الديانة الفتحاوية والطوائف المتصارعة.. أين "فتح" الأم؟
"انا ابن فتح ما هتفت لغيرها"... "الرصاصة الأولى" ... "فتح الانطلاقة"... عدة عبارات يمكن أن تسمعها عندما تجلس مع احد "الفتحاويين" في نقاش يحتدم حينما تضيق دائرة الحوار بالوصول إلى تناول شرعية هيمنة هذا الفصيل على المؤسسات الفلسطينية.
اللافت في "فتح"، وجود انشقاقات ساكنة في داخلها علنية أو مخفية، وتناقضات جذرية من حيث استراتيجية ومرحلية العمل الوطني للوصول إلى دولة فلسطينية، وقد يلاحظ ذلك من خلال تصريحات متناقضة للقياديين حول أي حدث طارئ أو غير طارئ بخصوص القضية.
محمد دحلان له أتباع ومريدين لايمكن الاستهانة بهم داخل فتح، وكذلك عباس، وكل منهما يمثل تياراً في الحركة رغم أنهما متفقان على عدم جدوى الانتفاضة المسلحة. هذا مجرد مثال واحد علني من ناحية الشرخ في القيادة، أما من ناحية الممارسات على الارض، فقد بدى هناك شرخ آخر في الحركة بعيداً عن سياسة دحلان وعباس، وخاصة في عملية "ايتمار" التي تبنتها كتائب عبد القادر الحسيني وقتلت مستوطنين اثنين، مايعارض النهج الفتحاوي المعلن والممارس عبر المذكورين اعلاه، مايعني وجود تيار ثالث، وربما رابع وخامس وعاشر داخل هذه الحركة، وكل منهم يتصرف وفقاً لما يراه مناسباً، اذاً، لا أحد يعرف اليوم من هي فتح الأم ومن يمثلها، وبات هذا الفصيل عدة فصائل همها الهيمنة على المشهد الفتحاوي وليس الفلسطيني.
فتح من الداخل تشبه الاطار الديني، الذي تتشعب عنه طوائف مختلفة، لكن كل تلك الطوائف لايمكن ان تكفر بالديانة الاساس التي تنحدر منها. التاريخ البعيد والقريب، أثبت أن تلك الطوائف يمكن أن تتقاتل فيما بينها لتفرض على الآخرين أنها من يمثل الشريعة الاساس ويطبق تعاليمها بهالة من القدسية، وان من تبقى هم مجرد حالات كفرت أو حرفت بالديانة الام، وهذا ماحدث فعلاً في فتح منذ البدايات، فعند كل منعطف للقضية كان هناك انشقاق عن الحركة، ففي سنة 1974 انشق مسؤول الحركة في العراق، صبري البنا (ابو نضال) مؤسسا حركة فتح/ المجلس الثوري.
وفي سنة 1976 في لبنان، حاولت مجموعة من فتح القيام بعملية انشقاق وقد كانت انتمائاتهم السابقه تحمل صفه ماركسيه عقائديه ولكن سرعان ماتم السيطره عليهم واعادتهم الى صفوف الحركه بعد تقديم حلول شخصيه لهم.
وفي سنة 1980 انشق عدد من أعضاء الحركة تحت قيادة عبد الكريم حمدي (أبو سائد) مؤسسين حركة فتح/ مسيرة التصحيح.
وفي سنة 1983، وبعد أقل من عام من خروج قوات منظمة التحرير من بيروت، انشق العقيد سعيد مراغة /أبو موسى/ وانضم اليه نائب قائد قوات العاصفة أبو صالح والعقيد أبو خالد العملة، والمقدم زياد الصغير (أبو حازم)، والرائد محمود عيسى، إضافة إلى بعض العسكريين.
وفي الاردن عام 1986 تزعم أحد قادة جيش التحرير اللواء عطا الله عطا الله ابوالزعيم تمرداً، في أعقاب تجميد ذلك البلد لاتفاق عمّان مع المنظمة، ووصفت حركته بأنها حركة تصحيحية، للإصلاح داخل "فتح". واتهم قيادة المنظمة بالديكتاتورية.
وهناك عدة حالات أخرى منها عاطف ابو بكر المنشق عن جماعة أبو نضال المنشقة بالاساس، ولمن لايعلم، فقد حاول أحمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية – القيادة العامة حالياً، الانضمام إلى حركة فتح هو وجبهته الصغيره آنذاك والمسماه جبهة تحرير فلسطين والتي اسست عام 1958، ووافقت فتح على انضمامه 1968 وتم تعيينه عضو باللجنه المركزيه للحركة، الا ان احمد جبريل ومجموعته طردوا، ليعود جبريل إلى جماعته التي أصبحت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، مايشير إلى أن "فتح" لم تجمع بقدر مافرقت سابقاً.
هذا تاريخ فتح، المليئ بالانشقاقات، والشرخ الحاصل بين القيادات في الرؤية والممارسة والتصريحات حالياً، عبارة عن انشقاقات مستمرة عن الماضي ايضاً، لكن الحركة ومن كثرة الأوجاع لم تعد تشعر بما يحدث داخلها اليوم.
اليوم فتح عبارة عن حركة مهترئة، لاتملك توافقاً داخلها حول اي توجه، وباتت مختصرة في بعض الأطر الحركية فقط، وحتى تلك الأطر يمكن أن يغيبها عباس بأي قرار يمكن أن يأخذ القضية الفلسطينية به إلى منحى جديد، مايثبت أن هذا الرجل لايثق حتى بالأطر القيادية للحركة، التي ربما ماتزال باقية معه نتيجة الارتباط المالي.
اذاً، وجود دحلان اليوم، شيء طبيعي، لحركة شهدت كل ذلك، لكن الخطير في ظاهرة دحلان، هو ان هذا الرجل لا يختلف عن أبو مازن ولا عن تناقضات قيادات فتح ذاتها، فهو تارة يطالب بدولة تحت الاحتلال، ويطالب بانتخابات ويطرح نفسه كمرشح كرئيس للسلطة، وتارة يعارض اوسلو، وتارة يطالب بانتفاضة وتارة اخرة يرفض العمل المسلح، وهاجم حماس مراراً، وبعدها طلب مصالحتها وضمها إلى منظمة التحرير، إذا، استطاع هذا الرجل أن يلعب اللعبة بشكل صحيح، من خلال اتخاذ مواقف مغايرة لمواقف عباس، ليطرح نفسه بديلاً عنه، رغم انه مفصول من قبل عباس.
أي أن الشرخ الجوهري، والعلني في الحركة، لايطرح بديلاً يصحح المسار الحالي الذي شوه تارخ "الرصاصة الأولى"، كما يقولون، وللاسف، الصراع العلني الذي تعاني منه فتح بين دحلان وعباس اليوم، هو مجرد صراع على السلطة وصراع على الحركة لا أكثر، وليس صراعاً على انتزاع قرارات تصب في مصلحة الوطن. وهنا العودة للبداية، فالجميع يريد فتح، والجميع يريد ان يحرفها نحو مايريد، فكل من انشق عن الحركة أطلق على نفسه اسم "فتح"، وهي كلمة السر العصبوية التي جمعتهم وتجمعهم، لكن كل منهم يريد فتح التي يريد.
لايوجد خلاف على حركة فتح كإطار، فإن صرخ أحدهم باسم الحركة فقط، ترى مؤيد دحلان ومؤيد عباس، وحتى المنشقين يهتفون بالاسم الجامع لهم، فكل منهم يرى بنفسه حركة فتح الصحيحة، أما فلسطيني فهي غير موجودة ضمن أعراض مرض العصبوية الفصائلية الذي اصاب كل الفصائل الفلسطينية تقريباً.
وسوم: 638