شيء من حكاية الحكومة والإئتلاف...
شيء من حكاية الحكومة والإئتلاف...
عقاب يحيى
حين تبلور الإصرار على نشكيل "حكومة" مؤقتة.. وقفت ضدها، أمثل موقف الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية التي كانت قد أصدرت بياناً تحليلياً تضمّن الموقف من الإئتلاف، والحكومة، وقضايا أخرى كانت تتطلع، وعلى دوام الأشهر، إلى أمل إصلاح فعلي وجذري في الإئتلاف، وإن ضعف الأمل كثيراً وراح يتبخّر بفعل النيران الكثيفة ـ العشوائية ـ التي كانت تطلق وتنهمر لأسباب لا تبدو أن لها علاقة بالمضامين المطلوبة.. وكنا ندعو على الطالعة والنازلة إلى وقفة مراجعة جادة، ومأسسة، واستعادة القرار الوطني، والابتعاد عن التجاذبات الإقليمية وتحويل العلاقة مع الأشقاء إلى عامل فقوة للثورة وليس للأشخاص والمحاور والتكتلات، وإلى مؤتمر وطني جامع للمعارضة يكون استمراراً وتطويراً لمؤتمر القاهرة للمعارضة ووثائقه المهمة التي أصدرها,,, وبدونا، وقلة كأننا نغني لوحدنا، وفي واد سحيق..وأن المنطق لمن يملك الأصوات والمال، والنفوذ وليس لغير ذلك من أثر سوى المحاولة ..
كان رأينا أن أوضاع الثورة، وأولها الإئتلاف.. لا تتحمل مسؤولية حكومة، وأن الأفضل والعملي اللجوء لسلطة تنفيذية تنهض بالمهام العديدة التي فرضتها التطورات، خصوصاً بوجود مناطق شاسعة"محررة"، أو خارج سيطرة النظام كانت تصل لنحو 70 في المائة من الأرض السورية، ومستلزمات النهوض بالمأساة السورية متعددة الجوانب : الإغاثة والنزوح واللجوء والشهداء وأسرهم، والجرحى والمعطوبين، والمعتقلين.. وعشرات القضايا المتراكبة.. وعلى هذا الأساس رفضنا منح الموافقة على ترشيح الأستاذ غسان هيتو، وكنت بين من احتجوا وقاطعوا وقدّموا مجموعة مطالب للشيخ معاذ، وإن اختلفت الأسباب والخلفيات في تلك المجموعة التي قاطعت...والتي تبيّن أن موقف بعضها له علاقة بالشخص نفسه، وبالتجاذبات الإقليمية التي كنا بعيدين عنها..
***
أُسقط هيتو وهو الذي بذل مجهودات كبيرة في تحضير العديد من الملفات المهمة، وكان كبش فداء لا أكثر ولا اقل، واتجهت الأنظار إلى الدكتور أحمد طعمة بما يشبه الإجماع.. وهو الرجل المعارض، المعتقل، وعضو امانة إعلان دمشق، وكثير من إشادات قدّمت فيه وعنه دوره في الثورة، وفي المنطقة الشرقية على وجه الخصوص، ورفضت، مرة أخرى الموافقة على فكرة الحكومة، ووجهت له أسئلة ثلاث تنفي مبرر تشكيلها :
1 ـ مدى قناعته بقدرة الإئتلاف الذي يعاني تفاقم الأزمات والأوبئة فيه على تحمل مسؤولية حكومة بكل المستلزمات والموجبات.
2 ـ صعوبة حصول الحكومة على اعتراف رسمي بها من قبل المجتمع الدولي، وحتى الدول العربية ـ الصديقة، واستتباع ذلك في مبلغ الدعم الذي يمكن أن يقدّم لها، والذي بدونه لن تقدر على فعل الكثير .
3 ـ والأهم من ذلك كله قدرتها الفعلية على التواجد في الداخل وإدارة العمل من هناك وليس من مناطق اللجوء والمنفى..
وجهت هذه الأسئلة للدكتور طعمة وأجاب عنها بتفاؤل نظري كان مشبعاً به، وبآمال ووعود بدت متناغمة مع إصرار الأغلبية على إنشاء الحكومة....وإصرار على أن جزءها الأهم سيكون في الداخل وللداخل.. وكثير من أماني قدّمها في إجاباته عن الاعتراف الدولي والعربي، ووعود الدعم..
وشكلت الحكومة.. وسمعت الكثير عن المحاصصات والتداخلات والتدخلات والتزاحم في الترشيحات والوزراء، ثم في الطواقم، والموظفين.. وفي شبكة الدوائر التي تحيط بها، ثم بدأت المناغشات بينها وبين رئيس الإئتلاف.. والأسباب متنوعة، ومصادرها التحليلية مختلفة ..ولم تك "تهم التجاذب الإقليمي" متموضعة بعد، ولا قصة الأركان ومسلسلها، وحكاية وزير الدفاع الذي يقال أن المشاكل بدأت معه، ومع طروحاته وتجاذباته، ولم تتوقف عند استقالته، وقبلها إقالة رئيس الأركان والمجيء بآخر كثرت الأقاويل في الأسباب، والنتائج، والوقائع..
****
يجب أن نعترف بدءاً أن هيئة الأركان التي أنشئت بعد نحو شهر من قيام الإئتلاف برعاية قطرية سعودية تركية وخارجية.. لم يك للإئتلاف اي دور فيها، بل لم يدع إلى تلك الاجتماعات وكأن لا علاقة له بها، وكان ذلك أول واقوى إسفين في جسد الإئتلاف الطري وقد قبله بشيء من صمت، وامتعاض غير مؤثرين. ثم بلعه وهو يحاول مدّ علاقة ما مع رئيس الأركان، واستدعائه إلى جلسات الإئتلاف للحوار والنقاش والاستفسار.. وبعض التصريحات المتناقضة عن العلاقة بالإئتلاف.. بينما كانت كل الحقائق تشير، خاصة مع تطورات الوضع المسلح، وتعدد الكتائب، والجبهات، أن الجيش الحر ليس هو في الحقيقة أكثر من يافطة عامة لا يلتزم بها سوى قليل، وأن الأركان ورئاستها واجهة أكثر منها حقيقة، وأنها تكتفي في كثير الأحيان بدور ساعي البريد، أو غطاء لحكايا التسليح، والإمداد.. وقصص المعارك، والجبهات، وغرف العمليات......وأن الدنيا تسبح، حتى الغرق، في الفوضى، والتزاحم، والبلاوي المتنوعة، وأن الإئتلاف عنوان للصيد والاستخدام أكثر منه قوة له تأثيرها، شأنه شأن جميع الممرات والستائر المبرقعة..
وزير الدفاع بدا وكأنه يغني مواويلاً خاصة مختلفة عن الرائج، ويطلق وعوداً عن نوايا طموحة لتشكيل جيش وطني عرمري، ويقدّم في اجتماعات الإئتلاف خططاً"رائعة" عمّا يريد فعله لقادم الجيش الحر، ووضع اليد على الفوضى، والتسيب، والتشعب، والتنابذ.. وكثير.. وبدأت التصنيفات عن التجاذبات الإقليمية وموقعها فيما يدور، وكثر الكلام عن الخلاف السعودي ـ القطري وامتداده ليس في الإئتلاف وحسب، بل في عموم المواقع، فدخل الدكتور أحمد طعمة دائرة التصنيف القطري، خاصة بعد أن تلقى دعماً كبيراً من قطر راح يقوى به، ويصرف كثيره على الداخل السوري وإمداد شبكات اجتماعية قوية أخذت تلتف حول الحكومة، ورئيسها مطالبة بالمزيد، في الوقت نفسه اتجه التأثير نحو الأركان لوضعها تحت إشراف الحكومة.. فاشتعلت الحرب.. واستعرت.. وصولاً إلى إقدام رئيس الحكومة على اتخاذ قرار بحل هيئة الأركان والمجالس العسكرية والمطالبة بفتح تحقيقات واسعة حول مسائل كثيرة بما فيها الفساد المالي والتبذير، وشراء الولاءات.. وكلام كثير..وهو الأمر الذي اعتبرته الهيئة السياسية في الإئتلاف ـ وفق المادة 31 من النظام الأساسي ـ غير نظامي ولا يقغ ضمن صلاحيات الحكومة ورئيسها، وأن مثل ذلك من مهام الإئتلاف وصلاحياته، كون الأركان والحكومة يتبعان الإئتلاف.. فالتهبت الحرب بوقود جديد، وبات رأس الحكومة مطلوبا.. والأسباب كثيرة لمن يطرح ذلك..
***
لعل من حسنات غيابي عن جلسات الإئتلاف، وطبيعة موقفنا المستمر حول واقع الإئتلاف أننا لم ندخل أي بازار فيه، وأننا لم نتصل مرة واحدة برئيس الحكومة أو الوزراء بمطالب خاصة كما تفعل الأغلبية، لذلك ليس لدينا الكثير من التفاصيل عن حقيقة ما جرى، وعن مصداقية الاتهامات والردود عليها، وقد استمعت للكثير من موجبات رئيس الحكومة على اتخاذ قراره، وردّ هيئة الأركان والمجالس العسكرية عليه، وحين قدّمت مداخلة في الاجتماع الأخير مطالباً باللقاء المباشر مع رئيس الحكومة، وبتشكيل لجنة معقولة من أصحاب الخبرة والرأي المستقل للنظر بواقع الحكومة وأسباب إقالتها للأركان والمجالس العسكرية، وفتح تحقيق واسع بجميع التهم المطروحة.. شكرني ـ خارج قاعة الاجتماعات بقوة ـ الدكتور طعمة للموضوعية التي تحدثت بها، كما قال.. لكن الاقتراح لم يلق النجاح، واتخذت الهيئة العامة قراراً بدورة استثنائية لمناقشة وضع الحكومة، وباتجاه إسقاطها كما تفيد الأجواء والتحضيرات..
ـ هناك من يدافع عن الحكومة لجهة ما قامت به في الداخل السوري، وموقف الدول المانحة المؤيد لبقائها، ووصول بعض الإنذارات منهم بإيقاف الدعم في حال إسقاط الحكومة ـ كما يؤكد هؤلاء ـ بينما يعتبر البعض أن الحكومة تجاوزت الإئتلاف، وأسلمت كل الدوائر، خاصة من جماعة الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على مفاصلها.. ثم تنهال الحكايا من كل نوع وفق شهية السوري المفتوحة على مزيد من القصص والأخبار التي تمتليء بها اليوم شتى المواقع..
ـ أتمنى.. ولو كحلم.. ان تسود الموضوعية، وأن يجري نقاش الوضع بعيداً عن الحزازات والتجاذبات التي لا علاقة لها بالثورة ومصلحتها، وان يجري الاستماع للحكومة ورئيسها بروحية مسؤولة لا علاقة لها بالكيدية، والقرارات المبيتة..خدمة للصالح العام..وتكريساً لنهج التقويم والمكاشفة والمحاسبة الذي يجب أن يعمّ وأن يشمل الجميع، واولهم الإئتلاف وقياداته، والأركان، والمجالس العسكرية.. والحكومة..لتكون مناسبة لوقفة مراجعة شاملة، وصادقة مع النفس والوقائع، علّ وعسى أن يكون مثل ذلك بداية لمرحلة جديدة من العمل الجماعي، المسؤول، والابتعاد عن منطق الثأر، والاستحواز، والمغالبة التي سيكون الشعب السوري، ومن بعده الإئتلاف الخاسر الأكبر.