بيان مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية في ختام دورته العادية الثانية

الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. وبعد:

فما تزال أرض الشام المباركة تخوض ملحمة الثبات والصبر، وتنسج من دماء شهدائها الأبرار، وتضحيات الجرحى والمعتقلين، فجر النصر القادم بإذن الله تعالى، وما يزال شعبنا الأبيّ ماضياً في دحر عصابة الإجرام الأسدي وأعوانها، في خضم توغّل مشاريع الطائفية والغلوّ التي تعصف بالمنطقة. وبالشعور بالمسؤولية التاريخية، والقيام بالواجب، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سورية.. عقد مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين دورته العادية الثانية، لتقويم دور الجماعة وجهودها في تحقيق أهداف الثورة السورية المباركة، وسبل تفعيله وتطويره.

وأكد المجلس على محدّدات الموقف السياسي للجماعة للمرحلة الحالية ضمن النقاط التالية:

التمسّك بوحدة سورية أرضا وشعبا. وتمسّك الجماعة بمشروعها الإسلامي في إطاره الوطني القائم على التعددية والتشاركية والتوافقية. تسعى الجماعة خلال الفترة القادمة لتكون شريكاً فاعلاً في عملية إسقاط نظام بشار الأسد، ومقاومة المشروع الإيراني بأذرعه، والتصدّي للمشروع المتطرف نظريا وعملياً، وتستمرّ في جهدها السابق في دعم الثورة وخدمة مشروعها على كل المحاور. وتعمل جاهدة على توحيد القوى والفصائل المعتدلة على الأرض السورية، وتسعى إلى تشكيل غرفة عمليات موحدة. تحافظ الجماعة على حضورها السياسي، بتحديد مواقفها من الوقائع والأحداث بشكل واضح وفي الوقت المناسب، وتسعى دائماً إلى كشف حقيقة ما يُطرَحُ حول القضية السورية، وتحاول أن تربط بين المسارين السياسي والميداني. تبذل الجماعة جهدها على كل المحاور الإقليمية والدولية لتوضيح حقيقة مشروعها الإسلامي ومواقفها بطريقة إيجابية ومقنعة، تخدم تطلّعات الشعب السوري، وتجعل الجماعة شريكة في المعادلة الدولية والإقليمية. تسعى الجماعة إلى تصليب المؤسسات الوطنية الحليفة وتطوير أدائها، ودعم الحكومة المؤقتة ومساعدتها على القيام بدورها في خدمة الشعب السوري، ورعاية تحالفات الجماعة الإسلامية والوطنية، والعمل على توسيعهاـ بخاصة مع الأشقّاء الكرد أصحاب التوجهات المعتدلة.

يا أبناء سورية.. أيها الأحرار في كل مكان..

إن الصراع في سورية هو هو منذ بدأت الثورة السورية، صراع شعب يريد الانعتاق من الاستبداد والفساد، يريد الحرية والكرامة، ويريد الحفاظ على هويته الحضارية والثقافية المستندة إلى مبادئ الإسلام الحنيف وحضارته السامقة العالية، وليس حرباً أهلية، والبدائل ليست كما يصورها البعض سيئة إما النظام وإما الإرهاب، وذلك لتبرير المضيّ في مسلسل القتل والتدمير، والقبول بالتجزئة والتقسيم، أو الإبقاء على النظام وإعادة تأهيله أو تأهيل أجزاء منه. وفي هذا المجال تؤكد الجماعة على وقوفها مع حلّ سياسي بين السوريين، يحفظ حقوقهم، ويحقق أهداف الثورة.

إن شعبنا - وجماعتُنا جزء منه – قادرٌ على صنع البديل الذي يحفظ الحياة ويوقف نزيف الدم والتدمير، إن الثورة السورية وهي تسجل اليوم انتصارات هامة في وجه آلة الفتك والقتل، أمام عصابة تستمرئ الفتك بالأبرياء والآمنين من الأطفال والنساء، ببراميل الإجرام المحللة في ظل تواطؤ دولي مريب وشريك في المسؤولية عن الدم السوري، هذه الثورة قادرة على استكمال التحرير، عندما تجتمع جهود مكوناتها، ويتوحد قرارها السياسي والعسكري، وهذا ما قدمت فيه أمثلة هامة في الأشهر الماضية.

إن هذه الانتصارات تهيئ الفرصة لإقامة منطقة آمنة، وهي مصلحة للعالم كله كما هي مصلحة للسوريين، في منع عصابة الإجرام الأسدي من العبث بحياة الناس، وهو واجب تمليه القوانين والشرائع الدولية، وهي تتيح للسوريين فرصة العيش وإعادة الإعمار، ووقف سيل اللجوء في كل اتجاه، في أكبر أزمة لاجئين مرّ بها العالم المعاصر، بل تفتح الأبواب أمام عودتهم وإعادة إعمار سورية وبناء مؤسساتها، وفي هذا المجال فإننا ندعم الدعوات والجهود التي تبذلها الدول الشقيقة والصديقة وبخاصة تركية، ونشكر الدول المضيفة للاجئين على العبء الكبير الذي تحملته.

إن العالم المنصف اليوم ينظر إلى المنطقة ويرى الحاجة الماسة إلى مشروع قادر على تحقيق الاستقرار، ومواجهة خطر الإرهاب، وهذا المشروع لن يكتب له الوجود والبقاء إن لم يكن نابعاً من أبناء المنطقة، منطلقاً من حضارتها وثقافتها، متسقاً مع العصر ومتطلباته، يحمل الروح والطاقة القادرة على إطلاق وإيجاد الأسباب البشرية والمادية، وإن المؤهَل لحمل هذا المشروع العربي الإسلامي المتصالح مع بيئته وجواره ، المقاوم لقوى التوسع الطائفي وقوى التطرف والغلوّ.. هو القوى الوطنية والإسلامية المعتدلة، والجماعةُ في القلب منها.

إن دولنا العربية والإسلامية اليوم وهي تواجه تحديات كبيرة، يفرضها المشروع الإيراني الطائفي وأذرعه الممتدة من اليمن إلى العراق ولبنان، والذي يهدد باستهداف البحرين وغيرها، لاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وما يتيحه لإيران من إطلاق يدها في المنطقة، ومن خلال نمو التطرف والغلو ومشروع داعش الذي يمتد ليضرب في دول عدة،كل ذلك يستدعي أن تعمل هذه الدول مجتمعة لتحقيق المشروع العربي الإسلامي مع قوى الاعتدال في المنطقة باعتباره السبيل الوحيد لمقاومة هذه الأخطار.

أيها الشعب السوري العظيم..

إنه مهما كثرت الجراح فإن النصر قادم، وإن ميليشيات الأسد وأعوانها من المليشيات الطائفية الإيرانية أكثر تفجعاً "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون" ، وما الجنازات التي تزفّ يوميا ًإلى الضاحية وإيران، وما الانفضاض عن العصابة الأسدية الذي شكا منه بشار، في خطابه الأخير المهزوم، إلا أبلغ دليل على ذلك، وما النصر إلا صبر ساعة، "وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون".

إن أمتنا في كل مكان تخوض معارك العزة والكرامة، وهي ماضية نحو غد جديد، إن العدو الذي يحرق أبناءنا في سورية هو وجه آخر للعدو الذي يحرق أطفالنا وأهلنا في فلسطين، إن دماءنا واحدة، وإن من يستقوي على الأطفال لن يقوى على البقاء.

إن شعوبنا العربية والإسلامية وقد كثرت عليها الجراح، وبذلت ولا تزال تبذل.. مطالبة اليوم بالمزيد، فإن مشروعها في طور التجذّر والولادة، والخروج من عنق الزجاجة، وإثبات الوجود. ونحن إذ نشكر الدول والشعوب الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانب قضية شعبنا العادلة ودعمتها، ونخصّ السعودية وقطر والأردن وتركية، فإننا نهيبُ بها أن تعمق من توجهاتها، وتكثف جهودها في مقاومة الأخطار التي تكتنف سورية والمنطقة عامة.

أيتها الأمهات الشامخات.. أيها المرابطون والثابتون كالجبال.. أبشروا بنصر الله وأيقنوا بوعده "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا"، "والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

24 من شوال 1436 ـ الموافق 9 من آب 2015

مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية

وسوم: العدد 628