تصديق النظام السوري يحتاج الى مصداقية فأين هي ؟

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

 كُنت مُسافراً ولم يتسنّى لي سماع مسرحية الاعترافات الأمنية على الفور بما سُمّي مجموعة الإرهابيين ، المُتهمين بالتفجير البشع في أيلول الماضي بدمشق ، بالقرب من المراكز الأمنية لتستهدف ضابطاً كبيراً من فرع فلسطين الأسوأ سمعة وسيطاً في تعامله مع المُعتقلين السياسيين والذي قضى فيه المئات نحبهم من المُناضلين تحت التعذيب، والتي – المسرحية - ذكرتني بمسرحيات الثمانينات من القرن الماضي ، عندما أرادوا إلباس المُعارضة المدنية من المجتمع السوري بمؤسساته التي تصدّت بحينها سياسياً لفبركات النظام ، والتي على إثرها تمّ انزل الدبّابات والحشودات العسكرية والمخابراتية ليس على حدود إسرائيل ، بل على الشعب الأعزل ليعيث في المُدن فسادا وتدميراً وقتلاً ، وليرتكب حينها النظام أبشع مجازر عرفها التاريخ السوري منذ وجوده ، والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف وتهديم المدن والقرى والبيوت فوق ساكنيها ، وكذلك اليوم يتكرر المشهد ونفس المسرحيات السابقة ،  والتي هي بحد ذاتها لا تستهدف تيّار المُستقبل وزعيمه الشيخ سعد الحريري فحسب ،بل الوجود السُنّي في لبنان ، وفي طرابلس بالذات ، بعد تصريح الأسد لإثباته بقوله " بأن شمال لبنان بات قاعدة حقيقية للتطرف ، تُشكل خطراً حقيقياً على سورية " للتدليل على الوجود السُنّي على أنّه إرهابي ومُرتبط بالقاعدة ، ولا بُدّ من إخراسه وتقزيمه أمام صنائع النظام السوري وإيران في لبنان وهم حزب الله وتوابعه، من باب عسى ولعلّ أن يُسمح له بالعودة الى هذا البلد المجروح والجريح ، فكانت هذه الاتهامات التي لا تستند إلى دليل ، ولا تستند إلى تحقيقات جادّة ، أو تواصل مع الجهات الأمنية اللبنانية وتبادل المعلومات ، لأنّ الموضوع الأمني لا يُتناول بهذه الطريقة العشوائية ، على عكس العمل السياسي ، الذي يحتاج إلى أدلّة قاطعة ووثائق للاتهام كون المصدر الجهاز الأمني ، وخاصةً أنّ العلاقة مع لبنان كدولة ، وليس مع مجموعة أفراد يتم تلفيق التهم إليهم ببساطة ، ويُفرض على الناس تصديقها كما هو الحال مع مُناضلي وأحرار سورية ، الذين يُطبّق عليهم أسوأ السناريوهات لتنفيذ الأحكام الجائرة فيهم .

 على كل حال.. لربما لاتهمنّا كثيراً تلك الاعترافات المُفبركة والتي سمعها العالم وخاصة بعد تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأيّام بوقف المساعي لإعادة العلاقات مع السعودية ، بعدما وضعت السعودية لذلك شروط طبيعية تتعلق بوحدة لبنان واستقلاله وملفات حقوق الإنسان ، والتي اعتبرها النظام السوري بالتعجيزية ، ولكن الذي يهمنا حقيقةً هؤلاء الموقوفين الذين أدلو بالاعترافات تحت التعذيب والإرغام للتلفيق ، وتهمنا سلامتهم لنتأكد من أقوالهم ، من أنّها أُخذت دون ضغط وذلك عبر تسليمهم إلى جهة دولية كالمُحققين الدوليين ، ومن ثُمّ إحالتهم إلى المحكمة الدولية للبت في أمرهم كون قضيتهم تتعلق بعلاقات الدول وليس شأناً داخلياً ، ليُعاقب تيّار المُستقبل إن ثبتت عليه التهم والادعاءات ، وحتّى لتعاقب الحكومة اللبنانية ومن يثبت تورطه ، تماما كما فعل لبنان بقضية الحريري بمواجهة التدمير والقتل بأسلوب حضاري ، لا بل أرى ضرورة مُلحة لتسليم ملف هؤلاء المُتهمين للمحكمة الدولية ، لأنّ هؤلاء مُرتبطين بملفات الاغتيالات والقتل التي جرت في لبنان ، ويبحث فيها المجتمع الدولي ، وعندهم الكثير من الأدلّة والقرائن للاستفادة منها إن كانوا بالفعل هم من المُتهمين.

 وما يهمني أكثر بالفعل لشعوري الكبير بمظلومية هؤلاء وبراءتهم مما تُسب لمعظمهم أو إثبات الأدلة عليهم لمُحاكمتهم وفق الأصول القانونية العادلة والإنسانية كونهم في معظمهم مواطنين سوريين ، هو التعرّف عن أحوالهم  والتحدث إليهم بحرّية ، لنعرف من خلالهم كيف اُخذت تلك الاعترافات الموجهة للشقيق اللبناني ، وذلك  للتعرف على أساليب التعذيب التي مورست عليهم بحسب الادعاءات الواردة إلينا ، عدا عن إعمال العقل والمنطق  في أخذ مثل هكذا اعترافات  ، وخاصة إذا اطلعنا على التصريح لمسئول سوري بعد التفجير بيوم إلى وكالة سانا بأنّ المُفجرين والمُتهمين لا يوجد بينهم سوري واحد، وإذا بمعظمهم سوريين بإرادة النظام  ، وما يهم في الموضوع أيضاً بعد الوصول إلى النتائج مما ذكرت هو فتح ملفات المفقوديين اللبنانيين والسوريين في كلا البلدين عند المُحكمين الدوليين والعرب ، لإشراكهم  في هذا الموضوع الشائك ، وإعطائهم الحريّة في البحث والمتابعة لنتعرف على كُل الملابسات الغامضة ، وفي نفس الوقت علينا أن نفتح ملفات الآلاف من المفقودين السوريين في زنازين النظام منذ عقود ، في تسوية سلمية لا داعي لكل واحد من الأطراف ان يتهم الآخر بالكذب أو التدليس ، وإنما من خلال كُشوفات مُثبتة ، أكتفي بذكر خمسة طلاّب من أصدقاء الطفولة اعتقلوا عشوائياً أثناء خروجهم من صلاة الجمعة وكانوا بسن الرابعة عشر وهم لازالوا من المفقودين "خليل محمد كردي – بهاء أسود –مُعاذ يحيى صدّيق – عبد القادر ميزنازي – زهير ادلبي 13 سنة ، ولندع القضاة المُحايدين ليكلمونا غلى ما يتوصلوا إليه من نتائج ، تماماً كما حلّت دولة البحرين وقطر خلافاتهما الحدودية بدون أي خسائر ، وكما حلّ الطائف مشكلة لبنان الداخلية ، وهذا مما نُسميه بالأسلوب الحضاري ، وهو عوضاً عن الدخول في حروب وسفك الدماء والتدمير ، ولمن يشعر بالحق معه لا شك سيناله ،ومن يرفض الأفكار الحضارية في التعامل فهو المُدان ، ولذلك دعوتي هي للنظامين في لبنان وسورية للتحاكم فيما جرى بينهما وداخلهما بالطرق السلمية ، ومن ثُمّ لمعاقبة المُذنبأم