البعد عن أخلاق الإسلام هو السبب الحقيقي وراء كارثة منى

جرت  العادة أن تحدث كوارث في مواسم الحج . وجرت العادة أيضا أن ينحى باللائمة على المملكة العربية السعودية لأنها البلد المشرف على تنظيم هذه العبادة . وغالبا ما يكون اللوم إما بدافع الاختلاف العقدي مع المملكة كما هو الشأن بالنسبة للوم دولة إيران الشيعية التي ترى أنها المؤهلة للإشراف على البيت الحرام ، لهذا تطالب  دائما بإشراف دولي عليه ، وتؤيدها الدول التي توجد فيها الطوائف الشيعية . ويوجد خلاف كبير بين المملكة ذات التوجه السلفي الوهابي  وإيران ذات التوجه الشيعي الإمامي ، وبين مرجعيات البلدين تلاسن وتجريح واتهام وتلاعن . ويتوجه الحجاج الشيعة إلى  بيت الله الحرام وقد تلقوا توجيهات من مراجعهم الشيعية تحذرهم من السلفية الوهابية، وتصورها بأنها ضلال مبين . وفي المقابل ترى السلفية الوهابية  بأن المذهب الشيعي  في ضلال مبين أيضا . وفي حين يحرص الشيعة على ضرورة زيارة  ما يسمونه المراقد بينما ترى السلفية الوهابية أن زيارة هذه المراقد بدعة ضالة . وتلقن المراجع الشيعية الإمامية أتباعها لعن خيار الصحابة : أبو بكر الصديق و عمر الفاروق وعثمان ذو النورين وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة ومعاوية ... وصحابة آخرون رضي الله تعالى عن الجميع . ويصل الأمر بالرعايا الشيعة  بسبب ما تلقنهم به مراجعهم  من حقد وتكفيرعند زيارة قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم حد لعن الخليفتين الصديق والفاروق الراقدين بجواره عليه الصلاة والسلام . ويعرف  السلفيون الوهابيون عنهم ذلك جيدا ،ولهذا يتخذون موقفا من الرعايا الشيعة بل ربما حاولوا أمرهم بالسلام على الصديق والفاروق ،الشيء الذي يزيد من تعنت الشيعة والمبالغة في إظهار سوء الأدب مع الصحابيين الجليلين ولعنهما . ولقد شهد أحد مواسم الحج صداما داميا بين الشيعة الإيرانيين والسلطات السعودية . وإذا ما صحت الأخبار التي ذهبت إلى أن أكبر عدد من ضحايا الزحام يوم العيد بمنى كان من الرعايا الإيرانيين فلا يستبعد أن يكون لتأثير المرجعيات الشيعية دور في الحادث بطريقة غير مباشرة حيث يعتقد الرعايا الشيعة أن طريقتهم في أداء مناسك الحج هي الطريقة الصحيحة وأن غيرهم على خطأ ،بهذا يكفرون غيرهم ويزدرونهم ويذكرون السلفية الوهابية بالسوء، وترد عليهم السلفية الوهابية بالمثل . وتستغل إيران ما يقع من أحداث في مواسم الحج للنيل من النظام السعودي . وقد يكون انتقاد النظام السعودي أيضا بدافع الإفراط في العاطفة عند الرعايا غير الشيعة بسبب بعض المعاملات التي توصف بالخشنة من طرف أجهزة الأمن عندما ترتكب بعض المخالفات التي  تفرضها ظروف الحج .ويحس الحجاج أن النظام السعودي يحاول فرض عقيدته السلفية الوهابية على جميع الحجاج من مختلف الأقطار الإسلامية، وأنه يعتقد بأنه وصي على جميع المسلمين، وأن عليهم أن يحجوا وفق المذهب السلفي الوهابي فقط ، كما أنهم يمنعون الحجاج من زيارة قبور الصحابة بذريعة منع عبادة الأضرحة ،الشيء الذي يتسبب في تدمر هؤلاء الحجاج من بعض سلوكات الأمن السعودي الذي قد يمارس العنف عليهم لأسباب عقدية .  ومهما يكن من أمر فإن الكارثة وقعت  وكان سبب وقوعها البعد عن أخلاق الإسلام ، وبيان ذلك كالآتي :

لقد ضبط الإسلام كل أحوال المسلمين . ومن أحوالهم التجمع والتجمهر في أماكن العبادات وأماكن المعاملات . ومن أكبر التجمعات السنوية حج بيت الله الحرام الذي يكثر فيه الزحام والاكتظاظ ،ويتسبب ذلك في الاحتكاك والتدافع من أجل ممارسة الشعائر الدينية . ومن هذه الشعائر رمي الجمرات . وبسبب تأثير المرجعيات المذهبية والطائفية  في أتباعها، وتصلبها في أداء شعيرة  رمي الجمرات في وقت معين يكثرفيه الزحام . وبسبب غياب النظام عند الحجاج فإنهم يسلكون مسالك تفضي إلى زحام وتدافع شديدين . وبالرغم من وجود تشوير يساعد على السير في طرق سالكة ،فإن بعض الحجاج لا يحترمون هذا التشوير، وقد يكون ذلك بسبب التصور العدائي الذي توحيه بعض المرجعيات لأتباعها الذين يرون كل تنظيم في الحج مخالف للصواب أو هو محاولة تحكم فيهم أو محاولة إهانتهم والتسبب في عنتهم ومشقتهم . ومن المؤكد أن الكارثة التي وقعت كانت بسبب مجموعة من الحجاج سلكوا محجا  غير صحيح بسبب تعجل  أداء ما بقي من مناسك ، وربما أرادوا اختصار الطريق، وأصروا على السير في الاتجاه غير السالك . وأما الفرضيات التي تطرح والتي تحتاج إلى تمحيص فنختصرها في اثنتين وهما : أولا هل اتخذت الإجراءات الضرورية لمنع الزحام والاكتظاظ من خلال تحديد السبل السالكة التي يسير فيها الحجاج في اتجاه واحد فقط ؟ ثانيا هل احترم الحجاج السير في الاتجاه الصحيح والسالك ؟ ومهما تكن الفرضية الممكنة ،فإن غياب أخلاق الإسلام هو سبب وقوع الكارثة . ومما ضبط به الإسلام سلوك المسلمين إذا ما تجمعوا مجموع إجراءات منها تحريم التسبب في إزهاق الأرواح لأن  زوال الدنيا أهون عند الله عز وجل من قتل مسلم واحد كما جاء الأثر، وهو ما يؤيده الذكر الحكيم في قوله تعالى : (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميع ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميع )). ولقد جاء الأمر الإلهي واضحا بمنع قتل النفس في قوله تعالى : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ))  وقوله أيضا : (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) . ومعلوم أن قتل النفس قد يكون بطرق شتى منها التزاحم . ولقد قيد الله عز وجل المسلمين بعلاقة الأخوة على غرار أخوة الرحم  فقال جل من قائل : (( إنما المؤمنون إخوة )) . ومعلوم أن أخوة الرحم فيها تراحم وتعاطف بسبب اشتراك الإخوة في رحم واحدة ودم واحد . ويمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلاقة الأخوة بين المسلمين بعلاقة الأعضاء بالجسد في قوله صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "  وذكر التواد والتراحم والتعاطف  في الحديث  بهذه الصيغ التي تفد المشاركة  دليل على  متانة الأخوة في الإسلام . ولقد جعل الله عز وجل رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين إسوة للمسلمين . ومما أمروا بالتأسي به  صفة الرحمة والرأفة  مصداقا لقوله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) فبموجب هذا النص يلزم كل مسلم أن يعز عليه عنت المسلمين وأن يحرص عليهم وأن يرأف بهم ويرحمهم إسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستجابة لأمر الله عز وجل في قوله : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة )) . ومن صفات المؤمنين التراحم فيما بينهم لقوله تعالى : (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )). ولقد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بخفض جناحه للمؤمنين في قوله عز من قائل : (( واخفض جناحك للمؤمنين )) وهو أمر للأمة الإسلامية كافة . ومعلوم أن الجناح هو عضو يطير به الطائر وهو مصدر قدرته وقوته .  ويستعار الجناح أيضا للإنسان، ويطلق على يده وعضده وهما مصدر قوته وقدرته . ويقال فلان مقصوص الجناح إذا كان عاجزا وضعيفا وبلا قدرة أو قوة . وعندما يخفض جناحه فإنه يلين ويرق وتعتريه الرحمة والشفقة فيتواضع لغيره.ولقد خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم جناحه للمؤمنين وضرب أروع الأمثلة في ذلك لتتأسى به أمته.  ومن الأمثلة على ذلك قوله : " إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه " . فهذا أروع مثال للرحمة حيث يتجوز الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صلاته التي جعلت قرة عينه شفقة بأم يبكي صبيها وهي معه في الصلاة ، ولهذا سن لأمته الرحمة بالضعفاء في العبادة فقال : " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء " . وما ينطبق على عبادة الصلاة ينطبق على باقي العبادات ، ومنها عبادة الحج . فإذا كان المفروض على من يصلي بالناس التخفيف، فإن المفروض على من يحج أن يرأف بمن يحج معه فلا يؤذيه خاصة وأن عبادة الحج قوامها الأمن والأمان . ومن أدلة وجوب تجنب إذاية المسلمين قوله صلى الله عليه وسلم : " من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء "  ففي هذا الحديث إشارة إلى أماكن العبادة وهي المساجد وأماكن المعاملة وهي الأسواق وكلها  أماكن يتجمع فيها الناس، ويقع بينهم احتكاك وتدافع، لهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل الإنسان سلاحا وهو يمر بين جموع المصلين أو جموع المتسوقين . وقياسا على حمل السلاح يجب تجنب كل ما يصيب المسلمين في تجمعاتهم سواء كانت للعبادات  في المساجد أو في الحج أو للمعاملات في الأسواق  بما في ذلك الزحام .وأخيرا إن المؤكد الذي لا ينكره إلا جاحد معاند هو أن سبب كارثة منى هو تغييب الحجاج لأخلاق الإسلام ،وعلى رأسها  خلق التراحم. ومن المؤكد أن تحريض بعض المرجعيات أو بالأحرى الأطراف المحتكرة للدين هو سبب غياب مفهوم الأخوة الحقيقي  بين المسلمين ، وغياب سلوك التراحم فيما بينهم . وإذا كان المسلمون  يستبيحون بيضتهم بأنفسهم ويهدرون دماءهم في  شتى بلاد الإسلام ، فإنه قد هان عليهم أيضا استباحة أرواحهم عند بيت الله الحرام وفي عبادة الحج ، وفي هذا انعكاس لسوء أحوالهم بسبب بعدهم عن كتاب ربهم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وسوم: 635