صلات القربي ووشائج الصداقة
موقع مدينة الكـــوة كتاب الكوة للكاتب قاسم عثمان نور مدينة الكوة : حاضرة النيل الأبيض ، تقع مدينة الكوة علي الضفة الشرقية من النيل بين الخرطوم وكوستي فهي عل بعد حوالي 180 كلم جنوب الخرطوم ونحو ثمانين كيلو متر شمال كوستي ، وعلي بعد 35 كيلومتر جنوب مدينة الدويم ، حيث تقع الدويم في الضفة الغربية للنيل الأبيض ، تحكي مدينة الكوة قصة مدينة عاشت عصرها الذهبي وتركت بصماتها الواضحة في تاريخ السودان بشقيه القديم والحديث . لعبت الكوة دوراً هاماً علي مر الحقب والعصور ، كما أنها أنجبت رجالاً أفذاذا كان لهم دوراً هاماً ورائداً في مسار الحياة السودانية في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ومشاركة أولئك الرجال في مختلف الحقب والأزمان في بناء السودان ، فأبناء الكوة كان لهم ومازال وجود دائم ودور بارز في العديد في العديد من المناحي والوجوه المختلفة في الحياة السودانية ، وقد انتشر أبناء الكوة واستقروا في العديد من المدن وقري السودان وأينما حلوا كانوا نجوما زاهية ورموزا بارزة ولهذا أسبابه ومسبباته . لقد مرت الكوة بعدة أطوار منذ تأسيسها وقيامها في العصر الحديث وشأنها شأن العديد من مدن السودان التي مرت بتلك الأطوار : التأسيس والأزدهار ثم الاضمحلال وذلك لعدد من الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية ولتداخل عوامل اقتصادية واجتماعية وللتقلبات التي ضربت السودان في العديد من النواحي والزوايا والخلخلة التي أصابت التركيبة السكانية في العقود الأخيرة ، كل ذلك أثر علي اقتصاد المدينة وتطورها بل أدي إلي جمودها ثم بداية العد التنازلي نحو الاضمحلال ولا نقول الزوال – وهذه طبيعة الأشياء وقانون المدنيات والحضارات ، ورغم الجهود التي تبذل في إعادة الوضع إلي سيرته الأولي ، فإن عجلة التاريخ لا ترجع إلي الوراء ، ولابد للتاريخ أن يتم دورته ، فإن ذلك المجتمع الذي تكون في تلك المدينة في حقبة من الحقب لا يمكن أن يعود حياً ولا يتكرر في الوقت القريب بل اصبح ذكري للأجيال القادمة . فأن الهجرة التي طالت الأسر كل الأسر أدت إلي خلخلت التركيبة السودانية ، وتزايدت الهجرة في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ أخذت طابعاً جديداً ، فقد كان أبناء الكوة منذ تأسيسها قد عرفوا بامتهان حرفة التجارة والتي كانت تفرض عليهم السفر بعيداً عن ديارهم والبقاء سنوات وسنوات .. ولكنه كانوا يحتفظون بمساكنهم وأهلهم وموقعهم بالكوة حيث يطلون عليهم من وقت لآخر ولا يقطعون صلتهم بها حيث تتواصل الأسر ولا تنقطع صلتهم بوطنهم الصغير .. ولكن شهدنا في السنوات الأخيرة أن أخذت الهجرة طابعاً جديدا فقد أصبحت تهاجر الأسر بكاملها .. ولا تحتفظ بمسكنها وموقعها بالمدينة بل تعرض ذلك للبيع وهذا معناه التخلي النهائي عن الوطن الصغير واستبداله بوطن جديد ودار جديدة وتبقي الكوة مجرد ذكري وتاريخ . وتشب أجيال جديدة في موطنها الجديد وهم لا يعرفون عن مدينتهم القديمة سوي بعض الذكريات التي تحفظها الروايات والحكايات اليت يجترها الكبار . إذا استمر معدل الهجرة بهذه الصورة التي نراها في هذه الأيام (منتصف التسعينات) فما هي إلا سنوات قليلة حتي نجد مدينة الكوة وقد اصبحت خالية علي الأقل من سكانها ومؤسسيها القدماء وستسكنها قبائل واسر لا تمت بصلة لتلك القبائل والأسر التي جاءت منذ قرون لتأسس مدينة الكوة لتصبح إحدي حواضر النيل الأبيض وهكذا قانون التطور ولن تتوقف عجلة التاريخ رضينا أم أبينا .
كانت الكوة ومازالت تمثل واحدة من مدن التمازج القومي في السودان ، فمنذ عهدها الباكر عرفت الكوة التداخل القبلي والتمازج السكاني بين قبائل السودان المختلفة فقد تمت المصاهرة بين قبائل الكوة النازحين من شمال السودان مع القبائل النيلية وبخاصة قبيلة الشلك التي كانت تسكن بعض فروعها الجزر المحيطة بالكوة علي النيل الأبيض كما أن سكان الكوة لم يعرفوا التمايز القبلي بصورته الحادة والقبيحة فقد تمت المصاهرة بين معظم تلك القبائل والبيوتات والأسر ، حتي صارت الكوة بفضل تلك المصاهرات أسرة واحدة تتداخل جميع القبائل والأسر لتمثل في النهاية نسيجا سداته المحبة ولحمته المودة وبفضل التعليم الذي عرفته منذ مطلع هذا القرن فقد تجاوز أهلها كل أنواع التعصب القبلي ، وعاشوا جميعهم في وئام وود دائمين ، وظلت الكوة علي إمتداد تاريخها تعتز بهذا التوافق والتمازج والتلاحم . أن هذه الصورة الزاهية من الوفاق والوئام لم تشفع لها بالمحافظة علي ترابط ذلك المجتمع فكانت الهجرة التي خرجت وهددت ذلك المجتمع الآمن وتشتت شمل العديد من الأسر أن ترحل وأن تغادر الديار وأن تودع تلك الربوع ، وأن تخرج تلك النفوس وبالحلقوم غصة لهذه المغادرة وبعد أن أجبرتهم الظروف وسدت أمامهم كل السبل ورغم ذلك فإن الصلات لا تنقطع والرجاء لا يخيب وتتواصل الزيارات كلما سمحت الظروف وفي أرض المهجر الجديد بالعاصمة القومية أو في مدن السودان الأخري يتم التواصل والتخابر علي أمل المحافظة علي تلك الصلات .. صلات القربي ووشائج الصداقة والجوار وتمتد جسور المحبة وتتواصل الأشواق والمحبة بين الأسر والعائلات ويتشبث الجميع بكل خيوط الأمل في إنتظار عودة الروح .
الكَوَّةَ : بفتح الكاف وتشديد الواو وفتح الهاء . هناك عدة تفسيرات وتخريجات لهذا الاسم نذكر منها : أولاً: الكَّوةَ : على اسم كوه (KAWA) وهي المدينة الأثرية المعروفى في شمال السودان ، حيث الاسم كان شائعا ومعروفا في تلك الديار وهي نفس الديار التي جاء منها الرواد الأوائل الذين سكنوا الكوة في العصر الحديث وكانوا من الدناقلة ، كما إن كلمة كوي ضم الكاف وكسر الواو والياء بلغة الدناقلة تعني انحناءة النهر فالكوة القديمة ( الأثرية ) كانت تقع عند انحناءة النهر فهي عندهم كُوِي .. وكان موقع الكَوَّة الحديثة تقع في إحدي انحناءات النهر فربما أطلق نفس اللفظ من البحارة الدناقلة الذين رحلوا إلي تلك الديار عبر المراكب الشراعية في رحلاتهم إلي الصعيد ( جنوب الخرطوم ) . ثانياً: الكُوَّة بضم الكاف وتشديد الواو وفتح الهاء ويقال إن البحارة لما جاءوا بمراكبهم علي النيل الأبيض قبل العهد التركي وجدوا فرجة صغيرة وسط غابات السنط وأشجار الطلح والسدود التي كانت تغطي شطان النيل الأبيض .. وكانت تمثل تلك الفرجة الكُوَة الصغيرة فآثروا إن يقفوا وترسوا مراكبهم فيها فاصبحت مرسي لهم فأطلقوا عليها الكُوَّةَ ثم خففت لتصبح الكَوَةَ بفتح الكاف والواو .
ثالثاً : يقال إن الاسم قد جاء من كلمة الكَوْ بفتح الكاف وسكون الواو وهي لهجة سمتخدمة بين قبائل العرب والرعاة حيث يطلق اللفظ علي الفروع اليابسة من الأشجار .. فربما كانت الغابات المحيطة بالمنطقة تحتوي علي مثل تلك الفروع فشاعت الكلمة في المنطقة فأطلقت عليها ثم انتقلت إلي المدينة نفسها عند تأسيسها في ذلك المكان . رابعاً: يقال إن لفظ بول كَو يعني شجر القنا في لغة الشلك وبما إن الشلك سكنوا الجزر المحيطة بالكوة وكانت المنطقة تنمو فيها غابات القنا حيث يقال (بول كو) ثم أصبحت كَو وخففت إلي كوة ثم ألحقت بها أداة التعريف الـ .. لتصبح الكوة .. هذه هي الروايات المتواترة .. ولكن أي من تلك الروايات يعزز الاسم .. إن كان بلغة الدناقلة أو لغة الشلك أو اللغة العربية فكلها تؤكد علي كلمة الَكَّوةَ .. ذلك الاسم الذي تعتز به المدينة وتفخر . والجدير بالذكر هنا إن نقف قليلا أما كلمة الكو في لغة الشلك ومعناها ( القنا ) وفي معتقداتهم من الأشياء التي يتشاءم منها الشلك وهي من خصوصية الرجل وتكون سببا في تعاسته ويصاب بالعقم حيث لا تجد أحد من قبيلة الشلك يحمل عصا من القنا وينفر منها نفوره من الحيات والثعابين الضارة . فلذلك من المستعبد أن يطلب الاسم الذي يتسآءمون منه علي سكنهم .. رغم ان حرف الكاف من الحروف الموجودة في لغة الشلك .
وسوم: 637