من يحوّل المواطن السوري

من كونه سلعة سياسية.. إلى كونه فاعلاً سياسياً !؟

عبدالله القحطاني

*  ظلّ المواطن السوري ، فاعلاً سياسياً نشطاً ، في بلاده ، عبر تاريخ سورية الحديث ، من بداية الاحتلال الفرنسي لوطنه ، حتى بدايات احتلال بلاده ، من قبل حزب البعث ، قائد الدولة والمجتمع .. ! تدلّ على ذلك ، كثرة الأحزاب السورية ، وكثرة الصحف والمجلاّت ، في العهد الفرنسي، ثمّ في العهود الديموقراطية المتعاقبة ، التي مرّت بها سورية!  

*  مَسخ حزب البعث ، منذ حكم سورية ، المواطنَ السوري ، فجعله سلعة له ، يتاجر بها ، ويوظّفها توظيفات مختلفة ! ولا حقّ لهذا المواطن ، في أيّ شيء في بلاده ، إلاّ الحقّ الذي يمنحه إيّاه الرفاق البعثيون ! وحين استلمت أسرة أسد ، السلطة ، بعد أن صفّت الحزب لمصلحتها وحسابها ، جعلت المواطن مجرّد عبد مملوك لها ! وكل ما يملكه ، هو ملك لها ، تنتزعه منه متى شاءت ، بالأسلوب الذي تراه مناسباً لها ، على المستوى الفردي ، وعلى المستوى الوطني العامّ .. وما يزال الحال ، على هذا المنوال ، حتّى اليوم !

* من يعيد المواطن السوري ، فاعلاً سياسياً ، في بلاده ، كما كان !؟ وكيف !؟ هذا مايجب أن يفكّر فيه ، كل سياسي ، يندب نفسه للعمل الوطني العامّ ، في سورية ! لأن المواطن ، هو حجر الزاوية ، في أيّ بناء وطني ، أو سياسي ، أو اجتماعي ، أو اقتصادي !

قبل السؤال عمّن يعيد المواطن فاعلاً سياسياً ، وكيف .. لا بدّ من سؤالين : مَن الراغب في إعادة المواطن فاعلاً سياسياً !؟ ومَن القادر على ذلك !؟

·  لدى استعراض القوى العاملة في الساحة السورية ، تبرز جهات عدّة ، مِن أهمّها:

1)  حزب البعث الحاكم ، وعلى رأسه أسرة أسد !

2)  القوى الوطنية المعارضة ، بسائر فصائلها !

3)  منظمات المجتمع المدني ، من نقابات وجمعيات ومنتديات ثقافية !

4)  المثقّفون والعلماء والمفكّرون !

·  فأيّ هذه القوى ، أولى وأجدر ، بهذه المهمّة الجليلة ، والأساسية ، في حياة الوطن والمواطنين !؟

1-  حزب البعث الحاكم ، وعلى رأسه أسرة أسد ، مستبعد من هذا الأمر، بل من هذا النوع من التفكير، أصلاً ! لأن الحزب أداة من أدوات الأسرة ، اليوم ، في ( تسليع ) المواطن ، وإبقائه سلعة ، إلى ماشاء الله ، ومحاربة أيّة فكرة ، ترمي إلى إعادته فاعلاً سياسياً ، في بلاده ! لأن عودته إلى الحياة السياسية الفاعلة ، تعني ، ببساطة، نهاية حكم الأسرة ! وهذا ما تصرّ على تحاشيه ، بشتّى السبل ؛ من حبس للمواطنين ، وقتل ، ونفي ، ومحاصرة في الرزق ، وغير ذلك !

2-  القوى الوطنية المعارضة ، بشتّى فصائلها وأطيافها ، هي المؤهّلة الأولى ، لتفعيل دور المواطن سياسياً ، وإعادته إلى الفعل السياسي الجادّ الفعّال .. في حالة واحدة ، هي أن تكون هذه القوى المعارضة نفسها ، قادرة على أن تحسب تصوّراتها وطموحاتها ،على الأرض،   من خلال معادلة : الممكن والمجدي ، والمهمّ والأهمّ ، والمستعجَـل والمؤجّل ! وعلى أن  يتّـفق أطرافها ، على برنامج عمل معيّن ، من خلال هذه المعادلة ..! لا أن تحسب تصوّراتها وطموحاتها ، من خلال هندسات ذهنية مجرّدة ، بعيدة عن الواقع ، تنبع من عالم الأحلام ؛ أحلام اليقظة ، التي لاتكلف أصحابها شيئاً ، لكنها لاتحقّق لهم شيئاً ، سوى ضياع أوقاتهم ، وإطالة معاناة شعبهم ، الذي ينتظر ساعة الخلاص ، على أحرّ من الجمر، تحت حكم الأسرة الأسدية الميمونة !

3-  منظّمات المجتمع المدني ، غير الخانعة للنظام الأسدي ، وغير الدائرة في فلكه ، رغبة أو رهبة ! ومع هذه المنظّمات ، العلماء والمثقّفون والمفكّرون .. غير الذين باعوا أنفسهم للنظام الأسدي ! أمّا العناصر التي خنعت ، أو باعت .. سواء أكانت من العناصر المحسوبة على منظّمات المجتمع المدني ، أم من العلماء والمثقّفين والمفكّرين .. أمّا هذه العناصر، فهي توابع ، من توابع الأسرة الأسدية ، الساعية إلى إبقاء المواطن سلعة ، لتظلّ هي صاحبة الفعل السياسي الوحيد ، في الساحة السورية ، وتظلّ تمارس استعبادها للناس ، إلى أقصى مدى ممكن !

·  كيف ينقَـل المواطن ، من حالة التسليع ، إلى حالة التفعيل والفعل !؟

ثمّة عناصرعدّة ، تدخل تحت (كيف) هذه .. ومن أهمّها :

مخاطبة المواطن ، على أنه ، هو، ذاته .. صانع قراره ، وقرار وطنه وشعبه .. مهما كان موقعه ، أو عمله ! وأنه ليس تابعاً لأحد ، أياً كان هذا الأحد ! وأنه لن ينتـقل من تبعيّة الأسرة الحاكمة ، إلى تبعيّة المعارضة ، التي قد يَتصوّر أنها تدعوه ، لتكون سلطة عليه ، بديلة للسلطة القائمة! إنه ، ببساطة ، الفاعل الأول ،  في سياسة دولته ! وإن استهانته بقدر نفسه ، تتركه مهاناً ، في نظر السلطة وعملائها .. وتتركه ، بالتالي ، عبداً لها ، وعبداً لأصغر عبد من عبيدها ، المستأجَرين للهيمنة عليه ، واستعباده !

 وهذا يعني ، بالضرورة ، جعلَ المواطن ، مهما كان المنظار الذي ينظر به إلى نفسه ضئيلاً .. جعلَه يتمثّـل بقول الشاعر:

   إذا القوم قالوا : مَن فتىً !؟ خِلتُ أنّني   عـُنيتُ .. فلم أكسلْ ، ولم أتبلّـدِ

فيتحوّل إحساسه بالخوف ، إلى إحساس بالغضب ، على الزمرة التي تستعبده .. وينقلب شعوره بالمهانة والذلّ ، إلى شعور بالنقمة على جلاّديه ، والتمرّد عليهم! ولو كلّفه هذا التمرّد ، الكثير ممّا يخاف عليه .. وفي مقدمة ذلك ، حياته نفسها ، التي يحياها بلا حرّية ، ولا كرامة .. في ظلّ آل أسد النبلاء !

 ولسوف يدفعه هذا كله ، إلى البحث عن الناس الذين يستطيع التعاون معهم ، بصفته سيّداً فاعلاً ، لا بصفته سلعة هزيلة ، تبحث عمّن يَدفع لها ، فيها ، ثمناً أكبر من الأثمان التي يدفعها الآخرون !