البغدادي ووهم عواصم الغرب
محمد فاروق الإمام
البغدادي اسم أثار الرعب والخوف في عواصم العالم شرقها مع غربها وسرق الأضواء في هذه العواصم، وتصدر نشرات الأخبار على صفحات وسائلها الإعلامية المقروءة والمسموعة بيان دولة العراق والشام يوم الأحد الماضي، والذي يشير إلى إعلان قيام "الخلافة الإسلامية" ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، وتبع ذلك عرضاً عسكرياً للتنظيم في مدينة الرقة السورية ابتهاجاً بإعلان الخلافة وتنصيب أبو بكر خليفة للمسلمين، تضمن فيما تضمن استعراض للصواريخ أرض/أرض، وعدد من المدرعات ومدفعية الميدان والرشاشات الثقيلة، التي غنمها التنظيم من فلول جيش المالكي الذي انهار في سويعات دون قتال أو مدافعة أمام الهجمة المضرية لمقاتلي الثورة العراقية الذين تمكنوا من تحرير عدد من المدن الكبيرة من يد ميليشيات المالكي الطائفية وغنيمة أسلحتها، ومن هذه المدن الموصل وتكريت في زمن قياسي لا يجاريه إلا ما كان في حرب حزيران 1967 حيث أصدر وزير الدفاع آنذاك اللواء حافظ الأسد أمراً عسكرياً بالانسحاب الكيفي من الجولان بعد إعلانه عن سقوط القنيطرة قبل أن تدنسها أقدام الغزاة الصهاينة ب 18 ساعة.
هذا الوهم الذي تلبّس الأمم الغربية وإعلانها حالة الطوارئ لمواجهته لأنه – كما يقولون – بات الخطر الأكبر الذي يتهدد الغرب والديمقراطية في العالم ولابد من أن يواجه العالم متحداً هذا الخطر، متناسين أن هذا الخطر هو من صنع أيديهم وأيدي عملائهم وصنائعهم في المنطقة، وأن الخطر الحقيقي الذي يتهدد المنطقة والعالم هو هؤلاء الذين ألبسوهم ثوب الحكم وتركوهم يصولون ويجولون في ذبح شعوبهم وامتصاص دمائهم ونهب جيوبهم وتجهيلهم وإفسادهم لعقود طويلة، فهؤلاء هم من زرعوا الإرهاب والحركات المتطرفة والفكر المنحرف لتكون الوسيلة لمبرر بقائهم، جاثمين على صدور شعوبهم بتأييد من الغرب المتشدق بحماية الشعوب وحقوق الإنسان والديمقراطية.
وإذا ما أراد الغرب حقيقة التصدي لهذا الأمر الجلل عليه ركوب الطريق الصحيح الذي يمر عبر إرادة الشعوب وليس الاصطفاف وراء الحكام الذين تهون عندهم شعوبهم وبلدانهم والذين هم من يورطون الغرب للانزلاق إلى أتون حروب مدمرة كتلك التي حدثت في العراق، واعترف القادة الأمريكيون بارتكابهم لذلك الخطأ الكبير الذي قادهم إلى المستنقع الذي انزلقوا إليه، وتطلب منهم التضحيات الكبيرة التي انعكست سلباً على الاقتصاد الأمريكي والأوربي وأدى إلى تداعيات كبيرة كان ضحيتها المواطن الأمريكي والمواطن الأوروبي، والمواطن العربي الذي كان الضحية الأولى لتلك الحروب القذرة.
وإذا ما خرج علينا اليوم فصيل من أصحاب العقول المتحجرة والمتكلسة والمنحرفة والمتوهمة التي تختصر الإسلام بإعلان الخلافة الإسلامية على أنها نهاية المطاف للدولة الإسلامية التي ينشدها كل المسلمين في العالم فهذا ليس جديداً، فقد توهم كثير من أمثالهم فعل ذلك منذ انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وعلى امتداد دولة الإسلام خلال عقودها المتعاقبة، ولكن كل هذه الدعاوي المنحرفة كان مصيرها الهزيمة والذوبان كذوبان الزبد (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
لقد مر على دولة الإسلام العشرات من فرق الخوارج الضالة التي سعت إلى تعكير صفو الدولة الإسلامية وتمزيق رايتها وحرف مسارها مرتكبين في سبيل ذلك أبشع الجرائم بحق المسلمين، وفي مقدمتهم الصحابة والتابعين والفقهاء والعلماء والقادة، ولم يوفروا حتى الأطفال عن القتل وبقر بطون النساء وذبح المعتكفين في المساجد "كما فعلت غزالة زوجت الخارجي شبيب بن يزيد في جامع الكوفة وأزقتها أيام الخليفة عبد الملك بن مروان" بحجة أن الجميع مرتدون وأبناؤهم أبناء مرتدين، وكان لهؤلاء الخوارج صولات وجولات أخرت الفتوحات في عهد الأمويين أكثر من عشر سنوات لانشغال الجيوش في التصدي لهم ومحاربتهم، وهذا ما يحصل اليوم فقد كان دور خوارج اليوم إفشال الثورات العربية وقتل الروح الثورية وتمييع الانتفاضات العربية وتشتيت عقول الشباب والمقاتلين وسلب إرادتهم والهيمنة على عقولهم والانسياق وراء دعوات باطلة لا رابط شرعي لها، وكان مصير من قاد هذه الفرق سوء الخاتمة وعقوبة رب العالمين لهم في الدنيا قبل الآخرة، فهذا شبيب بن يزيد الذي قتل أكثر من خمسين قائداً لجيوش الأمويين، كان عقابه أن أغرقه الله في نهر دجيل كما أغرق من قبله فرعون مصر، وهذا نافع بن الأزرق الذي ظل أتباعه ينادونه بأمير المؤمنين لأكثر من عشرين سنة كان عقابه أن ألقاه الله من رأس جبل هاوياً حتى دُق رأسه ومات، والأمثلة كثيرة في نهاية مثل هؤلاء الأدعياء.