بروتوكولات حكماء "وحدة الصف"
بروتوكولات حكماء "وحدة الصف"
الشيخ العلامة يوسف القرضاوي |
جمال سلطان |
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
انطلاقا من قول الله تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " [ الحجرات : 10 ] ، وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ ... " ، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم أيضا : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ... " أسطر هذه الأسطر أسأل الله أن أكون من المشمولين في الآية والأحاديث المذكورة آنفا ...
رصدتُ الهجوم الأخير على الشيخ الدكتور القرضاوي بتتبع ما نشر في الصحف والمواقع الإلكترونية ، وآثرت التريث قبل نشر أي مقال بخصوصه لتتجمّع وتتخمر الفكرة في الذهن ، وبما أن الموضوع يخص شخصية لها وزنها وثقلها في العالم العربي فقد عزمت على الكتابة عن تلك الهجمة نصرة له ، وقد شارك فيها أطراف عدة ليست المعنية بالموضوع فقط ، بل من هم في المقابل لهم على اختلاف مشاربهم ، وتوجهاتهم .
كلنا يعلم مَنْ هو الشيخ القرضاوي ؟ وبالرغم من اختلافنا مع الشيخ في بعض أطروحاته وأفكاره وتقريراته إلا أنه أحد الأعلام المشهود لهم بالحضور في كثير من قضايا الإسلام والمسلمين بل يعتبر رمزا من رموز أهل السنة ، وهذا أمر لا يجادل فيه اثنان ، وفي الأسابيع الماضية شهد الشيخ الدكتور القرضاوي هجوما إعلاميا شرسا من بعض الشخصيات والوكالات الإعلامية الشيعية بسبب تحذيره في صحيفة " اليوم المصري " من التبشير بالتشيع الصفوي في أوساط المجتمعات السنية ومنها مصر والجزائر ، وتحذير الشيخ له وزنه وثقله من جهة أنه شخصية عاشت زمنا في محاولة التقريب بين السنة والشيعة فهو رئيس الاتحاد العالمي لذلك .
وتحذير الشيخ القرضاوي – جزاه الله خيرا – جاء في وقتٍ سكت فيه الكثير من العلماء والدعاة عن ذلك الخطر المخترق للمجتمعات السنية ربما لأسباب سياسية ، وترصد إيران المليارات لتصدير التشيع الصفوي ، وإيران استغلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد اتهام المؤسسات والجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي بتمويل الإرهاب ، فضربت إيران ضربتها ، وخلا لها الجو ، ونشطت في التحرك من أجل عقيدتها ولو كلفها المليارات .
والشيخ القرضاوي قبل ذلك بدأ يراجع حسابته بخصوص فكرة التقريب بين الشيعة والسنة لأنه وجد أنها مضيعة للوقت ، وليس لها ثمار حقيقية على أرض الواقع ، ولم تحقق مكاسب لأهل السنة بل للطرف المقابل ، وأنه لا يمكن التقريب بينهما لأن الفروق بينهما لا ينفع فيها التقريب فصرح وكتب عن ذلك ، وهو كغيره ممن سبقه من أهل السنة الذين تحمسوا لفكرة التقريب ثم صدموا بكذب الشيعة ومن أولئك الدكتور مصطفى السباعي ، ومحمد رشيد رضا ، والسالوس وغيرهم ، ولكم أن ترجعوا إلى كتاب " مسألة التقريب بين السنة والشيعة " للدكتور ناصر القفاري لمعرفة تراجع بعض العلماء المعاصرين عن فكرة التقريب .
بعد تحذير الشيخ القرضاوي شنت وكالة الأنباء " مهر " الشيعية هجوما قبيحا على الشيخ ، واتهمته بتهم غريبة لا مجال لذكرها ، وكذلك محمد حسين فضل الله ، والتسخيري نائبه في الاتحاد العالمي ، ورد الدكتور الشيخ القرضاوي عليهم في بيان طويل فند تهمهم له ، ومن آخر من اتهم الشيخ خاتمي بتهمة لا ناقة لها ولا جمل .
أنا لا أستغرب ذلك الهجوم ممن سبق ذكرهم على الشيخ فليس بالمستغرب عليهم فلم يسلم منهم أطهر البشر وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بالشيخ القرضاوي ؟! ولكن الأغرب والأعجب سكوت أقوام من أهل السنة عن تلك الهجمة الإعلامية ، وهجوم آخرين على الشيخ ، والمفرح من هم في الوسط وهم الذين دافعوا عن الشيخ ونصروه .
أما الساكتون فهم الإخوان المسلمون الذي تربى الشيخ في أحضانهم ، وعلى أفكارهم ، فلم يصدروا ولو بيانا واحدا يستنكرون فيه تلك الهجمة على الشيخ ، وليس غريبا عليهم فهم يدورون مع المصلحة ولو كانت على حساب أقرب قريب مع الأسف .
وأما المهاجمون فإنهم من داخل اتحاد علماء المسلمين الذي أسسه الشيخ القرضاوي ، ولا داعي لذكر الأسماء .
إننا أمام حالة من التفكك الغريب ، والمواقف الأغرب من قضية الهجوم على الدكتور القرضاوي سواء من الطرف الشيعي الذي قلت أنه ليس بمستغرب ، أو السني بالرغم أن تحذير الشيخ له نصيب من الواقع ، ولا ينكره إلا ساذج ، فعلى سبيل المثال : حركة التمرد في اليمن والتي يتزعمها الحوثي كيف بدأت قبل اكتشاف أمرها وتحولها إلى حركة خارجة عن الدولة ؟ ومن الممول لها ؟ أظنكم تعرفون الجواب ! .
وانتشار التشيع في مصر أيضا فبين الحين والآخر تخرج لنا الأنباء عن كشف التحركات الشيعية هناك ، هذا إلى جانب الخلايا النائمة الشيعية في وسط المجتمعات السنية والتي تتحين الفرصة لعمل أعمال تخريبية مثل التي حصلت في الحرم المكي ، والكويت ، والبحرين كما صرح بذلك بعضهم .
والأعجب مما سبق الصمت المطبق للإعلام العربي في الدفاع عن الشيخ القرضاوي ، فعلى كثرة تلك الفضائيات التي حاربت الله في سمائه لم تتفوه - بحسب علمي القاصر - بكلمة دفاعا عن الشيخ ، ويبدو أن البعد السياسي له دور في ذلك ، ولو كانت القضية تخص فنانا أو فنانة ، أو ساقط من الساقطين ، أو قضية تخص الهيئة أو القضاء ، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها .
والحمدُ للهِ بدأت بعض المؤسسات والهيئات المعروفة بالدفاع عن الشيخ ، ودعمت صحة ما حذر منه فعلى سبيل المثال جبهة علماء الأزهر أصدرت بيانا تدعم فيه الشيخ في تحذيره من المد الشيعي ، وأيضا الجماعة الإسلامية في مصر دعمت موقف الشيخ ، ولعل في إثارة هذه القضية خير كبير لتفتح أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، فالمد الشيعي الصفوي يتحرك وبقوة في كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية ، نسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين من شرهم وشركهم وشتمهم ولعنهم للصحابة الكرام .
الاختراق الإيراني للنخبة
أرسل لي الدكتور كمال الهلباوي من لندن بيانا قال أنه صادر عن ما يسمى "منتدى الوحدة الإسلامية" ، وهي أول مرة أسمع فيها عن هذا المنتدى ، البيان نمطي للغاية ويمكن أن يمليه أي شخص وهو يتمشى في ساعة عصاري ، حديث شاعري جميل عن وحدة الأمة وعن وحدة الصف والاستراتيجيات والأيادي التي تعبث بوحدة الأمة خاصة المحتلين الصهاينة !! ، وهو ـ مع الأسف ـ كلام شديد السطحية والتعويم ولو لم تعرف الموقعين يصعب عليك معرفة مصدره : هل هو حزب البعث أو الحزب الاشتراكي الناصري أو مكتب على خامنئي ، وتجاهل البيان تماما كل أبعاد الأزمة الأخيرة ، فلم يشر من قريب أو بعيد إلى مصادر قلق الشيخ القرضاوي ، وأسباب انفعاله وشعوره بالخداع من مسألة الوحدة والتقريب ، وهو كان رأسها وأبرز الداعين إليها ، ثم اكتشف أن الحكاية في معظمها نوع من "الاستغفال" وأن ما يقولونه من كلام جميل في الغرف المغلقة يفعلون نقيضه في الواقع العملي ، كما أن الهلباوي ـ سامحه الله ـ لم يشعر بأي غضب أو قلق من الشتائم التي وجهت إلى فضيلة الشيخ القرضاوي كأنها شيء عادي أو مفهوم !، الأمر نفسه ـ مع الأسف ـ لاحظته مع جماعة الإخوان المسلمين ، التي أرجو أن يتسع صدر محبيها لهذا العتاب ، لم يترك الإخوان حادثة أو واقعة هوجم فيها حسن نصر الله إلا وصدرت بيانات وتوضيحات عن الجماعة تندد بشانئيه ومعارضيه وتدافع عنه وعن مواقفه وسياساته ، حتى وهو يجتاح بيروت الغربية بميليشياته ، فبأي معنى نفسر صمت الإخوان المسلمين المطبق على ما نال الشيخ القرضاوي من أذى ، إن أكثر من نصف أدبيات الإخوان المسلمين الفكرية ـ على الأقل ـ في ثلث القرن الأخير كلها عالة على عطاء القرضاوي وكتاباته ومؤلفاته ومحاضراته ، فهل أصبحت كرامة الشيخ وعرضه ـ وهو على هذا القدر من الخطر والمكانة ـ أهون وأحقر من مكانة حسن نصر الله ، شيء لا يصدق ، هل يمكن أن يفسر لي أحد معنى صمت الأستاذ مهدي عاكف مرشد الإخوان حتى الآن على هذا السباب الذي وجه علانية للشيخ القرضاوي ، ومحاولة اغتياله معنويا من قبل الإيرانيين ، هل تبرأ الإخوان اليوم من القرضاوي ، أم أباحوا عرضه للآخرين ، ثم نأتي إلى ما يسمى باتحاد علماء المسلمين ، وهو المؤسسة التي اتهمنا الدكتور العوا بأننا نهدد كيانها ونصنع الفتنة بين أصحابها ، هذا الاتحاد أسسه ويرأسه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ، وهو العلم فيه والرمز ، وكل ما دونه لا يقاربه ولا يدانيه مكانة وعطاء وقيمة علمية ودينية ، مع كامل الاحترام للجميع ، فعندما يسب رئيس هذه الهيئة علانية ويوصف بأنه ماسوني وعميل صهيوني وعدو للنبي وأهل بيته ، ثم يصمت أعضاء الاتحاد كأن على رؤوسهم الطير ، ولا ينطق أحد منهم بكلمة دفاعا عن عرض رئيس الهيئة ، ولا تصدر الهيئة أو أمينها العام أي تصريح أو بيان أو كلمة تندد فيها بالهجوم الوقح على الشيخ ، فبماذا يفسر العقلاء مثل هذا الموقف ، تخيل مثلا أن رئيس أي حزب مهما صغر يتهم علانية بأنه عميل ومرتشي وفاسد وماسوني مثلا ، ثم لا يغضب حزبه ولا يصدر أي تعليق أو دفاع عن رئيسه ، ماذا يعني ذلك ، إما أن الحزب "باع" رئيسه ، وإما أن الحزب يقر مصدري الاتهام على اتهاماتهم لرئيسه ، وهذا ما آلم فضيلة الشيخ القرضاوي في الموقف الأخير ، وهذا ما لا يريد البعض الاعتراف به أو الاعتذار عنه ، والحقيقة أني قبل هذه الواقعة كنت أتصور أن "الاختراق الإيراني" محصور في محاولات التشييع لمجموعات من أهل السنة ، ولكن توابع ما حدث أكد لي أن الاختراق الإيراني للنخبة السياسية والفكرية وصل إلى آماد بعيدة للغاية من غسيل المخ وغسيل الضمير .
بروتوكولات حكماء "وحدة الصف" !
ملخص المشهد العبثي الذي يروج له "حكماء زمانهم" الآن بدعوى وحدة الأمة ، أنه عندما يضربك الإيرانيون على خدك الأيمن فأدر لهم خدك الأيسر لكي يكملوا مهمتهم بهدوء ، وإياك أن تحتج أو تصرخ أو تطلب وقف الاعتداء ، لأنك بذلك ستكون مهددا لوحدة الأمة وتضعف معسكر المقاومة والممانعة ، وليس الوقت وقت شكوى أو التوقف عند هذه "الأمور الصغيرة" ، وكذلك إذا سب الإيرانيون دينك بأن يسبوا علانية أصحاب النبي وخلفائه الراشدين ويصفوا أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما بأنهما صنما قريش ، فعليك أن تلوذ بالصمت وكأنك لم تسمع ولم تقرأ ، ولا تحتج ولا ترفع صوتك بالشكوى لأنك إن احتججت أو شكوت فأنت تشق صف الأمة وتعين الأمريكان والصهاينة على الشقيقة إيران ، وعندما يتآمر الإيرانيون على بلدك أو على بلد عربي مسلم مثل العراق ويقدمون الدعم والعون المباشر لاحتلاله ويتباهون بذلك ويمتنون به على الأمريكان فلا تبدي دهشتك ولا تعترض ولا تحتج ، وعليك أن تبتلع الشكوى ، لأنك إن كشفت عن ذلك فأنت تشق وحدة الأمة وتضعف من معسكر الممانعة والمقاومة ، وعلى ذكر معسكر المقاومة ، هل سمع منكم أحد أي كلام لأصحاب الصوت العالي في حديثهم عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، هل سمع منكم أحد كلاما لأحدهم ولو عرضا عن المقاومة العراقية ، تلك المقاومة الجسورة التي دوخت الأمريكان أربع سنوات وأوشكت على إلحاق الهزيمة النكراء بجيش الإمبراطورية عام 2006 باعتراف قائد الجيش الأمريكي ، هل سمع منكم أحد أي حديث عن تلك المقاومة في كلام أصحاب الوحدة الشيعية السنية ، لقد أسقطوا المقاومة العراقية من القاموس ومن الذكر ، رغم أنها تقاوم الأمريكان أنفسهم ، ورغم أنها تدافع عن أرض العروبة والإسلام في العراق ضد قوى الاحتلال والهيمنة ، ولكن لأنها مقاومة لا تدخل في نطاق اللوبي الإيراني المهيمن على مساحات واسعة من الإعلام "النضالي" العربي ، ولن نقول اخترقته ، لأن المقاومة العراقية ليست ضمن النطاق الإيراني فلا ينبغي أن يعترف بها ولا أن تذكر ، ولا يجوز أن تسمى مقاومة أصلا ، بل إن زعيم تنظيم حزب الله اللبناني وجد من نفسه الجرأة على وصف المقاومة العراقية ضد الأمريكان بأنها مجموعات إرهابية ، وأنها جماعات تكفيرية ، ومشكلته معها فقط أنها مقاومة سنية ، لأن شيعة العراق ـ مع الأسف ـ كانوا أسفلت الطريق للدبابات الأمريكية في طريقها لاحتلال بغداد ، وهم حلفاء الاحتلال من أول يوم ، وبالعودة إلى دعوة "حكماء زمانهم" في حديثهم عن الوحدة ، فعندما يشتم الشيخ يوسف القرضاوي ، أحد أهم وأبرز رموز أهل السنة في العالم اليوم ، والعالم الجليل ، ويمسح الإيرانيون بكرامته الأرض ، ويصفوه بكل صفاقة بأنه ماسوني وعميل صهيوني وعدو للنبي محمد وأهل بيته ، فإن ألسنة دعاة الوحدة خرست ولم تنطق بكلمة ، لم يجرؤ أحد منهم على أن يقول للإيرانيين "عيب" ـ فقط كلمة عيب ـ كلهم خرسوا ، إلا الغنوشي الذي جهر بغضبه وشكواه ، رغم صداقته لمراجع شيعية عديدة ، وورب الكعبة لو أن هذه الشتائم والبذاءات وجهها مصدر سني إلى التسخيري أو فضل الله أو حسن نصر الله لانتفخت أوداج كثيرة في القاهرة وبيروت ولندن وغيرها من أصحاب دعاوى الوحدة والتقريب غضبا لكرامتهم ، ودفاعا عن عرضهم ، واتهاما لمطلق البذاءات بأنه جهول وكذوب وسافل كما وصفه الغنوشي ، ولسمعت أصواتا كثيرة من دعاة الوحدة الزور تعطيك الدروس في الأخلاق وحسن الحوار والجدل بالتي هي أحسن والبعد عن السباب والانحطاط ، أما وأن الذي شتم هو عالم سني ، فليخرس الجميع ، وإن اعترضت فأنت تشق صفوف الأمة وتعين الأمريكان والصهاينة على معسكر الممانعة والمقاومة ، وعلى كل حال لن يكون عرض القرضاوي وكرامته أعز من عرض أبي بكر وعمر وأم المؤمنين عائشة الذي استباحوه جميعا ، الإيرانيون بالشتائم الصريحة ودعاة التقريب بالصمت المخزي والتواطؤ على الجرائم باسم وحدة الأمة ، وكم من الجرائم والخيانات ترتكب باسم وحدة الأمة .