صراع القضايا العامّة والخاصّة في سورية
عبد الله القحطاني
· الصراع الأساسي في سورية ، هو بين قضيّتين حصراً :
1) قضيّة أسرة حاكمة ، تسعى بشتّى السبل ، إلى تخليد حكمها ، وتأبيده .. للمحافظة على ما توفّره لها ، سلطات الدولة ومؤسّساتها العسكرية والمدنية .. من قدرات كبرة ، على التجبّر والتسلّط ، والاستعباد ، والعبث بمصير الوطن والمواطنين ، وسرقة المال العامّ.. دون حسيب أو رقيب ! وليس لها ، وراء ذلك ، أيّ هدف ، أو غاية ! وترفع الشعارات الخادعة الزائفة ، لتغطية هدفها الأساسي والوحيد ، البقاء في السلطة ! فلم يعد لشعارات البعث أيّة قيمة ، في نظر أيّ مواطن سوري ، أو في نظر الزمرة الحاكمة نفسها ! كما لم يعد لشعارات الممانعة ، أيّة قيمة ، بعد أن عـُرِفت قيمتها الحقيقية ، والأهداف التي رفِعت من أجلها !
لقد تمحّض هدف الأسرة الحاكمة ، ووضح تماماً ؛ حتّى لم يعد يخفى على أحد ، إلاّ إذا كان شديد الحماقة ، أو الغفلة ، أو البلادة !
2) قضيّة شعب كامل ، يبلغ عشرين مليوناً .. يعاني أسوأ أنواع العنَت والمشقّة ، والإحساس بالذلّ والهوان ، وفقدان الحرّية ، والكرامة الوطنية والإنسانية .. مع فقدان الأمن ولقمة العيش! فضلاً عن الإحساس بالغباب التامّ ، عن كل قرار مصيري ، يهمّ الوطن والمواطنين؛ إذ استأثرت الأسرة الحاكمة ، لنفسها ، بسائرالسلطات ، المتعلقة بشؤون الدولة ، وقراراتها الداخلية والخارجية.. في أدقّ تفصيلاتها ! ولم يعد المواطن ، أيّ مواطن ، واثقاً من أنه يملك في وطنه مكان قبر، يضمّه ، بعد موته ! لأنه معرّض ، في أيّة لحظة ، من ليل أو نهار.. للاعتقال ، أو القتل ، أو الهرب إلى خارج البلاد ، ليعيش مشرّداً ، محروماً من كل شيء ، في وطنه ، عاجزاً عن المطالبة ، بأدنى حقّ من حقوقه ، الوطنية أو الإنسانية !
* كل ماعدا هذا الصراع ، بين الأسرة الحاكمة والشعب السوري .. هو مجرّد صراعات جزئية هامشية ، عرَضية .. لاوزن لكثير منها ، ولا أهمّية :
- صراعات الناس اليومية ، حول بعض مصالحهم العادية .. ليست لها أهمّية ، أو قيمة كبيرة .. قياساً إلى الصراع الأساسي !
- الصراعات الفكرية ، الناجمة ، أحياناً ، بين بعض قوى المعارضة ، أفراداً ،أو جماعات ، حول بعض المسائل الجزئية .. إنّما هي خلافات في الرأي ، أكثر منها صراعات حقيقية جادّة !
* الصراعات الفرعية الجادّة ، والحادّة ، إنّما هي ، بين بعض أجنحة الزمرة الحاكمة ، حول مكاسب معيّنة ، تتعلق بالثروة الحرام ، أو المواقع ، أو الهيمنة على بعض دوائر القرار ! وهذه الصراعات ، الدموية ـ في كثير من الأحيان ـ والتي تنجم عنها تصفيات جسدية ؛ كقتل غازي كنعان ، ومحمد سليمان .. هذه الصراعات ، لا تلغي حقيقة الصراع الأساسي ، بين الأسرة والشعب السوري ! وإن كانت تربك عمل الأسرة ، في بعض الأحيان ، وتزيد من قلقها على مصيرها ، فيقوى سُعارها ، وتضرى حملاتها المجنونة ، ضدّ أيناء الشعب ، دهماً ، واعتقالاً ، واختطافاً ، وتعذيباً ، وابتزازاً ! وهذا ، كله ، يزيدها ضعفاً وهشاشة ؛ ممّا يقرّبها من نهايتها المحتومة ، بإذن الله ، حين يتحوّل إحساس الناس بالخوف ، إلى إحساس بالغضب العارم ، الذي يعصف ، في ساعات قليلة ، بالأسرة الفاسدة ، وكل ما بنته من مرتكزات ، لحماية حكمها الفاسد المقيت !