هل هناك إمكانية لانتفاضة فلسطينية

كانت انتفاضة الأقصى 28 ايلول 2000 حدثاً انعطافياً في مسار النضال الفلسطيني.. وكانت شرارتها اقتحام المجرم شارون لباحات المسجد الأقصى، حين اعتبرت سابقة ذات دلالة..

لطمت الانتفاضة السكون العربي، وأيقظت صورة الشهيد محمد الدرّة الضمير العربي، وجزءاً من الضمير العالمي.. وانتشرت الانتفاضة، وعمّت : سلاحأً شعبياً يعلن تمسك الفلسطيني بحقوقه، ومنخور اتفاقيات أوسلو وتجويفها..

وكان الشهيد أبو عمار ـ ياسر عرفات ـ على رأسها، يغذيها بكل الممكن كي تصبح سلاح الفلسطيني لانتزاع الحقوق، والضغط على الوضع العربي لتقديم الحد الأدنى، وعلى المجتمع الدولي للقيام بواجبه ومسؤولياته..

كتبت الكثير من المقالات عنها، وكان الصديق الشهيد خليل الزبن ـ مستشار الرئيس عرفات لشؤون حقوق الإنسان، ورئيس صحيفة النشرة ـ يحثني يومياً أن أستزيد من الكتابة.. وكنا متفائلين بحدوث انعطافة في المسار الفلسطيني والعربي..على الأقل في تحصيل الدولة الوطنية المستقلة في الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس، وشيئاً معقولاً للاجئين ..وقرع رأس السكون العربي ونخوته عساه يتحرك.. ويقدّم المأمول منه ..

ـ وانبرى العجز العربي الرسمي يحاول تطويقها، وضغطها، وتوجيهها نحو مشروع تسووي.. فيما عرف ب" مبادرة الأمير عبد الله" التي اعتمدتها قمة بيروت.. كمشروع، أو مبادرة عربية للسلام.. ما تزال راقدة.. وقد استفادت إسرائيل من اعتراف العرب الرسميين ـ جميعاً ـ بها، بينما داستها وتجاوزتها ولم تعطها أي قيمة... لعدم وجود قوى تفرضها..ولأن السلام في جوهره يتنافى وبنية الكيان، وأهدافه ..

ـ اجتاحت القوات الإسرائيلية مناطق الانتفاضة. قاوم الفلسطينيون ببسالة، خاصة في مخيم جنين، وجنين، وكتبت رواية طويلة بعنوان قمر جنين.. من وحي تلك اليوميات، لم أنشرها .. وتمّت تصفية الانتفاضة بالقوة، وعبر الدم.. وخرجت أصوات فلسطينية وعربية تدينها..لأنها لجأت إلى التسلح، والشهادة، والمواجهة.. ونبتت مراهنات" واقعية" ما زالت تقضم أظافرها للآن.. دون أن تحقق سوى التراجعات، والخواء ..

****

اليوم.. والتاريخ يعيد نفسه.. حتى بالأشهر والأيام... تنتهك إسرائيل الأقصى بمشروع لئيم، شامل لا يكتفي بانتهاك باحات الأقصى، أو بفرض زيارة قطعان المستوطنين واليهود لباحاته.. بل للسيطرة عليه في أوقات معينة، وطرد المرابطين، والمصلين، ومنع وصول الفلسطينيين إليه.. وسط عجز عام : فلسطيني وعربي.. بينما يتفرج العالم.. وقد يلهي هذه الأوضاع بأنه وافق على رفع العلم الفلسطيني على سارية في الأمم المتحدة..!!! ....

ـ لا يملك الفلسطيني من سلاح سوى الاحتجاج والانتفاض والحجر، وبعض عمليات الاستشهاد.. بينما تبدو القابلية على إشعال انتفاضة أخرى ضعيفة لوجود عوامل متشابكة، يقع في مقدمها : استمرار الانقسام الفلسطيني، وتفعيل الخلافات بمزيد الشحن والوقود الدائمة، وعدم إيمان السلطة الوطنية بنهج الانتفاضة.. لقناعتها المستمرة بسبيل المفاوضات، وما تعتقده قابلية ممارسة الضغوط واللعب بالأوراق التي تظن أنها تمتلكها، وتستطيع من خلالها إجبار الصهاينة، أو المجتمع الدولي على فرض حكاية الدولتين وتعايشهما.. والتهديد ـ كورقة أخيرة ـ بفكّ الالتزامات بأوسلو، وحل السلطة الفلسطينية، والعودة إلى مرحلة الاحتلال..لتحميل الكيان مسؤوليته عن إدارة الضفة.. وإيقاف التنسيق الأمني.. وبعض الوسائل الأخرى..

ـ بينما الوضع العربي اليوم أكثر ضعفاً، وانقساماً، وانشغالاً بشؤونه الخاصة، وبمواجهة ثورات الربيع العربي، والمشروع الإيراني الشمولي..

أما الرهان على المجتمع الدولي فهو قبض ريح..

ـ لذلك، وأمام التحديات الخطيرة التي تواجه ما تبقى من فلسطين، على العموم، والأقصى المبارك بالخصوص..لايملك الفلسطينيون سوى الاعتماد على قدراتهم الخاصة بالأساس.. انطلاقاً من العمل السريع على إنهاء الانقسام، وحشد كافة الجهود المتاحة في عمليات مواجهة تناغم بين السياسي وكافة الوسائل الأخرى.. والاعتماد على قدرات الشعب الفلسطيني الواسعة في مختلف المناطق وأماكن اللجوء والشتات، خاصة فلسطينيو ال 48.. واستنفار الأمة، والعالم الإسلامي لممارسة الممكن لتكريس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتفشيل مشاريع إسرائيل الاستيطانية، والتهويدية، وباتجاه الأقصى ..

إن التفكير بانتفاضة فلسطينية جديدة يستلزم تضافر جهود الجميع من القوى والفصائل والفعاليات السياسية لتأمين حشد شعبي يضع نصب عينيه فلسطين والأقصى.. وليس أي شيء خاص بهذا الفريق أو ذاك.. وحينها.. يمكن أن تنهض انتفاضة جديدة مسلحة بوعي الدروس والتجارب السابقة..

وسوم: 636