الطفل السوري الغريق يهز الضمائر.. وناشطون يتساءلون: من المسؤول؟

أنطاكيا ـ «القدس العربي»: «إن مات سوري في أقاصي القطب الشمالي فقاتله هو النظام السوري ورأسه بشار الأسد» هذا ما قاله حرفيا لــ «القدس العربي» الناشط الإعلامي أحمد عبدالجبار من غوطة دمشق، حيث حمل الناشط الشاب النظام مسؤولية الموت الذي يحيط بالسوريين من كل جانب، وبكافة أشكاله المختلفة، سواء كان في الداخل السوري بواسطة أسلحة النظام، أو خارج البلاد غرقا او جوعا أو بردا.

يشرح الشاب وجهة نظره فيقول: «لو أردنا أن نحمل المسؤولية لأحد؛ علينا أولا أن نتساءل عن الذي قام بذبح أطفال في مثل سن هذا الطفل الغريق منذ عام 2011، لوجدنا الإجابة التي يدركها العالم بأسره، فمن ذبح أطفال بانياس في شهور الثورة الأولى؟، هم أنصار النظام السوري من علويي سوريا وتركيا، ولا ننسى جميعا تلك المجزرة الرهيبة التي يبدو مقارنة بها غرق هذا الطفل أمرا أقل قسوة».

ويضيف «إن الذي تسبب بتهجير السوريين من مدنهم وبلداتهم بعد أن دكها لسنوات بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة هو القاتل من دون شك، يساعده في ذلك تقصير مختلف الدول في مساعدة السوريين على التخلص من أداة القتل في سوريا، ورغم ذلك الدول التي يهاجمها الناشطون كل يوم في فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي ويتهمونها بأنها تتسبب بمقتل أطفال سورية، لا يمكن وصفها بذلك، هي لم تقم بواجباتها تجاه شعب يباد، لكنها ليست هي المجرم أو أداة الجريمة».

فيما يرى آخرون من السوريين أن الأمر معكوس تماما، فلولا سماح هذه الدول سواء العربية أو الغربية للنظام السوري بالتمادي لما حدثت المأساة، ومن بيده إيقاف القتل ولا يفعل يحسب كأنه القاتل، فبحسب المحامي «أبو عبادة» والمقيم في أنطاكيا، فإن الدول التي تستقبل اللاجئين السوريين وترحب بهم، هي نفسها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.

يقول الحقوقي «أبو عبادة» لــ «القدس العربي»، «لا بدّ أن استقبال السوريين كلاجئين وإكرامهم بنسب متفاوتة سواء في دول الجوار أو غيرها من الدول العربية والأوروبية، أمر جيد يشكرون عليه، لكنني أعتبر ذلك منهم تكفيرا عن جزء بسيط من الذنب الذي ارتكبوه وما زالوا يرتكبونه منذ أكثر من أربع سنوات وحتى اللحظة، فتلك الدول التي بيدها مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، تستطيع بقرار دولي يمكن اتخاذه خلال ساعات أن تسقط نظام القتل في سورية، لكنها لم تفعل، ويبدو أنها لن تفعل مطلقا، فقد طغت المصالح على الإنسانية في هذا العالم».

وحول تركيا بالتحديد وبوصفها دولة تصدر المهاجرين السوريين وغيرهم عبر سواحلها إلى دول أوروبا كل يوم، حتى غدا الأمر بحسب ناشطين شيئا يصعب ضبطه أو منعه، يحدثنا حسان الحلبي، وهو محرر إخباري في إحدى وسائل الإعلام المعارضة، ويقول: «لقد وقعت تركيا بين نارين، حقيقة، فعندما تضغط قليلا وتمنع السوريين من السفر عبر إزمير أو بودروم بحرا، أو حتى عبر أدرنا برا، يتذمر الجميع ويتهمون الحكومة التركية بأنها تحاول الحفاظ على أكبر عدد من اللاجئين السوريين داخل حدودها، ويتعدى الأمر ذلك لاعتبار الحكومة التركية حكومة تتعامل مع القضية السورية بمصلحية كاملة، وتحسب اقتصادها أولا وما يمكن أن تحصل عليه من الأمم المتحدة بحجة وجود عدد كبير من السوريين على أرضها».

ويضيف: «وفي حال سمحت تركيا أو تغاضت عن موضوع الهجرة غير الشرعية عبر أراضيها وسمحت لعدد معين من السوريين بالتدفق نحو أوروبا، يتم تحميلها المسؤولية الكاملة عن كل شخص يغرق في بحر إيجة، أو يصاب بأي أذى في الغابات التي تفصل أدرنا عن اليونان، وفي كلا الحالين لم تستطع الحكومة التركية إرضاء السوريين، رغم قيامها بما هو أفضل مما يقوم به غيرها من دول الجوار».

أما عن الدول العربية فتكثر الأحاديث بين السوريين على اختلاف توجهاتهم، فغالبا شتم دول الخليج شيء شبه وحيد يجمع بين المؤيدين والمعارضين، بحسب عدنان اللاجئ السوري في أنطاكيا والذي يقول «متهكما» أن عمله هو البحث عن عمل، حيث يرى عدنان أن «الدول العربية تلام كونها حاولت مرارا عبر سنوات الحراك الشعبي في سوريا أن تكون خارج الموضوع تماما، على الرغم من أنها قدمت الكثير من المساعدات المادية للسوريين، إلا أنها تدفع بذلك المال الذي لا يعادل شيئا بالنسبة لما تمتلكه من موارد، ثمن أمنها وبقائها بعيدة عن النزاع الحقيقي مع النظام السوري أو مؤيديه».

ويضيف عدنان: «جامعة الدول العربية خارج القصة تماما، ويبدو أنها اكتفت بأن حرمت بشار الأسد من كرسيه، إن موت كل طفل سوري، سواء غرقا أو تمزيقا بالقذائف، هو مسؤولية المسلمين أولا، والعرب ثانيا في كل بقاع الأرض، ونرى جميعا أن من ذكرتهم تخلوا عن مسؤولياتهم وأجزاء واسعة من مساحات ضمائرهم، نحن السوريين أيتام بكل معنى الكلمة».

آخر دفعة غرقت من السوريين مؤخرا كانت أكثر من عشرين شخصا، كلهم غرقوا بالقرب من مدينة بودروم على الساحل الغربي في تركيا، إلا أن رحلات اللجوء باتجاه أوروبا ما زالت مستمرة، ويبدو أن الموت والحياة أصبحا سيان عند بعض السوريين بعد أن أدمنوا الموت اليومي.

وسوم: العدد 632