رايس والشرق الأوسط الزاهر
د. ياسر سعد
ما الذي يمكن للتاريخ أن يذكره عن الرئيس جورج بوش وأعوامه العجاف في البيت الأبيض؟ الرجل والذي لم يسلم العالم من طيش إدارته وعلى كل الأصعدة، سياسيا وبيئيا واقتصاديا وأخلاقيا. غير أن ما يمكن للذاكرة الإنسانية أن تحمله عن إدارته هو الجرأة غير المسبوقة في تزييف الحقائق وفي الدعوة لقيم ومبادئ والعمل بكل ما يناقضها.
كانت أكاذيب ومبررات حرب العراق سيتم التعامل معها، أمريكيا ودوليا، بلا مبالاة لو أن النصر الباهر كان حليف أمريكيا، أو هذا ما كانت تتأمله الإدارة الأمريكية على الأرجح. غير أن الغوص في المستنقع العراقي وكلفة الحرب الباهظة بشريا وماديا على أمريكا، أفقد تلك الإدارة مصداقيتها تماما، وأصبح الأمريكيون يبحثون عن التغيير والذي غدا شعار الحملات الانتخابية ومرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء.
ولم يكن متصورا بعد كل ذلك أن يتجرأ مسؤول أمريكي ليعيد شريط ليّ الحقائق والقفز على الوقائع، مستهترا بعقول الناس ومستخفا بالمنطق القويم. من هناك كانت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس للبي بي سي مفاجئة وغريبة، فقد قالت بأنها تعتقد أن الشرق الأوسط بات أحسن حالا بفضل سياسات جورج بوش وأن "برنامج الحرية" المستوحى من أفكار أمريكية، قد ترسخ في بلدانه، "وإن الديمقراطية دخلت أخيرا في قاموس الشرق الأوسط بصفة غير معهودة من قبل".
وقالت رايس إن العراق اندمج في محيطه العربي، عكس ما يوحى من أنه تعرض للدمار وصار "صديقا عربيا جيدا" للولايات المتحدة إلى جانب ذلك أجليت القوات السورية عن لبنان، كما تمكنت المرأة من التصويت في الكويت. أما بالنسبة للشأن الفلسطيني فقد قالت الوزيرة الأمريكية إنها فخورة بالوضع في الأراضي الفلسطينية بصفة خاصة وأن عملية سلام "جدية"، وأن "لدى الفلسطينيين الآن عملية سلام هي الأكبر شأنا منذ عدة سنوات طويلة".
الديمقراطية الأمريكية في العراق، هي ديمقراطية العشائر والمراجع والتهجير الديني والمذهبي. والعراق "صديق أمريكا الجيد" ينخره الفساد الإداري وقد زُرع فيه من الألغام الطائفية والمذهبية والاجتماعية ما يهدد وجوده ووحدته. أما الشرق الأوسط فهو على فوهة براكين سياسية يمكن لها أن تنفجر في أي وقت، وهو ما أبعد ما يكون عن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وأرقى وأنقى تجاربه الانتخابية في فلسطين تم اغتيالها بتحريض أمريكي. ودولة بوش الفلسطينية لم ترى النور فيما يهدد الاستيطان وجدار الفصل العنصري الفلسطينيين في أرضهم ومعاشهم. وفي لبنان ازدهرت الاغتيالات السياسية وأزداد نفوذ سوريا برغم انسحاب قواتها وهيمن حلفاؤها أو كادوا على القرار السياسي.
لم تجد رايس من إنجازات تعددها فتحدثت عن تصويت المرأة في الكويت، وكان حريا بها أن تتكلم عن معاناة المرأة الفلسطينية جراء الحصار والقمع الإسرائيلي وعما تعرضت له عراقيات من اعتداءات على أيد جنود أمريكيين وعن عبير الجنابي والتي اغتصبها الأمريكي جيسي سبيلمان وقتلها وحرقها، وعن أحوال اللاجئات العراقيات البائسة واضطرارهن للعمل المهين من أجل إطعام أطفالهن.
حديث رايس يفتقر للعلمية ويتجاهل الحقائق ويكرر مغالطات سئم الناس سماعها.