خلقنا من اجل أن نعترض
خلقنا من اجل أن نعترض!
محمود أحمد الأحوازي
السياسة لها صور مختلفة، إحدى صورها الدبلوماسية، وهو أسلوب علاقات يربط بين الدول أو بين مؤسسات دولة واحدة سواء كانت هذه المؤسسات رسمية مثل الوزارات أو غير رسمية مثل الأحزاب المعارضة والمجتمعات المدنية وغيرها، حيث في هذا الأسلوب يتعامل الجميع ويجامل مع غيره ومع منافسه حسب دستور مدون مشرع بإسم الديمقراطية ولذا نرى ان الجميع في هذا الأسلوب للسياسة ينافس ويحاجج ويتحد ويخالف في ظل القانون بعيدا عن أي مواجهة أو أي إضرار بطرف آخر حيث سيحاسبه الدستور على ذلك.
لكن هل السياسة فيها هذا النمط الواحد للتعامل فقط؟ بالتأكيد لا، حيث هذا النمط يتناسب مع دول وشعوب هي بالدرجة الأولى متجاوزة القهر الجبري والحرمان ألقسري والظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنهب والغارة والاضطهاد والأهم من ذلك انها غير مستعمرة، حرة وماسكة بعنان مصيرها بيدها، تتحاور وتتحالف وتتنافس بحرية، أما الدساتير المكتوبة بالنسبة للشعوب التي تعاني من كل هذا المسلسل من الاضطهاد وعلى رأسه الحرمان من حقها في الانتخاب والنشاط السياسي والاجتماعي ومن حقها في تقرير مصيرها، هي بالدرجة الأولى دساتير تخدم القوى والشعوب الحاكمة وخاصة في حالة كحالة استعمار شعب لشعب آخر أو احتلال دولة لدولة أو شعب آخر، في هذه الحالة كل دساتير المحتل تعتبر دساتير لتثبيت الاضطهاد والظلم والحرمان للشعب أو الشعوب المقهورة والمستعمرة، وطبقا للقوانين الدولية الخاصة بالشعوب المستعمرة، هذه الشعوب ليس مجبرة على قبول هذه القوانين والعمل بها ويحق لها الرفض والمواجهة والمقاومة لهذه الدساتير التي لا تضمن حقوقها.
في ما يخص هذا النوع من السياسة ومع الرفض القاطع لديمقراطية المحتل التي تدعيها سلطات الإحتلال والقهر، لا بد وان تختلف العلاقات بين الفئات المختلفة، حيث لا يصبح الدستور مطاعا للجميع ومن حق الذين حرموا طبقا لهذا الدستور من حقوقهم، يحق لهم الرفض وعدم الاستسلام لهذه القوانين الجائرة التي حرمتهم من حقوقهم وعليهم ان يناضلوا لأجل دستور يضمن لهم الحباة الكريمة ويعيد لهم ما فقدوه من حقوق إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وطبقا لهذا الحق للشعوب المضطهدة والمحتلة، يحق لها تنفيذ قوانين أخرى وان كانت غير مكتوبة، تضمن لهذه الشعوب سلامة مسيرها التحرري وتؤمن لها السكة حتى الوصول للخلاص النهائي والتحرير الكامل وهذا يعني ان على القوى المناضلة والتحررية ان تتعامل مع سلطات الإحتلال، مع عملائها ومناصريها، مع المتخاذلين والمسببين للخسائر في صفوف النضال وبين ابناء الشعب المقهور، وبالنهاية مع جميع من تسول له نفسه ان يضر بمسيرة النضال التحرري، على القوى التحررية ان تتعامل مع هذه الجهات الاستعمارية والمتعاملة معها وبكافة أشكالها، بأسلوب سياسي تحرري وليس بأسلوب دبلوماسي كما معمول به في الدول الحرة والديمقراطية، وهذه هي نقطة الفصل بين قوى الشر وقوى التحرر وبين قوى الظلام والقوى المناضلة التي تضحي يوميا بما تمتلك لخلاص شعبها.
عند ما أتذكر قول ماكسيم كوركي، المفكر الكبير: خلقنا من اجل نعترض، أتذكر كلام مأثور آخر لـ...... وهو اكثر وضوحا حيث يقول: ان الساكت عن الحق شيطان اخرس! وهذه الأقوال التي ترى الدفاع عن الحق المغتصب واجب على من يشخص الحق ويلمس ظلم الظالم ويعرفه ويراه بعينه، تسوقنا للقول ان علينا نحن الأحوازيين ان لا نخاف لومة لائم عندما نتحرك لرفض الواقع المفروض علينا وان نحتج ونعارض ونتسلح ونقاوم من اجل إعادة الحق المغتصب، وفي نفس الوقت علينا ان نناضل ضد كل رذالة سياسية ولا نحاول ان نتبادل المجاملات ونسكت على التخلفات ونغمض عيوننا عما يضر بنضال شعبنا ونسمح لمن هب ودب ان يعمل ما يشاء ونحن وبحجج غير مقبولة نتخذ السكوت أسلوب أمام التخلفات في وسطنا الأحوازي الضارة بنضال شعبنا أو مثل ما يطرحه البعض بسوء نية " من اجل الوحدة الأحوازية" حيث بذلك نخرج عملا من صف المناضلين وندخل في صف "الدبلوماسيين" في السياسة حيث نصبح عملا جزء من المعارضة الإيرانية في هذه الحالة.
والنضال، يختلف في جوهرة وفي إستراتيجيته عن الدبلوماسية، حيث في الدبلوماسية، يمكن ان تكون هناك مساومات، تنازلات، تعاملات، توافقات بين الأحزاب والمؤسسات المشاركة كما وبين السلطات وبين الأحزاب والمؤسسات، لكن عكس ذلك، لا توجد تنازلات ولا مساومات و لا تعاملات ولا توافقات سرية حول حق تقرير مصير شعب يريد الخلاص، والنضال التحرري مبني على إستراتيجية الخلاص الوطني، مما يعني، رفض أي إستراتيجية أخرى لا تضمن حق الشعب في اختيار مصيره بنفسه! هذا الفارق بين النضال والدبلوماسية، يضطرنا ان نتجنب الدبلوماسية التي تسوقنا" وساقت بعضنا" إلى السقوط في الهاوية وفي أفخاخ خطيرة، يمكن ان يكون للنظام مشاركة في رسمها وان لم يكن فهي بالتأكيد لا تحمل المودة لشعبنا والمناصرة لحقوقه المغتصبة بل انها تدخلات خبيثة من اجل تلويث نضال شعبنا وانحرافه عن مسيره التحرري وربطه بسياسات وبجهات لا تخدم بالنهاية العلاقة بهم المصلحة الوطنية الأحوازية.
ومدعوين أبناء شعبنا جميعا في هذه المرحلة الحساسة، احوازيين سياسيين، مناضلين، أو مستقلين يعملون في المجالات المدنية، مدعوين للإستمرار بنضال نزيه، بعيدا عن المناورات الدبلوماسية الضارة ومدعوين لمحاربة الرذيلة الدبلوماسية والانحراف السياسي الذي يريد طارحيه ان يضحوا بدماء شعبنا وأبناءه البررة لخدمة مصالح ضيقة، لن يأتي منها غير الندم والحرقة و تلويث الأجواء النضالية التي تعم الشارع الأحوازي اليوم، ونأمل ان يكون شعار الأحوازيين بكل أطيافهم، في المرحلة هذه والمرحلة القادمة هو الاتكاء على شعبهم وعلى طاقاتهم الذاتية وعلى أشقائهم الذين بدئوا التحرك لنصرتهم بعد ما تأكدوا من إصرارهم على إعادة حقوقهم والوصول لأهدافهم وثباتهم على مواقفهم الوطنية الأحوازية والقومية الإنسانية وهذا ما يتمناه كل أحوازي وكل عربي وأي إنسان مناضل في المنطقة.