الأسد عالقا..!
تقرير على درجة من الأهمية نشرته صحيفة “دير شبيغل” الألمانية (وترجمه الزميل عبدالرحمن الحسيني، ونشر في “الغد” أمس) بعنوان “المشروع الإيراني في سورية: لماذا تحول الأسد إلى موسكو لطلب العون؟”. إذ يدعم كاتبه كريستوفر رويتر، بالمعلومات والتحليلات وجهة النظر التي تؤكّد أنّ تحول الأسد إلى موسكو جاء بعدما شعر بالاختناق الشديد من سطوة النفوذ الإيراني!
يتحدث التقرير عن المشروع الإيراني في سورية، الذي تجاوز الحفاظ على النظام هناك ودعمه عسكرياً، إلى فرض تغييرات أيديولوجية وثقافية وعسكرية، والإمساك بزمام الأمور والتحكم حتى بمفاصل النظام السوري وبمناهج التربية والتعليم، ونشر المذهب الشيعي، وفرض مفاهيم ولاية الفقيه حتى على العلويين أنفسهم، الذين بدأوا بالتذمر من هذه المفاهيم الوافدة الجديدة.
عملياً، أطبقت إيران الحصار على الأسد، وبدأت بنشر الحسينيات، وتشكيل مليشيات محلية تابعة لها. كما أصبحت تتفاوض مباشرةً مع المعارضة السورية الداخلية، وتعيد ترسيم الأيديولوجيا التي تحكم سورية؛ فبدلاً من القومية العلمانية (البعثية)، أصبحت الثقافة المهيمنة هي “ولاية الفقيه”.
الطريف في الأمر أنّ أكثر ما أثار استياء الأسد وجعله يفكّر جديّاً بطريقة لتحجيم هذا “الخناق” الإيراني، هو لا شيء مما ذكر، إنّما قلقه من أنّ المؤشرات الأخيرة ببروز مشروع إيراني لإنشاء دولة داخل الدولة، أو تأسيس إمارة شيعية والتراخي في دعم العمليات الحربية، كل ذلك أشعر الأسد بأنّ إيران من الممكن أن تضحّي به وتتخلّى عنه، وأنّه -بالفعل- لم يعد يملك أي سلطة، حتى ولو على سبيل معارضة الصفقة التي أبرمتها إيران مع حركة “أحرار الشام” لإجراء عملية تبادل طائفي بين سكان الزبداني وسكان قريتي كفريا والفوعا، وهي الصفقة التي كان يعارضها الأسد وعمل على إفشالها!
وصل الرئيس السوري إلى قناعة بأنّ النفوذ الروسي أقل وطأة وأخفّ بلاءً عليه من الهيمنة الإيرانية الكاملة. فالروس يريدون قاعدة عسكرية في سورية تابعة لهم، ولا يتدخلون في الشأن الداخلي؛ سياسياً أو ثقافياً، ولا ينشئون مليشيات محلية تابعة لهم، ولا يعززون الحرب الطائفية الداخلية، كما يفعل الإيرانيون، الذين أصبحوا ينظرون لدمشق، كما ذكر حجة الإسلام مهدي تائب، بوصفها المحافظة 35 في إيران!
ذلك لا يعني أنّ مشروع إيران انتهى، وأن دورها تراجع نوعياً في سورية. فإلى الآن، لم تظهر علامات على استعادة الأسد زمام المبادرة، وإنما أراد خلق حالة من التنافس بين القوتين الداعمتين له، ومواجهة الهيمنة الإيرانية بالنفوذ الروسي. لكنّه قد يجد نفسه، في نهاية اليوم، تحت رحمة هيمنتين ونفوذين وقوتين لا قوة واحدة، كما يرغب!
الإيرانيون ليسوا حملاً وديعاً، وربما ساهموا في تسهيل التدخل الروسي، كما تذكر التقارير عن إقناع رئيس فيلق القدس قاسم سليماني، قبل أشهر، للرئيس فلاديمير بوتين بضرورة التدخل في سورية، بعد أن شعر -سليماني- بأنّ سورية حمل ثقيل على الإيرانيين، ولا يستطيعون وحدهم تحمل أعبائه، بخاصة بعدما أظهرت التطورات الميدانية الأخيرة انهياراً شبه كامل في الجيش السوري في ريف إدلب، فبدأ الإيرانيون يفكّرون في التخلي عن مساحات واسعة وتأسيس الدولة المنشودة (إمارة الشيعة والأقليات). لكن حتى مشروع هذه الدولة أصبح تحت التهديد مع وصول “جيش الفتح” إلى تخوم الساحل ومشارف اللاذقية وطرطوس!
إذن، ومع أنّ أغلب ما جاء في تقرير “دير شبيغل” مهم وغني بالمعلومات والتحليلات الموضوعية، إلا أن من الخطأ الاستهانة بالنفوذ الإيراني وبأدواتهم العميقة في سورية اليوم؛ بل سيسعى الإيرانيون إلى توظيف التدخل الروسي لصالحهم لتقليل حجم الكلفة عليهم، وهم يعلمون تماماً أنّ الروس لا يريدون النزول إلى الأرض، وهي المهمة الحاسمة التي سيتولاها الإيرانيون.
وسوم: 638