رسالة الى الساسة الكورد
ان الاحداث الاخيرة برهنت بشكل واضح على سوء وقصر الفهم التاريخي والفلسفي للساسة الكورد في تقدير ماهية بناء الحضارات والامم والدول واسباب ديمومتها وفي الوقت نفسه اسباب سقوطها، فحسب ما نشاهده ونعايشه في واقعنا وصلنا الى نتيجة شبه محسومة وهي ان الساسة الكورد لدينا حسب اعتقادهم وظنهم ان القضية الكوردية وصلت الى مرحلة القمة في صراعها الوجودي الانساني وعلى جميع الاصعدة، وكأنهم اقنعوا انفسهم بان تأسيس حكومة اقليم الشبه المستقلة، وذيوع صيت الكورد بالاخص في المحافل الدولية وتنامي القوة العسكرية للكورد والمتمثلة بالبيشمركة باعتبارهم اكثر القوى الفعالة والفعلية على الارض في مجابهة المد الداعشي الارهابي، وانتشار الافكار بين الاوساط الثقافية والعامة ووجود الى حد ما حرية للتعبير، وكذلك بروز كوردستان كمنبع اقتصادي نفطي على المستوى العالمي وكذلك وجود الاحزاب السياسية بتعدد مسالكها ومناهجها وافكارها وبناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الكثير من الدول .. كل هذا اصبح بنظر الساسة الكورد القمة التي يبحثون عنها.. وحسب النظريات التاريخية السابقة والتي ركزت طويلا وكثيراً على معالم الانهيار او سقوط الحضارات بحيث اجمعت اغلبها على ان الوصول الى القمة هو بداية النهاية لهذه الحضارات والامم والدول، فان ساستنا يظهرون وكأنهم استسلموا لهذا المبدأ الواهي، فاصبحت الفوضى تعم الواقع والرؤية السوداوية تنتشر بين الاوساط المثقفة والعامة، وانهار الشارع واستسلم للواقع المفروض عليه من قبل السلطوية غير المتحدة و غير المتجانسة والمتناسقة مع الواقع العام.
وهنا يستحضرني بعض رواد فكرة سقوط الحضارات او الدول والامم الذين استطاعوا وقتها وضع قوانين واسباب ومسببات اذا ما ظهرت في حضارة ما فانها بنظرهم آيلة الى الانهيار والسقوط امثال ابن خلدون وتوينبي ولاحقاً كولن ويلسون وسارتر وغيرهم مما كتبوا بهذا الشأن.. ولااعتقد بتاتاً ان ساستنا قد قرأوا ل هولاء بعمق لاننا اصلا لم نصل بعد الى مرحلة الميلاد والنشأة التي يمكننا من خلالها ان نسير وفق المعطيات التاريخية الى باقي المراحل التي يمكن ان نسقط كوجود وكحضارة وقيم ودولة.. فنحن مازلنا في مرحلة ما قبل النشأة من حيث المسارات التاريخية والايديولوجية وحتى الفلسفية التكوينية والبقائية، واذا ما كان الساسة ينظرون الى وضعنا الحالي على انه وضع متقدم ومزدهر فانهم بلاشك قد حكموا على انفسهم بالزوال المبكر جداً، لان عليهم اولا ان يبحثوا عن وجود فعلي ومستقل ككيان لنا ومن ثم يفكرون بما يليه من المسببات التاريخية التي تضع الامم في حال من الصراع من اجل البقاء والاستمرارية، ولااعلم كيف ان ساستنا تخطوا هذه المراحل المهمة في وجود اي كيان مستقل كي يصلوا الى مرحلة الجمود والعجز عن التطور والابداع والتجديد فبات وجودهم اشبه بحجر سيزيف لايتحرك من مكانه حتى يعود الى حيث بدأ، وكأن الانحلال والتدهور في جميع الجوانب سواء أكانت اخلاقية ام اجتماعية ام سياسية او حتى اقتصادية اصبحت حتمية لامفر منها.. فاصبحنا على حافة الانهيار الداخلي قبل كل شيء وحسب التاريخيات ان احد اهم الاسباب والمسببات التي تدهور الدول هي العلة الداخلية الاسنة والفاسدة، فالحضارات كما قال توينبي لاتموت قتلاً وانما تموت انتحاراً فاصبح وضعنا وكأنه اشبه بانتحار سياسي متبع باقتصادي ومن ثم باجتماعي ولو لا الامل الوحيد في البقاء والمتمثل بالبيشمركة الذين مازلوا يوحدون الصفوف ويدافعون بشرف وكرامة عن وجودنا لكنا الان مجرد قصة تلقى على مسامع الاخرين كما ظل حالنا منذ بداية وجودنا والى وقتنا هذا.
فيا ايها الساسة ان حالة الانهيار والتداعي والانحلال لاتأتي بمجرد الحصول على بعض المكتسبات التي ان جمعناها كلها لن تتعدى مرحلة ما قبل النشأة فانتبهوا الى خطواتكم الاتية كي تستطيعوا من بلوغ مرحلة النشأة ومن ثم فكروا في كيفية الادامة وليس مجرد التظاهر بالوصول الى القمة فمسببات الانهيار لديكم قد بدأت قبل اوانها ولعل الفساد السياسي والاداري والفساد الاقتصادي وذيوع حالة من المظلومية وبروز الظلم وكذلك انتشار مرض التمزق وضياع القيم الوحدوية ومن ثم التأثير المباشر او لنقل تفريغ هذه المحصلة الفسادية على الاجتماع الذي بدوره يعدي من المرض السائد كل هذا سيشكل محنة حقيقية تبيد وتمحي المكتسبات وتخلق فتوراً اجمالياً دولياً ومحلياً فنغدوا بعدها مجرد العوبة ودمى تحركها الاطراف المتنازعة في البداية على وجودنا.
ومن خلال هذه الرؤية ندعوكم الى اتباع سياسة اكثر حكمة واكثر تجلي كي نتعدى مرحلة ما قبل النشأة الى مرحلة الميلاد والنشأة ونتهيأ لوضع استراتيجية تخدم وجودنا ككورد في كوردستان، وتنمي حراكنا على جميع الاصعدة، لاننا والحق يقال في مرحلة ما قبل النشأة كنا ولربما مازلنا نشكل معالماً حضارياً ديمقراطياً واعياً على الرغم من الصراعات الحزبية الداخلية التي تعيق احيانا مسيرتنا ولكننا مع ذلك والاهم من كل شيء تعدينا مرحلة الحرب الاهلية ورفع السلاح بوجه الاخر، ومازلنا نأمل بالحوار حل مشاكلنا الداخلية.
وسوم: 638