ملاحظات على شريط الجزيرة " سقوط الجولان"..

أولاً ـ مقدمات حول المشاركة :

1 ـ كنت في المشفى بباريس أيامأً قليلة بعد إجراء العملية الأولى لي لتغيير أربعة شرايين في القلب حين اتصل السيد محمود، معدّ الشريط، يطلب مني المشاركة في حصة مهمة ستناقش، بموضوعية وثائقية مدعومة بشهادات حيّة حرب حزيران واحتلال الجولان، واعتذرت بشدّة منه كوني لم أكُ يومها من أصحاب القرار، إذ كنت رئيساً لاتحاد الطلبة في محافظة حماة، وفي مقتبل العمر، وألحّ أن أرشح من أعرف ويكون شاهداً، فقمت بترشيح كل من الدكتور حبيب حداد والدكتور محمد الزعبي والأستاذ مروان حبش باعتبارهم كانوا أعضاء في القيادة القطرية، وشغلوا مناصب وزارية في تلك الفترة .

2 ـ ألحّ على مشاركتي وكانت لديه بعض المعلومات عن علاقة لي باللواء أحمد سويداني، لكن ليس بالطريقة التي قدّمني فيها وكأنني رفيق عمره، وصديقه الحميم، رغم أني أفخر بتلك العلاقة التي ربطتني به من أول لقاء لنا معه ـ كرئيس لمكتب الشبيبة والطلبة ، بعد مغادرته لرئاسة الأركان ـ ثم حين صرت في أول تشكيلة لقيادة الشبيبة، ولقاءاتنا المتعددة، وتلك الثقة التي كان يتعامل بها معي، ولقائي به المهم حين أُخرج من السجن لعشرة أيام بمناسبة وفاة والدته في عام 1975، كما أذكر، وما تحدث به معي في حديث طويل مهم، كان منه تلك المعلومة التي وردت في الشريط حول رأيه بحافظ الأسد ومسار حرب حزيران، واحتلال القنيطرة .

3 ـ أتاح وجودي في قيادة الشبيبة ونائب رئيسها حضور المؤتمر القطري الرابع أيلول 1968 الذي برز فيه التكتل العسكري بقيادة الأسد بقوة، وأطروحاته، ومطالبة عديد الأعضاء فتح ملف حرب حزيران، وأجوبة القيادة، وحضور المؤتمر الرابع الاستثنائي مطلع عام 1968 بعد أن قام الأسد بانقلاب شامل، وبعد مقتل، أو انتحار العقيد عبد الكريم الجندي ـ رئيس مكتب الأمن القومي ـ وملابسات وظروف ذلك الانتحار.. والذي فُتحت فيه عديد الملفات ومنها ملف حرب حزيران، والهجوم المعاكس الذي لم يحدث، والانسحاب الكيفي، وكثير من موضوعات خطيرة، وبحضور مباشر من قيادات عسكرية كانت مشاركة، ومنها قائد القطاع الشمالي المتهم بالهروب، ورأي رئيس اركان اللواء ، والمرحوم العقيد عزت جديد قائد اللواء السبعين المكلف بالهجوم المعاكس بشكل رئيس، وتحركه ليلة التاسع من حزيران ووصوله أحراش القنيطرة دون وقوع خسائر كبيرة، ثم مجيء أوامر من وزير الدفاع بإيقاف الهجوم ذاك . وقد ردّ حافظ الأسد عليه بأن الأمر جاء من القيادة الملكفة بالإشراف على مسار الحرب، وليس منه فقط، وحدث جدال كبير، ومواجهات مباشرة بين عدد من الضباط، وأعضاء القيادة وحافظ الأسد . ثم سمحت لي العلاقات الطيبة مع عديد أعضاء القيادة بالاطلاع على وجهات النظر المتعددة، وعلى الكثير من المعلومات التي ازدادت بعد انقلاب الأسد، واتخاذنا موقفاً معارضاً له، ورحلة العمل السري الطويلة، وكثير من معطيات تحتاج إلى مجلدات .

4 ـ واصل السيد محمود اتصاله بي وكنت أتهرّب لسبب الذي ذكرت، خاصة وأنني أجريت عملية أخرى في القلب ومكثت قرابة الشهر في المشفى.. وتابعني حتى تركيا.. وأورفة الذي صار اللقاء فيها، وتحدثت أكثر من 40 دقيقة وفي موضوعات مهمة تتنازل الحرب، وأزمة الحزب، وأجوبتي على عديد الأسئلة الحيوية حول تقويمي لطبيعة الأسد ونظامه، وأوضاع الثورة السورية وما يجري فيها، في حين اقتصر حضوري في الشريط على لقطة واحدة مجتزأة، ومثل ذلك حدث مع الدكتور حبيب، والستاذ مروان حبش في حين كان التركيز الكبير على دور الدكتور محمد الزعبي الذي لم يستمر طويلاً في القيادة بعد الحرب، وبما يعكس توجهات واضحة من إدارة الجزيرة، ومعدّ البرنامج، في حين أن الثلاثة أعضاء في مؤسسة واحدة أثناء الحرب وأدليا : الدكتور حبيب والأستاذ مروان بشهادتيهما كاملة، والتي تتناقض مع روحية الحصة بتثبيت وإثبات أن القيادة السياسية والعسكرية لم تقرر دخول  الحرب بتاتاً ومنعت الجيش من القتال، وإدانتها، إلى جانب مسؤولية القيادة العسكرية، خاصة وزير الدفاع وقائد الطيران : حافظ الأسد.. وصولاً إلى الاتهام بالخيانة وتسليم الجولان .

ثانياً ـ في بعض المقدمات :

لا يسمح ردّ موجز، مهما تكثف، أن يلخص مسألة كبيرة بكل مقدماتها ومساراتها ونتائجها، وقد كتبت فيها المجلدات وعديد الكتب والدراسات .

هنا، وبغض النظر عن قصة اللجنة العسكرية، وانقلاب الثامن من آذار وظروفه، وتسريح اعداد كبيرة من الضباط في محطات متتالية : المتهمون بالانفصال ـ الناصريون بعد محاولتهم الانقلاب في 18 تموز 1963 ـ 23 شباط 1966 ـ الصراعات التالية وما رافقها من تسريحات.. كحالة اللواء أحمد سويداني، وسليم حاطوم.. وغيرهما، وملء معظم الفراغات بضباط الاحتياط، وبعناصر جديدة على أساس الولاء للحزب وليس القدرة، وأثر تلك التسريحات على بنية الجيش وخبراته، ومقولة الجيش العقائدي وما أنتجته من تركيز غير متوازن"لأبناء الاقليات" على العموم، وأبناء الطائفة العلوية بوجه الخصوص، ومفاعلات تلك الحالة في الجيش والحزب والدولة.. وفي حرب حزيران . وقد خلط الشريط عامداً بين جميع المحطات، ولم يكن دقيقاً في كثير المعلومات.. بدءاً من تشكيل اللجنة العسكرية وزمنها ودورها.. وصولاً النتائج التي قررها وفقاً لتصور مسبق الصنع .

ثالثاً ـ في بعض المحطات :

1 ـ إن الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية لم تكن فبركة من القيادة السورية لتوريط عبد الناصر، فقد أكدها السوفييت بكل المعلومات اللازمة، ووثقوها بالصور الملتقطة من قبلهم، ولولا ذلك لما اقتنع عبد الناصر بحقيقتها، وبنى على أساسها جملة قراراته، وقد سبقتها اشتباكات متلاحقة، وتصريحات معلنة عن " الرؤوس الحارة" التي يجب إسقاطها في دمشق، ودعمها للعمل الفدائي .

2 ـ كان قرار القيادة المصرية، وهو الحاسم والذي التزمت به القيادة السورية، بعدم البدء في الهجوم بناء على وعود وضغوط دولية وثقت بها تلك القيادة . وحين تمّ العدوان المبيّت صبيحة الخامس من حزيران على الجبهة المصرية كانت النكبة قد حلّت، والهزيمة قد تقررت في عموم الجبهات في أقل من ست ساعات عندما نجح العدوان في تدمير معظم الطائرات المصرية والمطارات، وانعكاس ذلك في حالة الفوضى العارمة وعدم التنسيق بين الجبهة الشمالية والجنوبية، ثم توجه ثقل العدوان، بعد احتلال سيناء والضفة نحو سورية.. وسط تلك الحالة الانهيارية العامة، والتي توّجتها برقية الرئيس عبد الناصر للقيادة السورية بالموافقة على وقف إطلاق النار فورا حفاظاً على الجيش السوري والبلد.

3 ـ أربعة مسائل كانت محل النقاش والتشكيك على مدار سنوات ما بعد الهزيمة حول مجريات الحرب ونتائجها : طبيعة الخرق الذي حدث في القطاع الشمالي وإمكانية صدّه لو حدث قتال فعلي ـ إذاعة بيان احتلال القنيطرة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها بأزيد من 26 ساعة ـ إيقاف الهجوم المعاكس المقرر ـ قرار الانسحاب الكيفي . ومعروف للجميع أن قرار القيادة السورية بالمشاركة في الحرب كان في نفس يوم الخامس من حزيران، ولو تأخر لما بعد الظهر، عبر كلمة مباشرة لأمين عام الحزب ـ رئيس الدولة الدكتور نور الدين أتاسي، خلافاً لإصرار الشريط على أن سورية لم تدخل الحرب إلا في التاسع من حزيران .

4 ـ تلك المسائل الأربعة أثارت المزيد من النقاشات داخل الحزب، وبين الأعضاء، وكان التباين واضحاً بين تحميل القيادة العسكرية ـ مباشرة ـ مسؤولية الهزيمة العسكرية، وبين من يريد تحميلها للقيادة السياسية . ثم من كان يذهب بعيداً في اتهام وزير الدفاع بالخيانة، وربما عقد صفقة مسبقة مع الأمريكان والإسرائيليين ليكون حاكم سورية المقبل.. مقابل إدارته للحرب، وما اتخذ من قرارات فيها .

5 ـ وإذا كان النقد العميق، والشامل يوجّه لتلك المرحلة في أسّ اعتمادها على مقولات الحزب الواحد القائد، والجيش العقائدي، والموضعات الطائفية البارزة، خاصة في الجيش، واغتيال الحريات العامة والفردية، والهروب إلى الأمام بأكوام الشعارات الثورية بدلاً من الاعتراف بعوامل الهزيمة واعتبار المرحلة مرحلة تحرر وطني تستلزم الانفتاح على الشعب، وإقامة أوسع جبهة سياسية تشاركية.. فإن المأخذ الكبير على القيادة عدم إقالة القيادة العسكرية مباشرة بعد الحرب، والملابسات المعروفة عن الفشل، والنتائج التي أسفرت عنها في بروز التكتل العسكري بقيادة الأسد، ووسائل التعاطي معه، وصولاً إلى قيامه بانقلاب أبيض، وعدم محاسبة الهاربين والمقصرين في أدائهم العسكري، والذين اسبغ عليهم الأسد الحماية الكاملة وكان معظمهم عناصر رئيسة في تكتله .

6 ـ إن المواقف الوطنية للقيادة السياسية، وتشددها في رفض الصلح والتسوية مع كيان الاغتصاب وعنوانه القرار الأممي /242/، ومواجهة الضغوط الكثيفة عليها بمزيد رفع الشعارات النارية حول حرب الشعب والعمل الفدائي.. وتتويج ذلك في قرار الدخول للأردن لنجدة المقاومة الفلسطينية/ أيلول 1970/ وغياب عبد الناصر بوفاته الفجائية.. كانت العوامل المهة لإنهاء تلك القيادة في انقلاب الأسد / تشرين الثاني 1970/ من قبل أطراف عربية ودولية متعددة.. ذلك بغض النظر عن الأخطاء والفجوات والسلبيات التي يمكن الحديث التفصيلي فيها، وعن مستوى الوعي والواقعية ..

6 ـ كان الأسد يعدّ نفسه، كما أظهرت الوقائع التالية، من سنوات مديدة ليكون الحاكم المطلق.. وهذا ما يحتاج إلى إنارة عديد المحطات في مواقفه وسلوكه، بما في ذلك قابليته الكبيرة على عقد الصفقات مع القوى الخارجية، والاستناد إلى البعد الطائفي، وغلى كل ما يمكنّه من النجاح والاستمرار .

وسوم: العدد 627