وقفة مع نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية

أؤكد مرة أخرى أن الانتخابات الجماعية والجهوية في المغرب لا يمكن أن ينظر إليها دون أخذ تداعيات الربيع العربي بعين الاعتبار ذلك أن عاصفة هذا الربيع هبت على جميع البلدان العربية إلا أن آثارها كانت متفاوتة حسب درجة الفساد والاستبداد اللذين كانا وراء اندلاع ثورات الربيع . ومن تداعيات الربيع العربي القلق الغربي من وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية إلى مراكز القرار الشيء الذي جعل الغرب ينزل بثقله من أجل قطع الطريق على هذه الأحزاب من خلال تحريك أنظمة عربية متوجسة من نفس مصير أنظمة أسقطتها ثورات الربيع لتمويل ثورات مضادة استهدفت تلك الأحزاب من أجل إعادة الوطن العربي إلى وضعية ما قبل الربيع . وبالفعل طبخ الانقلاب العسكري في عواصم غربية وخليجية ضد الشرعية والديمقراطية في مصر من أجل إسقاط حزب الحرية والعدالة ، كما طبخ انقلاب انتخابي في تونس من أجل تحجيم حزب النهضة . وراجت قبل الانتخابات المغربية إشاعات حول تراجع حزب العدالة والتنمية  على غرار ما حدث  في تركيا . ولم ينتظر خصوم حزب العدالة والتنمية ما ستفرزه صناديق الاقتراع التي تعود فيها الكلمة للناخبين، وروجوا  أو سوقوا فكرة سقوطه بل دفعوا من خلال حملاتهم الانتخابية في اتجاه ما سمي العقاب الانتخابي من خلال إعطاء انطباع بأن إنجازات حزب العدالة والتنمية كانت مخيبة لآمال الشعب بل كانت عقابا له وجب أن يواجه بعقاب انتخابي يقصي هذا الحزب من الساحة السياسية ليكون مصيره كمصير حزب الحرية والعدالة المصري أو على الأقل كمصير حزب النهضة التونسي .وكما أن الربيع المغربي كان مختلفا عن الربيع العربي الساخن والدامي بسبب تفاهم القيادة والشعب على التغيير سلميا خلاف ما حدث في باقي البلاد العربية التي شملها الربيع عن طريق دستور متميز عن دساتير البلاد العربية ، وأن حزب العدالة والتنمية لم ينهج نهج الأحزاب العربية ذات المرجعية الإسلامية من خلال تكيفه مع الوضع السياسي المغربي والعربي والعالمي ، فإن نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية جاءت حسب التميز المغربي عن باقي أقطار الربيع العربي . ويمكن القول بأن حزب العدالة والتنمية الذي جاء في المرتبة الثانية  في هذه الانتخابات قد وفق في الانحناء للعاصفة التي استهدفت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الوطن العربي . ومع نجاة حزب العدالة والتنمية من العقاب الذي لحق بغيره من الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي بسبب تهمة الإسلام السياسي، فإن ذلك لا يعني عدم تعرضه لمؤامرة الإقصاء بشكل أو بآخر . ولا يمكن استبعاد استهدافه باعتبار وجوده ضمن خانة ما يسمى الإسلام السياسي بالرغم مما أبداه من مرونة للتخلص من تلك التهمة في محاولة لطمأنة الجهات التي تستهدفه والمتوجسة منه.وفي ما راج من أحاديث عن استعمال المال في الانتخابات الجماعية والجهوية  يؤكد استهداف حزب العدالة والتنمية، ذلك أن المال الذي أنفق من أجل الانقلاب على حزب الحرية والعدالة المصري ،والذي أنفق من أجل تحجيم حزب النهضة التونسي قد يكون هو نفس المال الذي أراد الإطاحة بحزب العدالة والتنمية إذا ما صحت أخبار استعمال المال خصوصا وأنها راجت على لسان زعماء أحزاب  أخرى ،علما بأن حزب العدالة والتنمية لا يمكن أن يتهم باستعمال المال لأنه لا مال له  لينفقه على الانتخابات ،وأنه دخل الانتخابات معولا على سمعته لدى الشعب خصوصا نظافته .والملاحظ عن نتائج هذه الانتخابات هو أن ما يقارب نصف الشعب لم ينخرط فيها حيث كانت نسبة المشاركة الوطنية هي 36،53%بينما كانت نسبة  عدم المشاركة هي 64،47%. وعدم المشاركة تشمل الذين عاقبوا حزب العدالة والتنمية كجماعة العدل والإحسان وبعض الطوائف السلفية  الراديكالية فضلا عن الغاضبين من أدائه بسبب ما روج عنه عن طريق خصومه من سوء التدبير إلى جانب اليائسين من جدوى الانتخابات أو الذين لا يبالون بها  دون أن ننسى الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالتصويت لسبب أو لآخر.ولقد كشفت نتائج الانتخابات حصول توازن  سياسي حيث حصل حزب الجرار على نسبة 77،20% كما أن حزب المصباح حصل على نسبة 17،17% الشيء الذي يعني أن هذين الحزبين حصلا مجتمعين على نسبة 94،37%  في حين حصلت الأحزاب الأخرى مجتمعة على نسبة 42،14% . وإذا ما استحضرنا الظروف التي أوجدت حزب الجرار وهي مواجهة  حزب المصباح من أجل وقف هيمنته فإننا سندرك أن التوازن كان مقصودا  بل كان مفروضا في ظل الظروف الدولية والعربية لأن هيمنة حزب ذي مرجعية إسلامية لا يمكن أن يقبل به الغرب ومن يدور في فلكه . ويمكن القول أن كلا من حزب النهضة التونسي وحزب العدالة والتنمية المغربي  قبلا مكرهين لعبة التوازن تجنبا لمصير الاستئصال الذي حل بحزب الحربة والعدالة المصري . ولاشك أن نتائج هذه الانتخابات قد أكدت تمسك شريحة مهمة من الشعب المغربي بهويتها الإسلامية ، ولا زالت تراهن على الإسلام كحل  لمحاربة الفساد الذي لا يمكن أن ينتهي بين عشية وضحاها ، ولا يمكن أن يندحر بسهولة . ومما يبعث على التفاؤل أن هذه الشريحة عبرت عن وعي سياسي راق عندما ساندت حزب العدالة والتنمية الذي لا يمكن الطعن في نظافته . ومما يبعث على الأسف الشديد أيضا استمرار ظاهرة استعمال المال في الانتخابات إذا صحت الروايات ،الشيء الذي يعني أن الفساد كعادته  يمكن لنفسه بوسيلة المال مستغلا غياب الوعي الرافض له  . ومن اللافت للنظر في نتائج هذه الانتخابات سقوط قيادات حزبية في عقر دارها أمام حزب العدالة والتنمية بعدما كانت تتوعده بالهزائم النكراء وترميه بأشنع النعوت ولم تدخر جهدا في استعداء الشعب عليه بشتى الطرق والأساليب  لمعاقبته انتخابيا .ومن المثير للسخرية أن تحاول هذه القيادات المندحرة تبرير سقوطها بالتشكيك في نزاهة الانتخابات خلاف ما يحدث في البلاد الغربية التي يعترف فيها المنهزمون وبروح رياضية بالهزيمة .   

وسوم: العدد 632