من يحرك أمريكا .. الدين أم المصلحة
أم أصابع خفية ...؟
أحمد الهواس*
عندما اجتاحت القوات الأمريكية العراق .. ادعت أنها قادمة لتحرير الشعب العراقي فكانت حرية العراق متمثلة بـــ حرقَ المتاحف ونهبَ المؤسسات وتصفية العقول الخلاقة ... وإشاعة الفوضى و الطائفية ومحاولة إشعال الحرب الأهلية , وقدمت رؤية لتقسيم العراق إلى كيانات هشة عبر مشروع السناتور الديمقراطي ( جوزيف بايدن ) الذي علل مشروع التقسيم بقوله :
(الواقع هو أننا ارقنا دمنا وانفقنا مالنا ليحترموا الالتزامات التي ينص عليها دستورهم)
المشهد العراقي الآن بعد خمس سنوات من الاحتلال يزداد قتامة بعد أن هُجر الملايين وفقد العراقيون مليونا ونصف المليون قتيل , ودمرت الأسرة العراقية وأصبح عنوانها.. أمٌّ فاقدة لشهيد أو مهاجر, أو امرأة تعيل أطفالها اليتم وأصبح اليتم في العراق أساسا والأسرة الطبيعية استثناء !
كل هذا ومازال العراق يُستنزف ويُنهب .. ويغادره ابناؤه بحثا عن موطأ قدم آمن فكانت الهجرة هجرتين داخلية مرة وخارجية اشد مرارة ...... والعراق يسبح على بحيرة من النفط .! وثروات كثيرة تعرف أمريكا أين هي..؟ وهي من جملة أسباب دعتها لاحتلال العراق..!
إن أعمال السرقة والنهب والسلب التي جرت في بغداد من قبل الرعاع والمدربين مسبقا على هذه الأعمال, والتي ركزت عليها كاميرات التصوير في 9 4 2003 كانت غيضا من فيض من سرقات الأمريكان لثروات العراق... حتى الرمال لم تسلم من السرقة كما حدث في شمال العراق, وسرقة الزئبق الأحمر من جنوب العراق , إضافة إلى ثروات كثيرة يأتي على رأسها النفط , ومصانع فككت وهربت إلى أمريكا وبعض الدول .. و مازال مشهد دخول بغداد يحرك في نفس الإنسان المحايد آلاف الأسئلة ... فقد توجهت دبابتان واحدة صوب المتحف وأخرى تجاه مشفى جراحة القلب الخاص بالأطفال لتشتعل النيران بالثاني وينهب الأول أمام أعين العالم المتحضر وعلى الهواء مباشرة ...!
العراق مشروع حرية ..... كما أدعى صقور البيت الأبيض ... أم مشروع إبادة...؟ أم إعادة صياغة ورسم لخارطة المنطقة وفق نظرية الشرق الأوسط الكبير..؟
لم يكن مصطلح الشرق الأوسط مصطلحا من نتاج أهل المنطقة بل كان من قبل الدول الاستعمارية فهي ترى بهذه التسمية أنها محور الأرض , ولهذا تقسم العالم بالبعد الجغرافي عنها .... وإن كان هذا المصطلح سليل مصطلحات سابقة ولعل أهمها المسألة الشرقية منذ أن هددت الجيوش العثمانية الإسلامية أوربا وسيطرت على القسطنطينية وبدأت تسير باتجاه فيينا ..! ولم تنته تلك المسميات بعد تفكيك الخلافة العثمانية واحتلال البلاد التي كانت تتبعها , وتقاسم المنتصرون الأرض العربية , بل فرخت مصطلحات أخرى كالشرق الأوسط , والشرق أوسطية , ومن ثم الشرق الأوسط الكبير أو الأكبر أو الأعظم , مرورا بعدد من الاتفاقات والأحلاف والحروب والسيطرة على منابع النفط .
لقد أدت أحداث 11من أيلول سبتمبر إلى ظهور سؤال يتردد على ألسنة الشعب الأمريكي : لماذا يكرهوننا ....؟؟ ليعلن باول في ديسمبر 2002 مبادرته بشأن تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط لأنها الكفيلة بإزاحة موجة الكراهية تجاه كل هاهو غربي .
أمريكا المتسائلة عن سبب الكراهية غزت بلدين إسلاميين ونشرت فيهما الخراب والدمار , ولم تتوقف عن دعم الكيان الصهيوني واعتبار نضال الشعب الفلسطيني إرهابا .. وكأنها لا تعرف أنها تغذي الكراهية وتنفذ أفكار كتابها المتطرفين في صراع الحضارات ونهاية التاريخ , وينطلق قادتها من فكر ديني متطرف ( المسيحية المتصهينة ) فرئيسها الحالي بوش وصل للبيت الأبيض وهو يؤمن بالنبوءات الحرفية للعهد القديم , ومعركة هيرمجدون , وهو القائل لحظة أدائه القسم على الإنجيل لدخول البيت الأبيض : (ملاكًا يمتطي صهوة الزوبعة ويوجه هذه العاصفة...!)
وقد سُئل في فترة ترشيحه عن المفكر المفضل لديه فقال : السيد المسيح ...( عليه السلام ).....!!
فالرئيس الأمريكي المعروف بتأثره بالدين وتعلقه بالوعاظ المتطرفين من أمثال جيري فالويل و بيل غراهام , يظن أنه ينفذ أوامر الرب , أما ما فعله جنوده في العراق فيكفي أن نرجع إلى ما كان يردده جنود الفرقة السابعة والثمانين الأمريكية يوم بدأت حرب الخليج الثانية (الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث) وبعد الغزو الاستعانة بالمرتزقة الذين يحملون أسماء لها مدلول صليبي ..., وكذلك ما فعله الجنود الأمريكيون داخل مساجد الفلوجة والاعتداء على المصاحف , والأذى النفسي الذي تعرض له السجناء العراقيون أثناء تأدية الصلاة .
وأمام تزايد الكراهية للإدارة الأمريكية في المنطقة اقترحت أمريكا مشروع إصلاح سياسي يدعو للديمقراطية في المنطقة ,وقد استند أصحاب المشروع على تقرير التنمية البشرية العربية لعامي 20022003 وعلى تقرير الأمريكي ( فريدم هاوس) في كيفية إرغام الشرق الأوسط على الأخذ بالديمقراطية ...
وحينما صاغت أمريكا مشروع الشرق الأوسط الكبير نشرته عبر صحيفة الحياة اللندنية في 13 فبراير 2004 ويقوم على ثلاثة أمور:
الأول : تشجيع الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة
الثاني : جسر الفجوة المعرفية بين الشرق المتخلف والغرب المتقدم
الثالث : توسيع الفرص الاقتصادية عن طريق تقديم قروض للمشروعات الصغيرة .
مشروع الشرق الأوسط الكبير بامتداداته الجغرافية الهائلة يقوم على تقبل ثقافة الغرب وفرضها على مجتمعات تلك البلدان وكذلك تقبل فكرة الكيان الصهيوني , وتطبيق نظرية بيريز في الشرق أوسطية ,
ومنذ أن قام الكيان الصهيوني اعتمد على الدعم الغربي حتى بات الدعم الأمريكي سمة واضحة للسياسة الأمريكية ... فقد استخدمت أمريكا حق النقض ( الفيتو ) لحماية إسرائيل منذ عام 1982 ( 32 ) مرة وأجهضت كل الجهود العربية التي تسعى لوضع البرنامج النووي الصهيوني تحت أجندة وكالة الطاقة الذرية الدولية , وتغطي على جرائم الصهاينة في فلسطين وتمدهم بدعم عسكري هائل... ففي حرب أكتوبر على سيبل المثال قدمت أمريكا دعما عسكريا وصل لأكثر من بليوني دولار وكذلك دعما مباشرا منذ عام 1976 يصل في العام إلى ثلاثة بلايين دولار وهي خمس الميزانية الإجمالية للمساعدات الأمريكية الخارجية , وتدعي أنها والكيان الصهيوني في حرب ضد ما يسمى الإرهاب .. وتضلل واشنطن المواطن الأمريكي دافع الضرائب بحماية الكيان بالحجج الآتية :
أولا - كيان ضعيف محاط بالأعداء
ثانيا - بلد ديمقراطي وهو شكل مفضل أخلاقيا للحكم
ثالثا - الشعب اليهودي عانى كثيرا من الجرائم التي ارتكبت بحقه ولهذا يستحق معاملة خاصة
رابعا - لأن سلوك الكيان أخلاقيا كان متفوقا على سلوك خصومه
هكذا يتم التضليل بفعل قوة اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة والسيطرة على القرار السياسي والعسكري .. وهذا ما يذكره صراحة ( ستيفن والت , و جون ميزر هايمر ) مؤلفا كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية ( تقرير هارفارد ) وهما يعدان من أفضل خمسة عقول في العالم , شهادة كلفت ستيفن والت الاستقالة من عمله وتخفيض حجم التقرير الذي قدّم في إحدى أعرق الجامعات الأمريكية .
*كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة.