بحق" الكيان الصهيوني بضم التكتلات الاستيطانية المنتشرة في أنحاء الجسم الفلسطيني، والتي تبتلع حسب التقديرات وحسب مخططات (شارون) نفسه من 55-60% من مساحة الضفة الغربية، في الوقت الذي يوافق (بوش) على مواصلة الكيان الصهيوني بناء الجدران العنصرية التي تقطع أوصال الجسم الفلسطيني إلى جيوب، وتحوّل ما يقع من أراض وسكان بين الجدار الكبير والنهر الأردني إلى معازل عنصرية ومعسكرات اعتقال جماعية قمعية للفلسطينيين... ليصل ظلم وابتزاز (بوش) للفلسطينيين إلى ذروة بشعة غير مسبوقة بمطالبتهم بمحاربة "الإرهاب" متعهداً "أن دولة فلسطين لن تقوم لها قائمة طالما أن الفلسطينيين لا يُحاربون "الإرهاب" ولا ينخرطون مع الدول العربية الأخرى في محاربة "الإرهاب".. وطالما أنهم لا يقومون بالإصلاحات الداخلية ولا يُنفذون الديمقراطية"، في الوقت الذي منح فيه الأرض والمستعمرات والجدران والأمن و"حق الدفاع عن النفس" للكيان الصهيوني الذي يعني عملياً مواصلة حرب الاجتياحات والاغتيالات والقتل والتدمير!!!

ولكن…!!؟

لم يكن "وعد بلفور" ليرى النور ويُطّبق على أرض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذٍ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟ ولم تكن فلسطين لتضيع وتُغتصب وتُهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب...! ولم تكن فلسطين لتتحول إلى "وطن قومي لليهود" لو ارتقى العرب إلى مستوى "الوعد والحدث"...!!؟

وما بين (بلفور) و(بوش) نقول: لم يكن "وعد بوش" ليرى النور أيضا لو لملمَ العرب أنفسهم وارتقوا إلى مستوى الحدث والأخطار الداهمة الآتية عليهم من الجهات الأربع!!؟ ولم يكن (بوش) ليتجرأ هكذا بمنتهى الاستخفاف بالعرب وبمنتهى الاحتقار لهم على "منح ما لا يملك لمن لا يستحق" وعلى منحه ترخيصاً مطلقاً مفتوحاً للكيان الصهيوني بمواصلة الاغتصاب والتهويد واقتراف المجازر والاغتيالات ضد الشعب الفلسطيني لو شكّل العرب ظهيراً وعمقاً ودرعاً ودعماً حقيقياً للفلسطينيين...!!؟

فإذا كان "وعد بلفور" قد ترتبت عليه مجازر جماعية وجرائم حرب لا حصر لها، ونتجت عنه على نحوٍ خاص "مجازر سياسية وحقوقية" فإن "وعد بوش" حمل ويحمل لنا الأخطر والأبشع والأشد كارثية من المجازر الجماعية الدموية والسياسية على حد سواء؛ فهو يحملنا مرة أخرى إلى بدهيات الصراع الأولى بوصفه صراع وجود وهوية وسيادة وحاضر ومستقبل... فإما أن تكون الأمة أو لا تكون..!؟