سورية: علاقات عربية بإملاءات غربية

د. ياسر سعد

[email protected]

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما بإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان وفتح سفارة سورية في بيروت وذلك للمرة الأولى منذ استقلال البلدين قبل أكثر من ستة عقود. الإعلان السوري تزامن مع تقديم أول سفير سوري في بغداد، منذ نحو ثلاثة عقود، أوراق اعتماده للسلطات العراقية. وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قال لدى تسلمه نسخة من أوراق اعتماد السفير السوري نواف فارس إنه يأمل في "بناء علاقات مميزة تعكس عمق التفاهم" مع دمشق. وإذا كان لنا أن نبتهج بتصويب وإقامة العلاقات العربية-العربية، فإننا وبلا شك نصاب بخيبة أمل إذ ندرك من خلال المتابعة أن تلك المبادرات تمت استجابة لضغوط غربية.

فمن المعروف أن باريس اشترطت على دمشق أن تقيم علاقات دبلوماسية مع بيروت قبل رفع العزلة الغربية عنها عبر البوابة الفرنسية. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أعلن في مؤتمر صحفي بباريس في أعقاب قمة مصغرة جمعت الرئيس السوري بنظيره اللبناني، في الثاني عشر من يوليو الماضي، أنّ لدى فرنسا وسوريا الرغبة في افتتاح سفارتين في كل من بيروت ودمشق. كما أنه ليس سرا أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وفي أكثر من مناسبة وبشكل علني وعبر وسائل الإعلام، طلبت من الدول العربية أن تستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع العراق "الجديد".

أوليس من المؤسف أن سورية، والتي تترأس القمة العربية وتقدم نفسها كزعيمة لجبهة الممانعة العربية، تقيم وتستأنف علاقات دبلوماسية مع عاصمتين عربيتين جراء ضغوطات أو رغبات خارجية؟؟ سورية ليست استثناء، فالعالم العربي يعاني ضعفا في مناعته السياسية والعلاقات العربية تشكو غالبا من التوتر وهي سريعة التقلب والتدهور، أما العمل العربي المشترك فهو في أضعف حالاته على الرغم من أننا نعيش في عصر العولمة والتكتلات والتجمعات الإقليمية والدولية. فلم نسمع تنسيقا عربيا ولو على المستوى الإقليمي لمواجهة الأزمة المالية العالمية وتبعاتها. بل إن العديد من الدول العربية "القومية" أصبحت ترفع شعار المصلحة الوطنية أولا في محاولاتها للنأي بنفسها عن القيام بواجباتها نحو محيطها العربي.

وإذا كانت بعض الدول العربية قد أعادت علاقاتها مع بغداد فإنها تفعل ذلك بشكل فردي دونما تنسيق عربي، يحدد أسس هذا العودة وأسبابها وشروطها. نفس الأمر ينطبق على المفاوضات مع الدولة العبرية، فعلى الرغم من أن القمة العربية بدمشق رهنت مبادرة السلام العربية بالتزامات إسرائيل بمتطلبات السلام، هاهي العلاقات والمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية تستمر رغم التوسع الاستيطاني المتزايد وحفريات المسجد الأقصى والتصرفات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين حصارا في غزة واستخفافا واستفرادا بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

أزمات العالم العربي ومشكلاته متعددة، وإذا كان المشهد العالمي يشهد مخاضا يعيد صناعة وتشكيل توازن القوى تحاول بعض الأطراف إقليميا وعالميا الاستفادة من أجوائه –كما تفعل إيران-، فإن التمزق العربي وغياب الديمقراطية والحريات السياسية يجعل من العرب الطرف الخاسر دائما والأبعد عن استثمار التطورات والتغيرات الدولية.