كلمة من أجل دوما

د. عبد العزيز الحاج مصطفى

 السادس عشر من أغسطس/آب، لخمس عشرة سنة خلت بعد الألفين وفي وقت الظهيرة، حيث يشتد الحر، وحيث الباعة والمتسوقون يزدحمون في سوق دوما الشعبي أغارت طائرات النظام السوري على ذلك السوق وأمطرته بقنابلها الموجهة.

وقد ذكر ناشطون أن تلك الطائرات أغارت تسع مرات على المدينة واستهدفت سوقا شعبية مكتظا بالمدنيين؛ وأكثرهم من صغار الصبية، ومن النساء والشيوخ ممن يفترشون الأرصفة ويتكسبون من أجل أسرهم.

كما ذكروا أن تلك الطائرات ألقت أكثر من أربعين قذيفة على أحياء المدينة، مما جعل الفاجعة تعم "دوما" بأسرها، فيحار رجال الإسعاف تجاه أي من تلك الأحياء يتجهون، وبمن يبدأون أولا.

   وقد دلت الإحصائيات الأولية أن أكثر من مئة وعشرين شخصا لقوا حتفهم، وأن ضعف ذلك العدد كانوا في عداد الجرحى والمصابين, مما أدخل المدينة في خانة المدن المنكوبة في سورية، وجعل مجزرتها، الأكثر وحشية بعد جريمة الكيماوي التي وقعت في بلدات (زملكا وعين ترما ومعضمية الشام) في الحادي والعشرين من أغسطس/آب لسنة ثلاث عشرة خلت بعد الألفين والتي راح ضحيتها يومئذ أكثر من (1722) شهيدا,  يضاف إليهم (6210) من المصابين، وأكثرهم ممن يتعذر إرقاء جراحهم، بسبب التلوث الحاصل بسبب الغازات السامة التي ألقتها طائرات الأسد على مدن الغوطة تلك.

والذي يجب ذكره أن مجزرة دوما هذه التي ترتكبها طائرات النظام على مسمع العالم، وقبلها مجزرة الكيماوي في بلدات الغوطة لم تكونا المجزرتين الوحيدة اللتين ارتكبتهما طائرات النظام, بل قل أن خلت المدن السورية؛ صغرت أم كبرت من مجزرة مروعة راح ضحيتها مواطنون أبرياء في طول سورية وعرضها. وكتاب "النظام السوري و الجريمة المستمرة"(1) يذكر بالأدلة الموثقة بعضا من تلك المجازر كما يتحدث بالتفصيل عن سياسة النظام التي أصبحت مختصة بعد 15/3/2011  بقتل السوريين، وهي مسألة لا يُمل الحديث عنها، كونها ذات دلالة عميقة على ممارسات النظام القمعية، التي تخطت كل الحدود، في تعاملها مع المواطنين الأبرياء الذين وقعوا فريسة حاكم جائر اسمه بشار حافظ الأسد، طبيب العيون الذي لم يزاول مهنته والذي آل إليه الحكم بعد موت والده بتزوير معلن ارتكبه مجلس الشعب السوري عندما اتخذ قرارا بأن عمر رئيس الجمهورية يجب ألا يقل عن أربعة وثلاثين سنة، فجاء ذلك مطابقا لعمر الولد بشار الذي أصبح بعدها رئيسا للجمهورية العربية السورية، منذ (2001) وهو تاريخ موت الوالد، الذي هو نفسه ليس أكثر من شاب طموح انتسب إلى الجيش السوري بعد حصوله على الشهادة الثانوية، وارتقى في صفوف الجيش إلى أن أصبح الانقلابي رقم واحد، حيث بوأه مقعده بين الانقلابيين أن يحتل منصب رئيس الجمهورية منذ سنة 1971م وحتى تاريخ موته.

والمضحك والمبكي في الأمر ليس في وصول حافظ الأسد إلى السلطة فتلك حقبة لايقاس عليها, وإنما المضحك والمبكي يتمثل في المواقف من ذلك النظام، وفي الجهات الداعمة التي لم تزل تدعمه إلى اليوم مع اقترافه جرائم القتل العمد، ولا مبالاته وهو يقترف تلك الجرائم من المساءلة، حتى ولو بعد حين، مع كثرة تلك الجرائم، ومع ضراواتها وشدة وحشيتها وقد كادت رائحتها تزكم الأنوف.

والأكثر إثارة في المسألة، المواقف التي تعد أكثر إثارة للشبهة، والمتمثلة في الجهود الدولية الرامية إلى حلحلة الأزمة، والتي تتصدرها قائمة أصدقاء سورية، وما أكثر عددهم وأقل دعمهم، وقد كادوا يخرجون من قوائم الداعمين للشعب السوري في محنته، ليصبحوا من أعدائه. فالذي كل همه شرذمة الشعب السوري وتمزيقه، وتحويله إلى فصائل متحاربة يقتل بعضها بعضا جراء خطأ أيدلوجي ما، هذا الذي يفعل ذلك ليس بصديق ولا يدخل في خانة الأصدقاء قطعا. بل هو من الأعداء، الذين يجب على الثوار السوريين تجنبهم، وعدم الرضوخ لهم في أي من المطالب التي يطلبونها. فهي مطالب بعضها تعجبزي، كالمطلب الذي يرى أن قتال النظام السوري ليس أولا, وذلك بإشغال الثوار بمواجهات داخلية هم في غنى عنها، فضلا عن كونها ستقوي النظام وتضعف قوى الثورة أكثر من أي وقت مضى، وهو مايجب الحذر منه، وبقوة.

إن دوما المجزرة اليوم، ذات الجراح النازفة، والبنى المحطمة والمدمرة تتحول إلى صريخ دائم يتوجه وبقوة إلى الأحباب ليعرفوا أن محبتهم لا تكون إلا بالنصرة، وبالاصطفاف معا، وجنبا إلى جنب في المواقف التي تتطلب النصرة.

وإلى الأشقاء ليعرفوا أن أخوتهم تحتم عليهم أن يلبوا النداء وأن يكونوا مع أشقائهم في محنتهم يعضدونهم بالدعم والمساندة.

وإلى الأصدقاء ليعلموا أن الصداقة بالصدق في المواقف وبالتأييد والدعم وهو مايجب أن يكونوا عليه ليظلوا أصدقاء، ولتبين مواقفهم الداعمة في مواقف الدعم والتأييد.

الصريخ إلى كل أولئك ليرقأوا جراح "دوما"، وليقفوا معها في محنتها وليدللوا على أنهم من أنصار الحرية فعلا، وليسوا من أنصار الطاغية بشار حافظ الأسد.

............

مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 631