الشرّ الذي نظنّه أهوَن.. لعلـّه أهوَن!
ماجد زاهد الشيباني
( نظرة المسحوقين إلى أوباما الخلَـف ، بالقياس إلى بوش السلَـف !)
ورد في الحكمة الشعرية القديمة : (.. بعض الشرّ أهون من بعض !) .
انتخاب الأمريكان ، لباراك أوباما ، يثير في الذهن أشياء كثيرة ، منها أمثال ، ومنها تساؤلات ، ومنها أمال و طموحات ، ومنها حِكَم ، ومنها مخاوف وهواجس !
فمِن الأمثال ، التي قد تأتي على سبيل الدعابة مع المواطن الأمريكي : ( خبّئ رئيسك الأسود لبيتك الأبيض ) ! وهو محوّر، بالطبع ، عن المثل العربي القديم : (خبّئ قرشك الأبيض ليومك الأسود) !
وقد يتذكّر بعض العقلاء ، الذين احترقت نفوسهم وجلودهم ، بجرائم بوش ، حين يسمعون القيم التي يتغنّى بها أوباما ، ويدعو إليها .. قد يتذكّر هؤلاء ، قولَ الشاعر:
سَقاها ذوو الأحلام سَجلاً على الظما وقد كَرَبتْ أعناقُها أن تَقطّعا
وقد يبالغ بعض مسحوقي العالم ، في حسن الظنّ بأوباما ، فيذكّرهم بعض الحكماء ، بالحكمة الشعرية المعروفة : ماحَـكّ جِلدكَ مِثلُ ظُفرِكْ فتَولّ أنتَ جميعَ أمْرِكْ
وقد يعوّل بعض المظلومين ، النائمين عن المطالبة بحقوقهم ، أو الخائفين من التصدّي للظلم في بلادهم.. قد يعوّل هؤلاء على أوباما ، ليرفَع عنهم المظالمَ ، ويعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، فيذكّرهم بعض العقلاء ، ببيت الشعر القائل :
إذا أنتَ لمْ تَعرفْ لِنفسكَ حقّها هَواناً بها .. كانت على الناسِ أهوَنا
وقد يراهن بعض الحكّام الظلمة ، على أوباما ، ليعزّز مواقعهم في كراسي الحكم ، ويقوّيهم على الاستمرار في سحقهم لشعوبهم .. فيزيد في طنبورهم نغماً !
وقد يحلم بعض الحكّام الفاسدين ، الذين كان بوش يبتزّهم ، ويضغط عليهم لمزيد من الخضوع لإملاءاته .. قد يحلم هؤلاء ، بسكوت أوباما على جرائمهم ، ورفع سيف التهديد ، والابتزاز عن رقابهم !
وقد يتوجّس بعض الحذرين ، الذين عركتهم التجارب ، من أن يكون أوباما ، هو الأخ المنافس لبوش ، في المثل الشعري المعروف ، الذي ورد فيه شهاب الدين وأخوه .. فلا يكون أوباما ، إلاّ شهابَ الدين ، أو أخاه ، في أحسن الأحوال !
وقد يستشهد بعضهم ، حين يرى تَعلّق آمال بني جلدته ، بأوباما ، قد يستشهد بالآية الكريمة: ( بَدعو لَمَنْ ضَرّه أقربُ مِن نَفعِه لَبئسَ المَولى ولَبئسَ العَشير) .
وقد يبتسم بعضهم بثقة ، قائلاً : لا تَعجلوا على الرجل ، فهو نَسيجً وحدِه.. وسترون مايفعل! ثم يتمثّل بالقول المعروف : ( عِشْ رجباً تَرَ عَجَباً) !
وقد يطمح بعض الساسة المفكّرين العقلاء ، من ذوي النزعة الإنسانية العالمية ، من الأمريكان وغيرهم ، إلى أن يعيد أوباما إلى أمريكا ، بعضَ قيَمِها الإنسانية ، التي أهدرها بوش .. لتَصلح لقيادة عالم بشري سوي ، غير متوحّش ، ولا ممتلئ رعباً وقلقاً ! بعد أن نَسف بوش القيم الأمريكية الإنسانية ، ولم يترك لأمريكا ، في نظر العالم ، سوى وجهين ، هما : الوجه العسكري البشع ، والوجه الاقتصادي الجشع ! ويتساءل هذا البعض بثقة : ماالمانع !؟ لعلّ الرئيس الجديد يحقّق في نفسه ، قولَ أبي العلاء المعرّي :
وإنّي ، وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُه لآتٍ بِما لمْ تستطعْه الأوائلُ
وقد يَنظر أحد الناس بواقعية مريرة ، فيتنهّد قائلاً : إنّ مَن يرضع الحليب الأمريكي ، لا يمكن أن يكون إلاّ أمريكياً ، حتّى لو كان من أصل إفريقي مسلم ، وذاق مرارة الظلم والاضطهاد ! وهذه سِيَر الآباء الأمريكان المؤسّسين ، وسِيَر أبنائهم مِن بعدهم ، لمْ تَكتنز غير الحروب والشرور ، ولمْ تُخضَّب صفحاتُها بغير الدماء ! ويتمثّل هذا البعض ، بقول الشاعر:
وهل ينبِتُ الخَطيَّ إلاّ وشيجـُه وتَـنبـُت إلاّ في مَنابتها البَـقـلُ !؟
وقد يبتسم بعضهم قائلاً : هيهات أن يستطيع أوباما ، إصلاحَ ما أفسده بوش ، حتّى لو كان شيخَ العطّارين ، متمثّلا بقول الشاعر:
وهل يصلِح العطّار ما أفسدَ الدهر !؟
وفي كل االأحوال ، تبقى أمريكا ، اليوم ، جزءاً أساسياً ، من قدَر الله المؤثّر في حياة البشر، في أنحاء شتّى من المعمورة ، في مجالات شتّى : اقتصادية ، وعسكرية ، وأمنية ، وسياسية ..! ويبقى التعامل معها أمراً مفروضاً على أكثر البشر، عبر صنّاع قراراتهم في بلدانهم ، وعبر حاجاتهم اليومية ، المرتبطة بالقرار الأمريكي ، بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة ! ويبقى الأمل يداعب أجفان المظلومين والمسحوقين في العالم ، بأن يكون الإفريقي، سليل القهر والاضطهاد ، خيراً ، أو أقلّ سوءاً ، من المجرم المتصهين ، الذي يتوهّم أنه رسول العناية الإلهية لتدمير البشر..! وتبقى الصفات والمؤهّلات ، الكامنة في كل بلد وشعب، تَعمل عملها ، في كيفية التعامل ، مع أيّ حاكم أمريكي ، سواء أكان أوباما ، أم سواه ! ويبقى قدر الله غالباً ، وتبقى الأرض للـّه ، يورثُها مَن يشاء مِن عباده .. متى يشاء ، وكيف يشاء!