حكومة المالكي وفائض الميزانية

كمثل الحمار يحمل أسفارا

د. مهند الحطّاب

[email protected]

ونحن ننظر إلى البائسين والذين يطرقون عشرات الأبواب للحصول على فرصة عمل، والعازفين عن الزواج بسبب عدم تمكنهم من توفير المبلغ اللازم من جهة وعدم امتلاكهم لإيراد ثابت يمنحهم الثقة لتكوين أسرة من جهة أخرى- ونحن ننظر إلى هؤلاء وغيرهم يطالعنا وزير النفط حسين الشهرستاني بتصريح مفاده أن العراق " لا يعاني من شحة في السيولة المالية ولديه فائض يصل الي 60 مليار دولار موجود حاليا لدى وزارة المالية والبنك المرکزي العراقي".

لقد خلقت لديّ هذه المعلومة ومعلومة سابقة تنص على أن الميزانية الحالية للعراق تسمى بـ (الميزانية الانفجارية) حالة من العجز الذهني حول وضع تفسير حقيقي لمأساة المواطن العراقي ابتداء من البطالة التي هي أساس المشكلة مرورا بطوابير الغاز والبنزين والنفط وأزمة الكهرباء (سهلة الحل) وليس انتهاء بالمعامل والمشاريع الضخمة المعطلة والتي لم يُعاد تشغيلها منذ خمس سنوات.

وعلى طريقة فيصل القاسم دعونا نتساءل، أو ليس من أولويات الحكومة إعادة الأمن والاستقرار وأن ذلك يتطلب بالدرجة الأولى القضاء على البطالة وتحسين المستوى الاقتصادي للمواطن؟، أم أن الفساد المالي والإداري في الوزارات يحول دون ذلك؟، أما آن الأوان لنهضة اقتصادية شاملة تعيد الحياة للعراق كما يعيد الماء الحياة للأرض الجرداء؟، تساؤلات كثيرة تُطرح ولكن الصدى يرجع بما قلناه.

يظهر أن المعنيين في العراق لا يريدون الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، بل لا يريدون أصلا اللحاق بركب الدول المتقدمة وهذا ليس كلاما من جيب الكاتب بل حقيقة لا لبس فيها، المسؤولون في العراق لم يفكروا أصلا بهذا الموضوع وكل من لديه أقارب في لندن وأمريكا ودبي وغيرها فليسألهم عن العقارات التي ابتاعها المسؤولون العراقيون هناك وكيف يقضون إجازاتهم بينما يأن المواطن العراقي تحت وطأة البطالة والفقر والأمراض وانقطاع التيار الكهربائي، وما أدراك ما انقطاع التيار الكهربائي في لهب الصيف الخانق، المسألة التي طال حلها وهي أسهل مما يُتوقع.

أما المستشفيات الحكومية فحدث ولا حرج فكلامك كله صحيح. يروي لي أحد الأصدقاء يقول: حدث انفجار في أحد شوارع بغداد فأُصيب أخي بجروح نقلناه على أثرها إلى مستشفى اليرموك ولما أُدخل في صالة العمليات ( وحالته طارئة) عرفنا أن ليس لديهم قطن ولا باندج فأسرعت راكضا نحو الشارع أبحث عن صيدلية لاشتري تلك المستلزمات الأولية ولما خرج أخي من صالة العمليات وقعنا في مطب أسوأ حيث شرعنا نبحث عن (المضمد) من ردهة إلى أخرى ولم نجده الا بعد نصف ساعة وجدناه يتمشى في الشارع الخلفي للمستشفى مع أحد زملائه ....

إذا كانت الميزانية الانفجارية لم توفر أرخص مادة طبية (القطن) في أشهر مستشفى حكومي وسط بغداد فكيف ستحل المشاكل الرئيسة كالبطالة والكهرباء والأدوية والوقود وغيرها؟.

وانطلاقا من قاعدة (الأمثال تُضرب ولا تُقاس) نقول إن الحمار يحمل أنفس الكتب المليئة بالمعلومات القيمة التي من شأنها أن تصنع من شرذمة من الناس أمة ذات مكانة في الأرض، لكنه يبقى حمارا لأنه لا ينتفع بتلك الأسفار، وحكومة المالكي التي تملك مفتاح النهوض بالعراق إلى مستويات مرتفعة من خلال ميزانية انفجارية وفائض مالي تحمل ذلك المفتاح كـ (ميداليا) لا تضر ولا تنفع، وقد أرجعت العراق عشرات السنين إلى الوراء بدلا من أن ترتقي به.

إن الدخول من باب الاقتصاد والاستثمار ابتداء من توفير فرص عمل وتشغيل العاطلين جميعهم أو أغلبهم ثم فتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية بشكل منظم ومخطط له يساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن والاستقرار ويرتقي بالعراق من مستواه المتخلف الحالي الى مستوى متقدم.