لجوء الحكومة إلى أسلوب اتهام وتخوين الفاعلين في بعض القطاعات

لجوء الحكومة إلى أسلوب اتهام وتخوين الفاعلين في بعض القطاعات عبارة عن محاولة مكشوفة للتغطية على فشلها في التدبير

بعد تشكيك وزير الصحة  في وطنية الطلبة الأطباء الرافضين لما أراد تمريره من قرارات مجحفة  في حقهم واتهامهم بالتقصير في الواجب الوطني ومحاولة استعداء الرأي العام عليهم عن طريق الدعاية الإعلامية المجانية والبخسة والفجة، خرج رئيس الحكومة بتصريح يستهدف فيه الأطر التربوية أساتذة ومفتشين وغيرهم ويتهمهم بالتقصير في القيام بالواجب . ويبدو أن تراشق التهم الذي اعتادته الحكومة تحت قبة البرلمان مع الأحزاب المعارضة لها قد انتقلت عدواه خارج البرلمان . ومعلوم أن تبادل التهم بين الحكومة ومعارضيها يعزى إلى الصراعات الحزبية التي صاحبت الحملات الانتخابية قبل الأوان . وتبادل التهم عبارة عن سلاح استخدمته الحكومة والمعارضة على حد سواء من أجل تأليب الرأي العام على من تستهدفهم . ومعلوم أن اعتماد أسلوب الاتهام هو وسيلة دفاع يلجأ إليها من يكون محل اتهام وإدانة ، ويدخل ضمن الشعار المعروف  : " أفضل وسيلة للدفاع الهجوم " والمهاجم يكون بالضرورة مدافعا . ومعلوم أن بعض القطاعات في بلادنا تعرف اختلالات كبرى وعلى رأس هذه القطاعات قطاع الصحة وقطاع التربية و التعليم، وهما قطاعان حيويان . أما قطاع الصحة  فمعروف منذ عقود بتخلفه خصوصا في البوادي والأرياف حيث يفتقر إلى بنيات تحتية وموارد بشرية ،ومعدات طبية ، وأما قطاع التربية فقد شهد المجلس الأعلى للتربية والتعليم  بأنه مفلس بناء على "الاستشارة"  بين مزدوجتين التي أطلقها ، وكانت في الحقيق تكرار لما  تداوله الرأي العام ولا زال. وأمام تفاقم الأوضاع في القطاعين الصحي والتعليمي انكشف عجز الحكومة في إصلاحهما فلجأت إلى البحث عن تبريرات فشلها وعن كباش فداء ، فوجد وزير الصحة ضالته في الطلبة الأطباء وهم أقصر جدار يمكنه تسوره بسهولة ويسر ، كما وجد رئيس الحكومة ضالته في أطر التربية ليحملها تبعة عجزه .وحديث وزير الصحة ورئيس الحكومة عن تقصير الطلبة الأطباء والأطر التربوية هو حديث في الحقيقة عن تقصيرهما والالتفاف عليه ، ذلك أن الطلبة الأطباء كشفوا بإضرابهم رفضا لما سماه وزير الصحة بالخدمة الإجبارية عن حلوله الترقيعية لحل معضلة الصحة في القطاع القروي . وهذه المعضلة تكمن في نقص مهول في البنيات التحتية من جهة ، ومن جهة أخرى في انعدام المعدات الطبية، الشيء الذي يجعل ساكنة القطاع القروي المعرضة للأمراض بسبب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية تحت رحمة طب مستشفيات المدن  المفلسة بدورها ،والتي تضطرهم للجوء  إلى العيادات الخاصة التي تبتزهم في غياب رقابة تحميهم من الابتزاز . هذه الحقيقة يريد وزير الصحة الالتفاف عليها من خلال إيهام الرأي العام الوطني بأن حل معضلة الصحة يكمن في إجبار الطلبة الأطباء على سنتين من الخدمة بالقطاع القروي ليقال إن وزارته قد وفرت الموارد البشرية الطبية في القطاع القروي ، وكأن وجود أطباء بوزراتهم البيضاء فقط  كاف لتطبيب مرضى هذا القطاع  في غياب المعدات الطبية التي تغنيهم عن اللجوء إلى الحواضر وتخلصهم من ابتزاز المصحات والعيادات الخاصة التي تثقل كواهلهم وترهق جيوبهم . وعن طريق الخدمة الإجبارية يريد وزير الصحة الالتفاف أيضا على مشكل توظيف الأطباء لأن تخرج أفواج متتالية من الطلبة الأطباء يوفر له تغطية القطاع الصحي القروي ويحل فوج محل آخر في إطار الخدمة الإجبارية دون ضمان حق القطاع القروي في أطباء قارين ، ودون توفير مناصب شغل حقيقية . ولقد مر وزير الصحة في حملته الدعاية  المغرضة ضد الطلبة الأطباء ، والتي لم تعد تجديه نفعا من الاستخفاف بهؤلاء الطلبة إلى تخوينهم واتهامهم ، وانتهى به المطاف إلى الاستعانة بوزارة الداخلية للتعنيف بهم ، وكل ذلك يعكس فشل تدبيره وتعامله مع ملفهم المطلبي المشروع الذي يخدم صحة المواطنين في القطاع القروي قبل أن يكون لصالحهم  . ولقد استخف وزير الصحة بعقول بعض العوام وأشباه المثقفين الذين يرون أن تخلف القطاع الصحي في القطاع القروي سببه هو امتناع الطلبة الأطباء عن أداء الخدمة الإجبارية وتصوير هؤلاء الطلبة كطبقة أرستقراطية متعالية على الطبقات الشعبية، علما بأن معظمهم منحدر من فئات اجتماعية هشة وفقيرة دفعهم الفقر والفاقة إلى امتهان الطب لتحسين وضعيتهم أو بالأحرى للخروج من وضعية الهشاشة والفقر . وتعكس التعليقات على هؤلاء الطلبة والتي تتداولها بعض مواقع التواصل الاجتماعي غياب وبؤس الوعي بحقيقة أزمة القطاع الصحي في بلادنا . أما رئيس الحكومة وأمام تصريح رئيس المجلس الأعلى للتعليم المحذر بانهيار المنظومة التربوية واعتراف وزير التربية بفشلها فقد وجد تبرير ذلك في تصريحات تتضمن اتهامات مجانية لأطر قطاع التربية على اختلاف فئاتهم بتهاونهم في القيام بواجبهم والاقتصار على المطالبة بحقوقهم . ومعلوم أن معضلة قطاع التربية أعقد مما يريد رئيس الحكومة تسويقه إعلاميا ذلك أن القطاع متخلف على مستوى البنيات التحتية ، وعلى مستوى السياسة التربوية التي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مخرجاتها دون طموحات الأمة  المنشودة . واتهام رئيس الحكومة للأطر التربوية من خلال التشكيك في وطنيتها وعملها لا يمكن أن يحل معضلة قطاع التربية الذي عرف عدة محطات إصلاح منها  العشري الفاشل، ومنها  الرباعي المستعجل ، ومنها الخمس ـ عشري المرتقب الذي يسوق حاليا إعلاميا وهو في الحقيقة رهان على تراخي الزمن لصرف الأنظار عن حقيقة معضلة القطاع وتضليل الرأي العام وذر الرماد في العيون . وتميز أسلوب رئيس الحكومة وهو يتهم الأطر التربوية بالتقصير والإخلال بالواجب بالتهافت كما عكس الجهل بواقع مهن التربية، ذلك أنه حين زعم  على سبيل المثال أن جهاز التفتيش يطالب ببرامج عمله  السنوي ولا يقدمها قد فضح جهله بعمل هذا الجهاز الذي  تخضع برامج عمله لمراقبة الوزارة الوصية التي تطالبه بمجملات تقارير عما أنجزه في دورتين دراسيتين . ويبدو أن مصدر رئيس الحكومة في اتهامه لجهاز التفتيش هو وزير التعليم السابق الذي سرح سراحا جميلا بعد خطاب ملكي تضمن إشارات واضحة إلى سوء تدبيره وفشله . ومعلوم أن وزير التربية السابق  يجيد صنع القبة من الحبة إعلاميا على غرار ما فعل خلال جولة له في أحد الفصول الدراسية منصبا نفسه مفتشا تربويا  ومقوما لعمل أستاذة مع أنه لا يميز في مهنة التربية بين كوع وبوع . وكان أسلوبه في تدبير قطاع التربية يعتمد  التشكيك في أطر القطاع وتخوينهم وتهديدهم بالوعيد . ولقد ناب رئيس الحكومة عليه في ممارسة هذا الأسلوب الفج الذي لا يمكن أن يصرف الأنظار عن فشل حكومته في تدبير القطاعات المنهارة كقطاع الصحة والتربية والتعليم. فعلى رئيس الحكومة أن يراجع ما صدر عنه في حق  أطر قطاع التربية المرابطين والذين لم ينهجوا نهجه في ترك الرباط المقدس  واللجوء إلى الاستثمار في التعليم الخصوصي  وعليه ينطبق المثل القائل : " أكل الثمر ورماني بالنوى " ذلك أنه نشأ بين أحضان قطاع التربية وعقه بعد أن قضى منه وطرا وصار يمس بكرامة شرفائه زورا وبهتانا لتلميع صورته إعلاميا مع أن التلميع إنما يكون بالمنجزات لا بالتصريحات المجانية من تخوين واتهام وإدانة للغير .

وسوم: 639