زحمة خارطات طريق
علي العبد الله
ما إن أنهى لقاء القاهرة2 أعماله، وأعلن وثيقته "خارطة الطريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سوريا ديمقراطية" حتى تتالى صدور خارطات طريق من أطراف سياسية سورية، واحدة أعلنت في دمشق تحت عنوان "دعوة لمؤتمر تفاوضي في دمشق وخارطة طريق وطنية" مذيلة بأسماء عشرة كيانات سياسية وأربعة شخصيات "معارضة"، وأخرى قال السيد عمار عبدالحميد في مقابلة على تلفزيون لبناني انه سيعلنها في دمشق قريبا، وثالثة أعلنها اجتماع الريحانية التركيةالذي نظمه "مجلس قيادة الثورة السورية".
ماذا وراء الأكمة؟.
تشير التحركات السياسية السورية والإقليمية والدولية، المتعددة والمتواترة، إلى وجود سباق محموم لوضع اليد على الحدث السوري أو التأثير على الثورة السورية عبر استتباع أطراف في المعارضة والتحكم بمواقفها وردود أفعالها بحيث تتحول إلى بوق للجهة الداعمة والموجهة وتمنحها فرصة المشاركة في توجيه الصراع في سوريا وأخذ حصة فيها. وهذا كان وراء اللقاءات والاجتماعات المتعاقبة للمعارضات ( القاهرة، موسكو، الأستانة، جنيف، الريحانية، عمان) والتي تعددت الجهات الراعية لها وتباينت أهدافها ما يعكس حجم الصراع والتنافس على سوريا، وعلى الإقليم بعامة، ويجعل فرصة الحل، على الضد من التلميحات الرائجة، عسيرة وبعيدة.
فخارطة الطريق التي صدرت عن اجتماع القاهرة (حضره 176 مشاركا) لم تأت بجديد يبرر عقد اجتماع القاهرة الأول والثاني، إنها تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن أوراق صدرت عن المعارضة من قبل:"مشروع البرنامج السياسي للمجلس الوطني السوري" الذي صدر يوم5/11/2011 ، "الرؤية السياسية المشتركة" التي صدرت عن اجتماع المعارضة في القاهرة 3/7/2012 ، "وثيقة المبادئ الأساسيةحول التسوية السياسية في سورية" التي أصدرها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة يوم 15/2/ 2015. الفروق طفيفة وشكلية تكادتكون مقصورة على الصياغة والتقديم والتأخير في المراحل والمطالب والخطوات. وهذا أثار علامات استفهام حول مبررات هدر الجهد والوقت والمال طالما أن ليس ثمة إضافة جديد على طريق تحقيق مطالب الثورة في التغيير الديمقراطي، وحول هدف الجهة الراعية من وراء ذلك( كانت ثمة تقديرات أن تضغط الجهة الراعية(النظام المصري) كي تخرج نتائج اللقاء بما ينسجم مع موقفها من ثورات الربيع العربي وقواها السياسية وعلاقاتها الإقليمية والدولية لو لم تتدخل السعودية عبر إيفاد وزير خارجيتها إلى القاهرة قبل عقد اللقاء بأيام وتفرملها).
أما خارطة الطريق التي أعلنت في دمشق مذيلة بتواقيع الكيانات والشخصيات السورية(هيئة العمل الوطني الديمقراطي (محمود مرعي)، تيار طريق التغيير السلمي (فاتح جاموس)، حركة البناء الوطني (أنس جودة)، حزب الشباب الوطني (سهير سرميني)، التيار السرياني الديمقراطي (جورج شمعون)، تيار التغيير الوطني السوري (عمار القربي)، تجمع سوريون ضد العنف والإرهاب، سوريات أيد بايد، حركة شمرا، وكل من عبد الهادي شحادة، الطيب تيزيني، الأب فكتور حنا، بسام العويل) فكشفت عن هدفها والغاية التي أرادت القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تقف وراءها تحقيقها بدءا من الرطانة الوطنية التي عودنا عليها النظام إلى إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب وفق ما جاء في ديباجتها حيث قالت:"أمام انغلاقآفاق حل دولي للأزمة السورية، وفي ظل تطورات الأوضاع الميدانية واستفحال خطر الإرهاب ووصول البلاد إلى حالة من التقسيم الفعلي جغرافيا واجتماعيا بشكل يهدد الوجود والكيان السوري بشكل كامل مما يقتضي توحيد الجهود لتحصين ماتبقى من الوطن والدولة وإعادة التواصل بين السوريين لمواجهة الإرهاب والتقسيم وتفاقم المأساة الإنسانية.
ومن أجل محاربة الإرهاب وداعش، تحتاج سوريا لعمل وطني تشاركي يبدأ مسار التسوية للأزمة السياسية وفقا لبيان جنيف (1)، واعتماداعلى الأسس التي تم التوافق عليها في لقاء موسكو (2). وذلك بهدف إنتاج قيادة سياسية وطنية، قادرة على طرح مشروع سياسي جديد لمواجهة الأزمة والبدء بمسار الانتقال الديمقراطي والعمل على تكاتف وحشد طاقات الشعب في مواجهة الإرهاب وهزيمته، وتكريس عمل الجيش السوري على أساس الولاء الوطني والكفاءة العسكرية والقدرة القتالية، كمقدمة لا بد منها لاستعادة الأرض ووحدة الشعب وبناء دولة القانون والبدء بمسار المصالحة الوطنية الكبرى.
هذه القيادة يجب أن تشكل بطريقة تشاركية تحول دون تمكن أي طرف من الانقلاب على الاتفاق وعلى الأطراف الأخرى، وتُشعر أغلب السوريين أنهم ممثلون فيها بشكل ما، ولو لم يكن بالشكل المأمول، وذلك لحين أن تتغير الظروف باتجاه إمكانية إيجاد السبل لحل نهائي للأزمة السورية، والانتقال بسوريا لتكون دولة ديمقراطية واحدة وآمنة".
وقد كان لافتا التطابق في موقف أصحاب هذه الخارطة والنظام السوري كما أعلنته وزارة خارجية النظام في بيانها بعد اجتماع وزير خارجيته مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حيث جاء:" إن المعلم استعرض من جانبه تطورات الأوضاع في سوريا، وعبر عن دعم جهود المبعوث الخاص من أجل التوجه نحو حل سياسي، مع التأكيد على أهمية ما تم إنجازه في لقاءات موسكو، وضرورة متابعتها لضمان نجاح لقاء جنيف 3".
واضح أن هدف أصحاب خارطة الطريق هو إغراق الساحة بخارطاتطريق بحيث يسود انطباع عن عدم وجود موقف معارض موحد فيلقى اللوم على المعارضات بإفشال فرص الحل السياسي لعدم وجود شريك للنظام، تكتيك ابتدعه الإسرائيليون في مفاوضاتهم الطويلة مع الفلسطينيين للتهرب من الالتزام بحل محدد، وان العملية جزء من تكتيكات النظام وحلفائه( موسكو وطهران) الذين سعوا إلى احتواءوتطويق موقف المعارضة عبر خلق كيانات "معارضة" تقبل بشروط معينة للحل لا تحقق أهداف الثورة في التغيير الديمقراطي يُطرح على الساحتين الإقليمية والدولية بهدف إسقاط الحلول غير المقبولة.تكتيك ذكي من النظام وحلفائه لكنه غير مجد لأنه لا يتسق مع الإستراتيجية التي تبناها النظام منذ اليوم الأول لانطلاق ثورة الحرية والكرامة والقائمة على البقاء في السلطة دون إجراء تغيير حقيقي في بنيتها ولا يخدمها، وهذا ما أكدته اللاءات الأربع التي أعلنت مؤخرا كشروط للحل السياسي( التمسك بالرئيس والدستور الحالي ورفض إعادة هيكلة الجيش وأجهزة المخابرات).
لم يعلن عمار عبدالحميد في المقابلة عن فحوى خارطته لكنه قال انه سيجول على المحافظات للترويج لها بين القوي السياسية والعسكرية والمدنية وتسويقها، وهذا بالإضافة إلى مشاركته في لقاء كازاخستان التشاوري، يشي بالكثير لجهة قبول النظام وحلفائه للخارطة.
لقد عبر اجتماع الريحانية الذي ضم شخصيات عسكرية وسياسية (210 مشارك) عن رفضه لتوجهات لقاءات موسكو والقاهرة ووثائقها،وكان هذا واضحا من الشعار الذي عقد الاجتماع تحته"حتى لا تسرق الثورة" ومن المطالب التي أعلنها في نهاية الاجتماع.
نحن أمام خارطات، وبغض النظر عن محتوياتها، لا تمتلك فرص النجاح لان الذين يقفون وراءها ليس لهم دور فعال في الصراع وليس لهم تأثير على العسكريين من جهة ولأنها، من جهة ثانية، لن تحظى بقبول النظام وحلفائه ما لم يرغموا على ذلك، وهذا لن يتم دون تكامل الضغطين السياسي والعسكري.