لماذا البيشمركة مستعد لمحاربة داعش(الارهاب) في الرقة
حين يصرح رئيس اقليم كوردستان بأن البيشمركة مستعد لمحاربة الارهاب الداعشي في الموصل والرقة، فان لذلك ابعاد اوسع مما يمكن ان نتصوره آنياً.. وذلك لانه بلاشك ستخرج اصوات مناهضة للتصريح، بل ستتعدى ذلك الى اتهامات داخلية من اطراف معارضة واخرى مترقبة، فمن حيث المبدأ سيكون هناك تعارض مع الواقع الحالي باعتبار ان اراضي الاقليم كلها لم تتحرر من الارهاب الداعشي، وهناك الكثير من المناطق لم تزل معرضة للتهديد ايضاً، فضلا عن الصراعات السياسية الداخلية وحالة النفور الحاصلة بين بعض الاطراف الحزبية السياسية داخل الاقليم، ناهيك عن الاصوات الشاذة التي ستخرج من الاوساط البعثية او الشيعية المالكية والفتناوية( الفتلاوي) وغيرها التي ستقول بأن اراضي العراق اولى بأعتبار ان الاقليم جزء من المنظومة العراقية والمتمثلة بالدولة، كل هذه الاصوات وكل هذه الاراء ستعارض التصريح بلاشك، لكنها في الوقت نفسه وحسب وجهة نظري ستصدر من قوقعة رؤية نابعة من المصالح المتعارضة مع جهة التصريح لااكثر ، لكونها ستهتم فقط بالقشرة التي يمكن تفسيرها حسب اجندات مختلفة لاحصر لها، وهذه الاجندات فعالة ومفتعلة داخلياً وخارجياً، وهي تعمل على توسيع نفوذ الغير اكثر مما تعمل على تعميق الصلات الداخلية وبذلك فانها حتى وان اثرت نسبياً على فئات ستكون بنظر المجتمع الدولي غوغائية لاعقلانية لامجال للاستماع اليها، حتى ان ثار اعلامها وانتشر صدى صراخها.
ان مثل هذا التصريح بلاشك له ابعاد سياسية كبيرة، قد لاتؤتي ثمارها في الغد القريب الآني، لكنها في الحقيقة ستكون درعاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وامنياً اخراً يضاف الى مكتسبات الحكومة في كوردستان، لكونها ستخرج مرة اخرى البيشمركة من الاطار الداخلي الى اطار اقليمي اوسع كما حدث الامر في حرب كوباني، وعلى الرغم من الاختلافات الحاصلة بين الاوساط السياسية الكوردية الا انها في توحيد الجهود للحرب ضد داعش لاتقصر ابداً بل تتخذ كل الاجراءات اللازمة لتحقيق المصلحة الموحدة، وهذا ما حدث في كوباني حيث شارك البيشمركة في الحرب ضد داعش وهذا ما يحصل الان حيث افراد الجبهة الكوردية في غرب كوردستان( روج ئافا) تحضر بشكل فعال في اغلب العمليات التي يقوم بها البيشمركة ضد داعش، كما انهم ابدوا استعدادهم للتدخل والمساندة اذا ما عاد الحشد الشعبي الشيعي لتجاوز حدوده مع البيشمركة.. ان هذا التعاون له ابعاد سياسية وقومية كبيرة اثرت بشكل كبير في نفوس الشعب الكوردي، لذا نرى بأن ابعاد التصريح الذي ادلى به رئيس اقليم كوردستان له ابعاد لاتقل اهمية من اية تصريحات اخرى سبقتها بشأن الحرب ضد داعش وكل مؤيديه.
فمثل هذا التصريح ينقل القضية باكلمها من مرحلة ناضجة الان الى مرحلة اكثر نضوجاً لكونها تعلن رسمياً بأن البيشمركة قوة مستقلة وتابعة لاقليم كوردستان، وهي مستعدة للتحالف مع القوى الدولية من اجل مقاومة المد الارهابي من جهة، ومن اجل تحقيق الاستقرار في المنطقة من جهة اخرى، والعالم باكمله الان يعيش حالة من الفوضى التي بثتها التفجيرات في فرنسا والتهديدات في بلجيكا والتصعيدات السياسية والعسكرية في المنطقة لاسيما بعد تدهور العلاقات التركية الروسية بسبب اسقاط الاولى طائرة عسكرية للاخيرة، مما يعني بالتالي الحاجة الى قوات فعالة وفعلية ضمن التحالف الدولي استطاعة ان تحقق انتصارات حقيقية على ارض الواقع وبدعم من التحالف نفسه، وهذا لم يتحقق بعيداً عن التشفيرات والتزميرات الاعلامية الا من خلال قوات البيشمركة، وعلى هذا الاساس حين يشارك البيشمركة في تحرير الموصل ذات الشأن العراقي، والرقة ذات الشأن السوري فانه يخرج من منظومة "دائرة " الصراع الكوردي مع الارهاب والمعتدي، الى من منظومة دولية تقودها دولة مثل امريكا، ولااظن بأن هذا الامر يمكن الاستهانة به، فالخروج من جغرافية الدولة او الاقليم الى جغرافية العالمية امر لابد منه لتحقيق مكاسب اكثر للقضية نفسها، وهذا بلاشك ما يحدث وما يمكن تفسيره من خلال تصريح رئيس اقليم كوردستان، باعتبار ان هذا الاتجاه الدولي سيحقق مكاسب اخرى تضاف الى المكاسب الحالية بالاخص فيما يخص البيشمركة، لذا الانفتاح على الخارج امر لابد منه، كي نضع لانفسنا خيارات اخرى قد تساهم ولو بشكل تداولي مكاسب اخرى لنا، فهذا الانفتاح التداولي كما يقول علي حرب " يعني اولا الافادة مما لدى الاخر من الخبرات والمعلومات، كما يعني ثانياً وخاصة ان المجتمعات ليست دوائر مقفلة على ذاتها، خاصة اليوم حيث المصائر والمصالح باتت متشابكة، ففي هذا العصر حيث لاانفصال بين الداخل والخارج، وحيث لكل حدث بعده العالمي، اصبح العمل على مستوى وطني مجرد مستوى من مستويات العمل على المستوى العالمي.." ، وهذا بالضبط ما يمكن تفسيره من تصريح رئيس اقليم كوردستان، الانخراط في العمل الدولي، الذي بدوره يعطي انبعاثاً وتجديداً للقضية الاساس ، وبعيداً مفاهيم العقيمة التي بات بعض احصاب الافكار الوطنية القومية المتعصبة تنادي بها، لكونها تنتمي الى مرحلة تاريخية يجري تجاوزها الان بأعتبار ان اعمال التنمية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والامنية والسياسية وحتى الثقافية، في أي بلد من البلدان، تعني المجتمع الدولي، بقدر ما تجري في أطر وهيئات اقليمية، بذلك تتعولم القضايا المحلية والمشكلات الوطنية، كما يقول علي حرب، وهذا ما نلامسه جدياً في الواقع الامني الدولي الان، حيث فرنسا وامريكا وبريطانيا بلجيكا وحتى روسيا والكثير من الدول والمنظومات العالمية تعمل على ايجاد حل للمشاكل الامنية التي باتت تهدد الكل، وباعتقادي ان تصريح رئيس اقليم كوردستان بمشاركة البيشمركة في تحرير الموصل والرقة له ابعاد تخرج من الاطر الاقليمية الى اطار دولي يعطي للبيشمركة وللقضية الكوردية مكاسب كبيرة.
وسوم: العدد 643