كل يوم، جهيزة تقطع أقوال الخطباء
ثم يعودون إلى الخطابة !
ماجد زاهد الشيباني
* قتل رجل من قبيلة ، رجلاً من قبيلة أخرى . واجتمع أصحاب المكانة والجاه ، من رجال القبائل ، لتسوية الموضوع ، وحلّ المشكلة بين القبيلتين . وبدأ الخطباء يتبارون في الحديث ، عن فضائل الصلح والعفو والمسامحة .. وعن وجوب دفع الدية من قبيلة القاتل ، ووجوب أخذها من قبل أهل القتيل ، حقناً للدماء .. وعن فضيلة إصلاح ذات البين .. وغير ذلك ، ممّا يقتضيه الموقف ، وطبيعة الموضوع ..!
وبينما هم على هذه الحال ، جاءت امرأة مسرعة من بعيد ، اسمها جهيزة ، وصاحت : ياقوم ياقوم .. لقد ظفر أهل القتيل ، بالقاتل ، فقتلوه ! فقال أحد الحاضرين : قطعت جهيزة قول كل خطيب ! فذهبت قولته مثلاً تردّده الأجيال !
· منذ سنوات عدّة ، بات خطباء العرب ، يتبارون في الحديث عن إيران ، وخطرها الداهم .. مذهبياً ، وعسكرياً ، واقتصادياً ، وسياسياً ، وأمنياً ..! بعضهم يهوّل من أمر هذا الخطر، وبعضه يهوّن منه .. بعضهم يجزم ، وبعضهم يخمّن .. بعضهم يؤكّد ، وبعضهم يشكّك ..!
والخطباء ، هنا ، ليسوا هم الحكّام ، وحدهم .. بل معهم الكثيرون من قادة الشعوب ، قادة الرأي والفكر، وقادة العمل الإسلامي ..!
وكما كانت إسرائيل ، منذ إنشائها ـ ومازالت ـ تقدم الدليل تلو الآخر، على أنها لاتؤمن بشيء ، اسمه صلح ، أو سلام ، إلاّ إذا خضع مصالحوها ، أو مسالموها ، لشروطها ، تماماً ، بشكل واضح صريح ، أو بشكل ضمني ، فعلي ، على الأرض .. فإن إيران تقدّم ، كل يوم ، بل كل ساعة .. على ألسنة خطبائها ، من الحكّام وأصحاب الرأي ، والمنظّرين ، والمفكّرين ، والإعلاميين ، والساسة ، والعسكريين.. تقدّم الدليل تلو الدليل .. بأنها زاحفة ، للهيمنة على العالم العربي كله ، وعلى العالم الإسلامي كله .. عبر وسائلها المتعدّدة ، وجنودها المنبثّين في الدول كلها ، وبين الشعوب كلها ..!
يخرج نائب لرئيس الجمهورية الإيرانية ، ليصرّح علناً ، بأنه : لولا إيران ، لَما احتلّت أمريكا أفغانستان ، ولَما احتلّت العراق !
ويخرج مسؤول إيراني ، ليطالب الحكومة المصرية ، بتعيين وزير أوقاف شيعي.. لأن وزراء الأوقاف السنّة ، غير مؤتمنين على أضرحة آل البيت ، الموجودة في مصر! ( وهم يَعدّون آلَ البيت ، أمراً خاصاً بهم ، لأنهم هم شيعة آل البيت ! أمّا أهل السنّة ، فأعداء لآل البيت في نظرهم !) .
ويخرج سياسي ، أو مفكّر، أو منظّر.. إيراني ، ليطالب بنزع ولاية الأسرة الحاكمة في السعودية ، عن الحرمَين الشريفين ، في مكّة والمدينة ..!
ويخرج خطيب في مسجد ، أو متحدّث في إذاعة أو تلفاز أو إنترنت .. أو كاتب في صحيفة أو مجلّة .. لينال من أصحاب رسول الله ، ومن أزواج رسول الله ، ومن العلماء الذين أخرجوا أحاديث رسول الله ، ومن رموز الأمّة الإسلامية ، كلهم ، عبر التاريخ الإسلامي ، كله .. فيظنّ العقلاء ، أن جهيزة الإيرانية ، قطعت أقوال الخطباء العرب ، حول إيران ، وحول فارس ومطامعها ، ومطامحها ، وخططها ، ونيّاتها .. ولم يعد ثمّة حاجة لعاقل ، ليعرف المزيد عمّا تريده إيران ، وما تشكّله من خطرعلى الأمّة ! إلاّ أن الخطباء يعودون إلى الخطابة ، من جديد .. بعضهم يزعم أن التصريحات المعادية للأمّة ، وتلك التي تنال من بيت النبوّة ، ومن صحابة النبيّ ، ومن رموز الأمّة .. يزعم أنها آراء فردية ، لا تمثّل رأي الدولة وسياستها ! وبعضهم يرى أن هذه التصريحات ، يجب أن يغَضّ النظرعنها ، حفاظاً على وحدة الأمّة الإسلامية ، في مواجهة المشروع الصهيوني ! وبعضهم يرى أنه لا مصلحة في استعداء إيران ، الإسلامية (الشقيقة !) وبعضهم يعتقد أن التناقضات الصغيرة ، داخل الأمّة الإسلامية ، يجب غضّ النظر عنها ، أو إذابتها .. لمواجهة التناقض الرئيسي ، في الصراع مع العدوّ الصهيوني ومشروعه العدواني ! وبعضهم يتذكّر الآية الكريمة: (فما لكم في المنافقينَ فئتَين والله أركسَهم بما كسَبوا ..) فيردّ عليه آخر ، بأن هذه الآية إنّما هي في المنافقين ، لا في المؤمنين الأتقياء الأطهار، أحفاد إسماعيل الصفوي ، وتلاميذ مدرسته النجباء !
ويقلّب بعضهم يديه ، متسائلاً : أهذه هي الفتنة التي تدع الحليم حيران ، التي هدّد الله بها هذه الأمّة !؟ أم ثمّة فتن أدهى وأمرّ ، ستأتي على هذه الأمّة المبتلاة .. تعصف بها ، كما تعصف الأعاصير بأكوام الهشيم !؟
وإنا للـّه ، وإنا إليه راجعون !