الديمقراطية المطلوبة في سورية

عبد الله القحطاني

على قياس مَن !؟

عبد الله القحطاني

·  إذا كانت الديموقراطية المطلوبة ، في سورية ، على قياس أسرة أسد ، فهي متحقّقة ، منذ حوالي أربعين عاماً ! فقد رتّبها الرئيس الراحل ، كما يشاء ، ووضع فيها كل ماتحتاجه ، من ديكورات جبهَوية ، وصار يباهي بها العالم ، ويقيم الحجّة على أرقى الديموقراطيات الحديثة الراسخة ، في أوروبّا ، وأمريكا .. مؤكّداً على أن لكل دولة ديموقراطيتها الخاصّة بها ، الملائمة لطبيعتها وظروفها !

·  إذا كانت الديموقراطية الطلوبة ، في سورية ، على قياس إسرائيل ، فهي متحقّقة ، عبر أسرة أسد ، منذ التاريخ المذكور، الذي أعلن فيه حافظ أسد ديموقراطيته البديعة !

·  إذا كانت الديموقراطية المطلوبة ، في سورية ، على قياس أمريكا ، فهي متحقّقة ، كذلك ، عبر أسرة أسد ، بالطريقة ذاتها ، التي تحقّقت لإسرائيل !

·  إذا كانت الديموقراطية المطلوبة ، في سورية ، لشعبها ، وفصائله السياسية ، وشرائحه الاجتماعية .. مطلوبة على قياس فئة بعينها ، من هذه الفصائل والشرائح .. فهاهنا ينبغي أن يتوقّف المرء طويلاً ، ويفكّر ملياً :

1)  إذا كانت الديموقراطية ، مطلوبة على قياس طائفة دينية ، أو مذهبية .. فهذا يعني ألاّ ديموقراطية ألبتّة ! لأن الشعب السوري فيه طوائف عدّة ، ومذاهب شتّى .. وهذا يعني ، بالضرورة ، أن كل طائفة ، ستعارض الديموقراطية المفصّلة على قياس الطائفة المذكورة ، أو المذهب المذكور ! وهذا يعني ، بالضرورة أيضاً ، ومن قبيل تحصيل الحاصل ، أن تبقى ديموقراطية آل أسد ، مهيمنة على حكم سورية ، إلى أجيال عدّة قادمة !

2)  وإذا كانت الديموقرطية المطلوبة ، مقصّلة على قياس حزب سياسي ، يساري أو يميني ، أو علماني أو إسلامي .. فهذا يعني ، كذلك ، ألاّ ديموقراطية في سورية ، ألبتّة ، غير ما أبدعته أسرة أسد .. وهي تقيم الحجّة ، فيه ، على الجميع !

3)  وإذا كانت الديموقراطية المطلوبة ، على قياس فئة عرقية، من فئات الشعب السوري ، وهي ترفض أيّة ديموقراطية ، تخالف القياس الذي فرضته لنفسها ، وتريد فرضه على الآخرين .. فهذا يعني ، كذلك ، أن ديموقراطية آل أسد ، ستبقى جاثمة على صدور الشعب السوري ، إلى ماشاء الله !

4)  أمّا إذا كانت الديموقراطية المطلوبة لسورية ، إنّما هي مطلوبة لشعبها كله ، عبر برامج وطنية ، متّفق عليها ، ملائمة لسائر الشعب ، بسائر مكوّناته ، دون خوف من عسف أو جور، أو تحكّم أقلية بأكثرية ، أو أكثرية بأقلية .. فهذا يعني أن على كل ذي لبّ ، من قادة العمل السياسي المعارض ، أن يتّفق ، أوّلاً ، وقبل كل شيء ، مع القوى الأخرى ، على كسر الجدار الاستبدادي الأسدي القائم .. وبعد ذلك تصبح البلاد لأهلها ، جميعاً .. يتفاعل الناس فيها ، تفاعلاً سياسياً حراً ، عبر تحالفات شتّى ، وصور شتّى من صورالعمل السياسي ، الديموقراطي حقاً ! وتجربة سورية الخصبة ،  في مرحلة الخمسينات وأوائل الستّينات ، من القرن المنصرم ، تقدّم نموذجاً مريحاً ، نظرياً وعملياً ، لسائر الأطراف السياسية ، العاملة في الساحة السورية ، والتي عرفت تلك التجارب ، وعايشتها ، ومارستها ، وحقّقت ، عبرها ، ماتطمح إليه ، من خلال قدراتها وإمكاناتها ، وأساليب عملها الاجتماعي والسياسي ! ومن كان لديه نموذج ، لديموقراطيةٍ سورية ، مناسبة لشعب سورية ، كله ، أفضل من تلك ، التي كانت في تلك المراحل .. فبوسعه تقديمها ، للقوى السياسية القائمةعلى الساحة.. ليتحاور حولها الشركاء جميعاً ، ويتوصّلوا فيها، إلى اتّفاق مناسب للجميع، ومناسب ،  أوّلاً ، لسورية وطناً - لا أقاليم ! - ولأهلها شعباً - لا طوائفَ ، أو مذاهبَ ، أو أعراقاً - !