رئيس الحكومة وحكاية جحا والحمار وابنه
من المعلوم أن الحكايات في الثقافة العربية عموما والمغربية خصوصا تهدف إلى معالجة قضايا اجتماعية، علما بأن الحكايات إنما هي تصوير فني لوقائع واقعية أو محتملة الوقوع ، ومن خصائصها أنها تعني كل إنسان في كل عصر ومصر. فحكاية التي نقضت أو نكثت غزلها الواردة في القرآن الكريم حكاية دائمة الوجود ما دامت في الوجود ناقضات أو ناكثات غزل . وتستخدم الحكايات كأمثال تضرب عندما يحين وقت توظيفها .
ومن الحكايات المشهورة في الثقافة العربية والمغربية حكاية جحا والحمار وابنه ، وهي حكاية تروى حين يجد الإنسان نفسه أمام طريق مسدود لا يتوفر على حل يرضي جميع الناس . وخلاصة الحكاية أن جحا وهو شخصية مشهورة بالشطارة سار في طريقه هو وابنه وحماره، فركبا معا الحمار فعيب عليهما ذلك شفقة على الحمار، ونزلا من فوقه معا فعيب عليهما ذلك لغبائهما ، وتناوبا على ركوبه فعيب عليهما ذلك لقسوة في الأب أو لعقوق في الابن ، وحملاه فعيب عليهما ذلك لبلادتهما . و بهذا استنفد جحا بالرغم من شطارته كل الإمكانات الممكنة لينجو من نقد الناس ومع ذلك لم ينج منهم .وتنطبق هذه الحكاية على كل من وقع في مأزق جحا . ويبدو أن رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران أفضل مثال تنطبق عليه حكاية جحا والحمار وابنه ، ذلك أنه لا يفوه بكلمة ، ولا يتخذ قرارا ، ولا يسعى سعيا ... إلا وناله النقد والتجريح البالغ حد التجريم والتخوين . فهذا الصباح مررت بموقع هسبريس فوجدته يتناول رئيس الحكومة في ثلاث لقطات : الأولى تتعلق برفضه تقنين زراعة نبات الكيف ، والثانية تتعلق بتصريحه أن المطالبة باسترجاع سبة ومليلية شأن ملكي، والثالثة تتعلق بذرفه الدموع بمناسبة حديثه عن ذوي الاحتياجات الخاصة . وفي اللقطات الثلاث لم ينج رئيس الحكومة من النقد، وكان فيها جميعها كجحا والحمار وابنه . ففي اللقطة الأولى عيب عليه رفض تقنين زراعة نبات الكيف الذي تطالب به المعارضة بدعوى الوقوف والتضامن مع الذين يزرعونه، وبدعوى استخراج الأدوية منه، علما بأن هذه النبتة مخدر، وهو محرم في شريعة الإسلام التي يأخذ بها المغرب بحكم دستوره . ولو أن رئيس الحكومة قبل بفكرة تقنين نبات الكيف لقيل له كيف تقول بذلك وأنت صاحب الانتماء الإسلامي ؟ وفي اللقطة الثانية عيب عليه أنه لم يطالب باستقلال سبتة ومليلية، وأنه أرجع الأمر إلى جلالة الملك، وبلغ الأمر حد تخوينه لأنه فرط في حق مغربي مغتصب . ولو أنه طالب باستقلال المدينتين السليبتين لقيل له لقد جزت قدرك وما ينبغي لك ، وتخطيت الإرادة الملكية التي تتولى تدبير موضوع المدينتين عبر الطرق الدبلوماسية المراعية للمصالح العليا للبلاد .وفي اللقطة الثالثة عيب على رئيس الحكومة ذرفه الدموع أثناء حديثه عن أهل البلاء من أصحاب الإعاقة أو الاحتياجات الخاصة ، وبلغ الأمر حد وصف دموعه بدموع التماسيح . ولو أنه لم يذرف الدمع لعيب عليه قسوة قلبه، وهو المنتمي لحزب إسلامي من المفروض فيه أن يذرف الدمع قبل غيره . وهكذا وجد رئيس الحكومة نفسه في وضعية حجا والحمار وابنه . والمتتبع لما ينقله هذا الموقع وغيره من المواقع التي نحو نحوه عن رئيس الحكومة يلاحظ أن السيد بنكيران يوجد دائما في وضعية جحا والحمار وابنه بحيث يعتبر النقد الموجه لكلامه ولما يتخذه من قرارات معدا وجاهزا سلفا . ويمكن للمتتبع لأنشطة رئيس الحكومة أن يعرف طبيعة النقد الموجه إليه، وهو نقد المعارضة الذي يجب أن يكون بالضرورة في الطرف النقيض . وعلى هذا النقد ينطبق قول الشاعر :
ولا شك أن الذين انتقدوا حجا في كل أحواله كانوا ساخطين عليه، فلم يروا في هذه الأحوال ما يرضيهم . وكذلك شأن المعارضين لرئيس الحكومة الذين ينتقدونه في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل إنما هم ساخطون عليه ، وينظرون إليه بعين السخط التي لا تبدي سوى المساوىء . فكان الله في عون رئيس الحكومة كما كان في عون حجا من قبل . ولا مندوحة لرئيس الحكومة عن اختيار موقف معرض لا محالة للنقد من طرف عيون السخط ما دام السخط واحد في كل المواقف ، كما اختار جحا وكان شاطرا موقفا أرضاه فردف هو وابنه الحمار وهو على قناعة تامة بأن الحمار خلق ليركب لقول الله عز وجل : (( والخيل والبغال والحمير لتركبوه وزينة )) . فهل سينهج رئيس الحكومة نهج جحا أم أنه سيحاول مجاراة منتقديه يتأرجح بين المواقف المختلفة التي لن ترضي أبدا خصومه السياسيين ؟ وهل ستنتبه المواقع المسوقة دائما لآراء أصحاب عيون السخط على رئيس الحكومة إلى عيبها أم أنها مأجورة على تسويقها ؟
وسوم: العدد 624