المعادلات غير الرسمية
كوردستان
تتشكل معالم الرؤية حول الواقع الكوردستاني بعدة اتجاهات تبدو في اغلبها وكأنها متوازية لاتتقاطع ولا تلتقي الا في المطبات والحواجز والانحدارات الصعبة، فبعد ان اتخذت القوى الكوردية مسلكاً دفاعياً موحداً في حربها ضد الخليفة النكاحي الداعشي في شنكال ومخمور وكركوك وكوباني وفي بعض المناطق الكوردية الاخرى، عادت هذه القوى لتتنافر من جديد لاسيما بعد اعلان تركيا الحرب على حزب العمال الكوردستاني، الذي بدوره اتخذ مسلكاً عدائياً تجاه القوى الكوردستانية الاخرى لاسيما في الجنوب الكوردستاني، وبالاخص مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، باعبتار ان هذا الاخير له علاقات طيبة ومتينة مع تركياً، دون الاخذ بالاعتبار ان السياسة الاقليمية ربما تتطلب بعداً وافقاً عقلانياً اعمق مما يبدو عليه بنظرهم، ومع هذه الدائرة التنافرية برزت اراء متناقضة اخرى بعيداً عن هذا الشأن ( العلاقات بين الحزب العمالي والحزب الديمقراطي)، حيث في جنوب كوردستان نفسها دخلت القوى السياسية في معركة شرسة حول مسألة انتهاء ولاية رئاسة الاقليم.. هذه النقطة اظهرت جانبين في الوعي القومي الكوردي.. الاول تمثل بالصراع الديمقراطي الذي اتخذ مسلكاً حوارياً برلمانياً تنافسياً حاداً دون الخروج عن القواعد الحوارية – اي اللجوء الى القوة العسكرية وذلك لخلفيات تصادمية سابقة- والجانب الاخر هو الخروج عن دائرة البرلمان وعقد اجتماعات بين القوى السياسية نفسها بعيداً عن الاطر التي تؤدي الى اشتعال اية حرب اهلية بين تلك القوى، بغض النظر عن ماهية هذه الاجتماعات -لكونها تبحث في امور من المفترض ان يتناولها البرلمان لسن قوانين تصبح الطريق للمستقبل- او ما ستؤول اليه الامور، فانها اظهرت وجهاً ديمقراطياً واعياً بين القوى السياسية الكوردستانية، لانها اتبعت مسلكاً حوارياً وتنافسياً على جميع الاصعدة، مما يبشر بغد افضل بلاشك.
ومع هذه المعمعة السياسية الحادة سواء الهجوم العمالي "العسكري" - تفجير انبوب نفط تابع للحكومة الكوردية في جنوب كوردستان- والاعلامي الحاد على الديمقراطي والتنافس الديمقراطي واصراره على تمديد ولاية رئاسة الاقليم لسنتين وخوضه معركة سياسية حادة مع القوى الكوردستانية الجنوبية امثال ( الاتحاد الوطني الكوردستاني- وحزب التغيير الكوردستاني- وحزب الاتحاد الاسلامي الكوردستاني- وحزب الجماعة الاسلامية في كوردستان)، والتي افرزت معادلات صعبة على الواقع الكوردي الشعبي، بحيث خلقت فجوة عميقة بين القوى السياسية وبين القوى العامة المتمثلة بالشعب، لاسيما فيما يخص الوقع السلبي لهذا الصراع على الحياة المعيشية للشعب بالاخص للموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم لعدة شهور، مما جعل اليأس يدخل في اعماقهم تجاه هذه القوى السياسية، بل ان الشارع اصبح يرى فيهم اشباه حكام، فالبيشمركة في الجبهات يقاتلون عدوهم اللدود " اتباع خليفة النكاح داعش"، والاحزاب على الكراسي تتصارع..فضلا عن كونهم في صراعهم لايبالون بالشعب واراء الشعب وحاجيات الشعب، كل هذا خلق فجوة واسعة في هذه الفترة ، ولو لم يكن داعش تتربص لكان للشعب كلمة اخرى، مما يعني ان اطراف المعادلة غير الرسمية( الشعب) اصبحت تعيش حالتين في آن واحد، حالة وعي باهمية المرحلة والحفاظ على المكتسبات الموجودة، وحالة اندهاش من مما يجري بين القوى السياسية وعدم اتفاقهم على قانون يضمن مصلحة الجميع احزاباً وشعباً.
وضمن اطار هذه المعادلات غير الرسمية تستمر معاناة الشعب باعتباره الضحية الاكبر في دائرة الصراع الداخلي والخارجي، مما يعني اتساع رقعة الفجوة بين القوى السياسية والشعب، وكي لايفهم الامر بصورة مغايرة للرؤية التي اطرحها فانا اقصد باتساع الفجوة هنا بين الاحزاب والشعب وليس بين الشعب والقضية، لان الاساس بنظر الشعب هو القضية، وهذه الصراعات حتمية في كل اقصاع العالم، لذا فان الامر يخص المرحلة الانية التي نعيشها والتي يريد الشعب بان تتوحد جهود القوى وترك الخلافات لخلق مساحة جديدة يمكن ان تصبح اساساً لما هو قادم واكبر بالنسبة لهم.. لان الشعب نفسه يرى بان الاوضاع العامة قياساً بالصراعات السابقة تظهر مدى تطور الوعي الكوردي ومدى ادراكه لاهمية المرحلة الراهنة في الصراع الكوردي مع القوى الخارجية من اجل وضع اساس متين لقيام دولة كوردية مستقبلية، لذا فنظرة الشعب ايضاً اصبحت اعمق واكثر تفاعلية مع مجريات الاحداث على المستويين الداخلي والخارجي.
وسوم: العدد 631