سرقة المذاهب والمعتقدات!!

زعــم اليهود أنَّ "يعقوب" سرق النبوة من أخيه "عيصو"!

وزعموا –أيضاً- أنَّ "موسى" سرق النبوة من "يوشع"!

        ونحن لا ندري كيف تُسرَق النبوة؟!

        هناك سرقة المكتبات والسيارات، والسطو على البنوك والمنازل .. لكن كيف تُسرَق النبوَّات، وؤسالات السماء؟

        إنَّ (اليهود) هم أول من سنَّوا هذا النوع من السرقات وقنَّنوها، وفتحوا شهية المارقين الضالين، والمتلاعبين بالعقول!

         هؤلاء القوم لا يستقيمون على حال، ولا يثبتون على ميثاق، فقد جاء في سٍفْر النبيُّ "إرميا" بين النذير والوعيد: "إنَّ آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهةٍ أُخرى وعبدوها وسجدوا لها وإيايَ تركوا، وشريعتي لمْ يحفظوها".

إنهم جديرون بالذلّة والغضب المستطير، فقد جاء في سِفْر الملوك (1/19-10) "قد غِرتُ غيْرة للربّ إله الجنود، لأنَّ بني إسرائيل قد تركوا عهدكَ ونقضوا مذبحك وقتلوا أنبياءك بالسيف".

وفي سِفْر حزقيال: "وقال لي: أنا مُرسِلكَ إلى بني إسرائيل، إلى أُمةٍ متمردةٍ قد تمردتْ عليَّ، هم وآباؤهم عصوني إلى هذا اليوم".

ووصفهم سِفْر إشعيا(1/1- 6) بأسوأ الصفات وأحطِّها: "الثور يعرف قانيه، والحمار يعرف صاحبه، أمَّا شعب إسرائيل فلا يعرف ولا يفهم، ويلٌ للأُمّة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، تركوا الربَّ واستهانوا بقدوس إسرائيل، وارتدُّوا إلى وراء"!

          لقد انحرف اليهود عن الجادة، وحرَّفوا شرائعهم، حتى إنَّ "الكتاب المقدس" يشهد صراحةً على تحريفه: ففي سِفْر الخمسينات من مخطوطات البحر الميت ورد على لسان الربّ مخاطباً موسى عن بني إسرائيل قائلاً: "سينْسونَ شريعتي كلها ووصاياي كلها وأحكامي كلها".

وفي (المزمور 56) قال الربُّ "ماذا يصنعه بيَ البشر؟! اليوم كله يحرِّفون كلامي"!

  وورد على لسان "إشعياء" مُقرّعاً بني إسرائيل، قائلاً لهم:"يا لتحريفكم"!

         وفي سِفْر إرميا: "أمَّا وحي الربّ فلا تذكروه بعد؛ لأنَّ كلمة كل إنسان تكون وحيه، إذْ قد حرفتم كلام الإله الحي ربّ الجنود إلهنا".

  وفيه -أيضاً- قال الربُّ: "كيف تقولون نحن حكماء، وشريعة الربّ معنا؟! إنَّ قلم الكتبة المخادع حوَّلها إلى الكذب".

        أجل! إنَّ هذا الشعب لمْ تصلح فيه الدعوات، فباءوا بغضبٍ من الله، وتوعَّدهم بالشَّتات!

        لكن؛ بعد آلاف السنين من التيه والضياع والتشرد، جاءت عصابات الصهاينة من شرق أوربا، زاعمين أنهم يهود، جاءوا إلى "أرض الميعاد" وأقاموا كياناً عنصرياً أسموه (إسرائيل)!

فـ(اليهودية) سُرِقتْ، واستبدِلتْ بدعوة (صهيون)!

        لدرجة أن اليهود الأصليين في البلدان العربية، وفي أوربا أيضاً؛ لا يعترفون بالعصابات الإجرامية التي استوطنت "أورشليم"، ويصفونهم بالملاحدة! على أساس أن "دولة الربّ" لا تقوم بالقتل وسفك الدماء!

*   *   *

        كذلك؛ (المسيحية) سُرِقتْ رسالتها الحقيقية، وتغيرتْ معالمها الأساسية، واستبدلها شياطين الإنس بحزمةٍ من الصور والأقانيم والصلبان واللوغاريتمات؛ التي تفقِد الإنسان وعيه!

ولازال عقلاء المسيحية وفلاسفتها، في حيرة مما أصاب هذه الرسالة الجليلة!

        فالفيلسوفان (توليستوي، ورينان) والأساقفة (سابليوس، وبولس الشمشاطي، ومقدونيوس) تبرأوا مما عليه النصارى، وأنكروا ألوهية المسيح، وآمنوا بأنه بشر نبيٌّ كسائر الأنبياء.

 فالسيد المسيح –صلوات الله عليه- جاء مُماثلاً تماماً لمن سبقه من الأنبياء، داعياً إلى وحدانية الخالق، فقال (أُولى الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الربُّ إلهنا ربٌّ واحد، وأنْ تحبّوا الربَّ إلهكم بكل قلوبكم، وبكل أرواحكم، وبكل فكركم، وبكل قواكم، هذه هي الوصية الأولى. فردَّ عليه الكاتب: أيها السيّد لقد تكلّمتَ بالحق، فالربُّ واحد وليس هناك من إلهٍ غيره) (مرقس 12: 29-32).

ولا نجد أصلاً لادعاء الألوهية عنده، إنما وصف نفسه بالرسول، ففي (الإصحاح17) من إنجيل يوحنا نجده يقول (في هذه الحياة الأبدية لابدَّ أنْ يعرفوكَ بوصفِكَ الإله الواحد الحق وأنَّ يسوع المسيح هو الرسول الذي أرسلته).

     لكن –من أسف- سُرِقتْ (المسيحية) على يد بولس، والقياصرة من بعده، وتحولت (الديانة) إلى حزمة من الأوهام والهرطقات!

حتى إنَّ دائرة المعارف الكاثوليكيةCatholic Encyclopedia تقول في المجلد 14 ط1967: "إنَّ (خرافة التثليث The rule of thirds) التي صاغها المسيحيون بعد أكثر من 400 سنة من مولد المسيح، خلقتْ لدينا أزمة بعيدة الأثر، وإنَّ المدافعين عن التثليث، يقدِّمون صورة مهزوزة .. فلمْ تستقر نظرية التثليث في العقيدة قبل نهاية القرن الرابع الميلادي، ولمْ يعرف الآباء الرسل قبل ذلك شيئاً يشبه من قريب أو بعيد هذه النظرية".  

          كما أنَّ علماء المسيحية وفلاسفتها، بلا استثناء؛ يعترفون بأن كثيراً من الإخفاء والتحريف والتغيير قد وقع في كتبهم لأسباب سياسية، وتاريخية، ومذهبية، وغيرها.

فها هو المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (1962-1965) البند (15) من الفصل الرابع، يصف (الأسفار المقدسة لدى اليهود والنصارى) بالنقصان وباحتوائها على أمور باطلة، وذلك في قوله: "إن هذه الكتب رغم ما تحتويه من الناقص ومن الباطل؛ إلاَّ أنها تحمل شهادات تربية إلهية".

من هنا؛ راح الملايين ضحايا الاعتقاد الفاسد، والتدين المغشوش، وتطور الهرطقات، التي نسج حبائلها الآثمون المارقون!

        وقد سبق أن ناقشنا هذه القضية بشكل موسَّع في كتابنا (مُحمَّد مشتهَى الأمم).

*   *   *

         ثمَّ جاء (الإسلام) فأضاء الدنيا بعد ظلام، وطهرها من الأرجاس، وتركها على المحجَّة البيضاء .. لكن بمجرد ختم النبوة، وانقضاء حقبة الخلافة الراشدة؛ انطلقتْ الشياطين من محبسها، وتكالب طلاَّب الدنيا وعبيدها .. فظهرت الفِرق، والأحزاب، والجماعات، ففرقوا دينهم وصاروا شِيعا، باحثين عن حصتهم في الغنيمة، ضاربين عرض الحائط بمفهوم (الأمة الواحدة) ورسالتها، بلْ كل فرقة أفرختْ سبعين فرقة! حتى صارتْ الأمة الواحدة كالثوب الممزق! وشاعتْ عمليات التلفيق والتزوير، والسرقة، والسطو، على آراء وشروح وفقه الأئمة الكبار، والعلماء الأفذاذ، فعلى سبيل المثال، لا الحصر:

  (المذهب الشيعي) الذي أسَّسه أشرف علماء الأمَّة، أمثال: الإمام/ جعفر الصادق، والإمام/ زيد بن عليّ (عليهما السلام) تمَّ اختطافه على يد الفِرق الباطنية، فحوَّلوه إلى خنجر في خاصرة الأمة، وحربة في وجه الإسلام وأمته!

        (مذهب أهل السنَّة) الداعي إلى الشورى، والعدل، والوسطية .. سرعان ما اختطفته الأنظمة الجائرة، وجعلته عوناً للاستبداد السياسي، وسنداً للديكتاتورية والقهر والإستعباد! 

(الصوفية) الداعية إلى التجرد ومجاهدة النفس؛ سُرِقتْ، وتحولتْ إلى أطعمة وأضرحة وموالد وحفلات، مع أنَّ أئمتها وشيوخها ما دعوا إلاَّ للزهد، والتطهر، والجهاد، ورياضة النفس!

(السلفية) التي تعني التأسِّي بخير القرون؛ سُرِقتْ، وصارت غرضاً ومغنماً، وباباً للكسب السريع، ووسيلة للنصب والاحتيال، وسلَّماً للوصول إلى قلوب الحكَّام وقصورهم!

        بلْ أصبحتْ كلمة (السلفية) ممجوجة، وسيئة السمعة؛ لكثرة اللغــط حولها، والعبث بـدلالاتها ومـراميها، ولكثرة ما لاكتها ألسنة الأدعياء؛ الذين حوَّلوا الخطب والمواعظ إلى هتاف وصياح وصرخاتٍ تشنجية، ومارسوا أسلوب الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم. وقد أفرزتْ حناجرهم المبحوحة؛ خُطباً جافة وعقيمة، مملوءة بالفحـش والسـخافة والعبث والسطحية!

          إنَّ هؤلاء، وهؤلاء لفي ضلالٍ مبين!

         إننا ندعوهم أنْ يراجعوا معتقداتهم، ومواريثهم الفكرية .. فلا يكفي للإيمان الحقيقي وراثة العقيدة وتقليد الآباء والأسلاف والعمات والجدات، فلم يكن الدِّين في يوم من الأيام إقراراً لوضع قائم ولا انسياقاً لطقس متبع، وإنما الدِّين دعوة إلى الحق، وثورة على الباطل، ولوْ كانت العقيدة إرثاً وانطباعاً لما انتقل الناس من باطل إلى حق، ومن عبادة الأصنام والأغنام إلى عبادة الخالق، ولبقيَ العالَمُ إلى اليوم كما كان منذ آلاف السنين يسبح في الأباطيل والترهات.

        أوْ كما يقول الفيلسوف برتراند رَسْل Brtrand Rsl (إنَّ القضية الدينية يجب ألاَّ تُقبل إلاَّ إذا كان لها سند كالسند المطلوب في القضية العلمية).

 ولكن معظم الناس يرثون الدِّين دون وعي ولا إدراك وهم لا يعرفون مِن الدِّين سوى اسمه وما سُطِّر في شهادة ميلاد كل منهم أنه يهودي أوْ بوذي أوْ مسيحي أوْ مسلم أوْ غير ذلك .. ومع ذلك؛ فإنه يتعصب لِما سُطِّر في شهادة ميلاده تعصّب المستميت، ويطعن فيما يغاير عقيدته أوْ مذهبه دون بحث أوْ رويّة، وبلا هوادة أوْ تعقّل، ودون دراية بالعقيدة التي سمَّوه بها، ودون علم بالدِّين المغاير، ولكن هذا كله ليس ديناً ولا إيماناً، بلْ ليس عقلاً ولا إدراكاً.

    الحق أقـــــول: إنَّ هذه القضية كانت إحدى الأسباب وراء تأليف كتابي (أزمة العقل السلفي) انتصاراً للحقائق، ودرءاً للأباطيل، ودفاعاً عن ميراث الأنبياء؛ الذي حاول "المتلاعبون بالعقول" طمسه وتشويهه وتزويره .. وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون!

j

وسوم: 639