السياسة الاسرائيلية

مركز القدس

بحث عن التكتيك الناجح في ظل فشل الإستراتيجيا يحتم على القيادات الفلسطينية  

أجرى مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني الذي يرأسه علاء الريماوي،  قراءة للحراك السياسي الإسرائيلي في الكيان، جراء انتفاضة القدس، راصدا أهم الأحداث وانعكاساتها على الحكومة والائتلاف ومواقف المعارضة، ثم تقديم رؤية تلخيصية عامة للأحداث.  

وقال الباحث في مركز القدس عماد أبو عواد في قراءة شاملة لواقع الكيان "واجهت الحكومة الاسرائيلية العديد من الملفات التي اظهرت التخبط الاسرائيلي من جانب وكذلك عمق الخلافات الاسرائيلية الداخلية سواء على مستوى الائتلاف او المعارضة الاسرائيلية. وقد ظهرت اسرائيل حكومة ومعارضة كمن تعمل ضمن تكتيك قصير المدى في ظل فقدان رؤية استراتيجية واضحة للمستقبل وهذا يظهر في العديد من القضايا التي تحتاج بالفعل الى قيادة صاحبة قرار او لديها قدرة على اتخاذ قرارات مصيرية وهذا ما تفتقده اسرائيل في الفترة الحالية فقد ولى زمن الصقور في الدولة العبرية.

من أبرز الملفات التي كانت ولا زالت تفتقد الحكومة الاسرائيلية القدرة على علاجها او التعامل معها ولم تقدم لها المعارضة كذلك حلولا ناجعة، هي ملف الانتفاضة الفلسطينية او وفق ما تسميه اسرائيل " موجة الارهاب " ، حيث لا زالت هذه الموجة وفق التسمية الاسرائيلية تدفع كافة الأطر والأحزاب والشخصيات لتقديم الحلول المختلفة .

إذ لا زالت تصر احزاب اليمين وعلى رأسها حزب البيت اليهودي برئاسة بنت على ضرورة الاستمرار بالمخططات الاستيطانية خاصة في منطقتي القدس والخليل وكذلك ضرورة الاستمرار في مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى، في حين بدا حزب الليكود والذي يترأسه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أكثر تخبطا في آرائه.

 فهو يسعى بكل ما أوتي من قوة إيقاف الانتفاضة وقد استخدم كافة الوسائل سواء على مستوى العقاب الجماعي او حظر الحركة الاسلامية او ابعد من ذلك من خلال استمرار المحاولات الدبلوماسية والتي على رأسها التوجه الى امريكا ونقاش الملف الفلسطيني او الاجتماع بوزير الخارجية الامريكي كيري في اسرائيل ومحاولة تقديم حسن نوايا باتجاه السلطة شرط سعيها الجاد في ايقاف الانتفاضة.

 أما احزاب شاس بزعامة درعي وكلنا بزعامة كحلون وهما اعضاء في الائتلاف الحكومي، فيبدو ان اهتماماتهما بالملفات الامنية تكاد تكون شبه معدومة وتركا الامر بأكمله لليكود وحزب البيت اليهودي ، وبقي تركيزهما حول الملفات الاجتماعية والاقتصادية.  

من جانبه اعتبر هرتسوغ زعيم المعارضة اثناء لقاءاته المتكررة مع العديد من الاطراف المحلية والدولية وعلى راسهم وزير الخارجية الامريكي ان الحل يكمن في ادخال الدول العربية وعلى راسها السعودية ومصر والاردن في أي تسوية سياسية من اجل الوصول لحل سياسي والانفصال عن الفلسطينيين ضمن حل يحفظ حدود دولة اسرائيل ويبعدها عن غول الدولة ثنائية القومية، ولم يتوانى كذلك هرتسوغ عن اتهام نتنياهو بفشل ادارة ملف الانتفاضة الحالية مظهرا انه لو كان بمكانه لاستطاع ايقاف الانتفاضة الفلسطينية.

 من جانبه أظهر حزب يوجد مستقبل بزعامة لبيد وهو الحزب المعارض الثاني من حيث القوة ان بنيامين نتنياهو لم يحسن إدارة الملف وانه يتهرب من قول الحقيقة للمجتمع الاسرائيلي وقد عبر عن ذلك لبيد بقوله، القيادة ليست بإسماع الشعب ما يريد سماعه، بل بقول الحقيقة للشعب".

 أما افيجدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا اليميني المعارض فقد كان الاكثر هجوما معتبرا ان نتنياهو يدير الملف المواجهة بشكل كارثي معتبرا ان الحل يكمن في مواجهة بؤر ومصادر الارهاب مطالبا بالعودة الى سياسة  الاغتيالات المركزة في ظل اتهامه ان مصدر الارهاب في غزة وفق تعبيره قد عاد الى سياسة حفر الانفاق وتطوير صواريخ بعيدة المدى .

 وكذلك اظهر ملف حظر الحركة الاسلامية مدى تخبط الحكومة في دولة تدعي الديمقراطية وتحظر حركة مرخصة دون أي ادانات تذكر، وتحرم جزء من مواطنيها حق التعبير عن رأيهم في مخالفة واضحة لقوانين اللعبة الديمقراطية، وليثبت قرار الحكومة مرة اخرى مدى تراجع تأثير الأمن الإسرائيلي في القرارات السياسية، حيث كان واضحا رفض قيادات وازنة من الشاباك حظر الحركة الإسلامية لما في ذلك من تداعيات قد تمس الامن الاسرائيلي في ظل ان الحركة لم تمارس أي دورا ارهابيا من وجهة نظرهم وان حظرها يجلب ضررا أكبر بكثير من الابقاء عليها في ظل أن عدد لا بأس به من فلسطينيي الداخل مؤمن بفكر الحركة، وفي ظل التفاف فلسطينيي الداخل ككل حول ضرورة التماسك في وجه الصلف الاسرائيلي.  

كذلك فيما يتعلق بملف الميزانية واقرارها والتي اخذت مساحة واسعة من النقاش ومرت باغلبية ضئيلة جدا 61 مع مقابل 59 ضد وكادت ان تعصف بالائتلاف الحكومي بسبب حجم الابتزازات من الاحزاب الصغرى التي يستطيع أي منها اسقاط الحكومة في ظل الائتلاف الحكومي الضيق، حيث استطاع حزب شاس ان يوقف اقرار الميزانية اكثر من مرة واستطاع ان يحصل مئات ملايين الشواقل لحسابات خاصة للحريديم، فيما كان وزير المالية وزعيم حزب كلنا الخاسر الاكبر حيث خضع في النهاية لابتزاز احزاب اليمين ومنها البيت اليهودي الذي استطاع ان يحصل مبالغ اضافية للاستيطان وكذلك اضطر الى رفع ميزانية الجيش كما اراد حزب الليكود من 56 مليار الى 59 مليار ومليار إضافي آخر في العام القادم.

 وهذا خلافا لتأكيداته المسبقة التي رفض فيها رفع ميزانية الجيش، ليخرج كحلون كاكبر الخاسرين بعد اقرار الميزانية التي ضيقت من فرص تحقيق برنامجه الاجتماعي الذي اوصله الى الكنيست ب 10 مقاعد، وليكون خلافا لما توقعه ناخبيه ضعيف الشخصية امام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. من جانبها شنت احزاب المعارضة هجوما قاسيا على الميزانية الجديدة، فقد اعتبرها حزب يوجد مستقبل انها تقاسم للكعكة بين احزاب الائتلاف متهما نتنياهو انه خضع لابتزاز الاحزاب الصغرى، وقد قدمت المعارضة 32 الف تحفظ على الميزانية ، رقم ليس له سابق في التاريخ الاسرائيلي، وكان هدف المعارضة من ذلك ان يستمر نقاش التحفظات 266 ساعة وبالتالي تسقط الحكومة لان تاريخ اقرار الميزانية يكون قد مر، وقد اعتبر المعسكر الصهيوني وهو اكبر احزاب المعارضة بان اقرار الميزانية  وعلى هذا الشكل بالذات يعتبر رضوخ من نتنياهو وكحلون لابتزازات اليمين والمتدينين الامر الذي سيفاقم من نسبة العجز في الميزانية في الاعوام المقبلة.ولم تسلم زيارة نتنياهو الاخيرة لواشنطن من خلق العديد من جوانب التوتر داخل الائتلاف الحكومي وخارجه.

أما على صعيد العلاقة مع الملف السياسي لوقف الانتفاضة فكانت زيارة نتنياهو للولايات المتحدة  بهدف ايجاد صيغة معينة لإيقاف الانتفاضة الفلسطينية ومن الواضح أن الرجل كان ينوي تقديم مجموعة من حسن النوايا للفلسطينيين الأمر الذي اعتبره شريكه في الائتلاف الحكومي بنت "زعيم حزب البيت اليهودي" أمرا مرفوضا جملة وتفصيلا، وقال لماذا لا يقدم الفلسطينيين حسن نوايا تجاهنا، وعندما صرح نتنياهو انه من الممكن ان يتخذ خطوات أحادية ، لم يلبث إلا أن تراجع فور لقاءه ببنت.

من جانبه اعتبر حزب المعسكر الصهيوني المعارض وكذلك حزب يوجد مستقبل أن العلاقة مع الولايات المتحدة هي اولوية اسرائيلية، لكن نتنياهو تسبب في تشويش هذه العلاقة في السنوات الاخيرة وهو الان يلجأ للولايات المتحدة بسبب ما يشعره من ضيق وعليه ان يفهم ان العلاقة مع الولايات المتحدة ليست علاقة انتقائية بل استراتيجية يجب الحفاظ عليها لمصلحة اسرائيل.وعادت نقاشات مدى تماسك الائتلاف الحكومي تحتل مساحة واسعة من النقاش في ظل تغيب بعض أعضاء حزب البيت اليهودي عن التصويت على العديد من القضايا مما أعطى الفرصة للمعارضة في تمرير قانونين ، مما اثار حفيظة الليكود الذي اتهم شريكه في الحزب بانه غير جدي في استمرار الشراكة.

 والواضح ان تغيب بعض اعضاء البيت اليهودي عن التصويت جاء كنوع من الاحتجاج على بنيامين نتنياهو متهمين اياه بعدم الإلتزام بوعوده التي قطعها على نفسه فيما يتعلق بتوسيع دائرة الاستيطان، من جانبه هدد حزب شاس أكثر من مرة عن جاهزيته لتفكيك الائتلاف الحكومي في حال لم تتراجع الحكومة عن فرض التجنيد الإجباري على الحريديم، وكان لهم ما أرادوا وهذا دفع كافة أطياف الطيف السياسي الإسرائيلي الى اتهام نتنياهو بالرضوخ لابتزازات الحريديم بهدف الحفاظ على ائتلاف ضيق ولا يخدم الدولة.من جانبها اعتبرت المعارضة ان الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف لن يصمد طويلا ويعود رفض اليميني ليبرمان الدخول الى الحكومة من منطلق أنها آيلة الى السقوط والتفكك وترسخ قناعة تامة عند الرجل ان عام 2016 سيشهد انتخابات مبكرة وهذا ما صرح به مؤخرا.

 واعتقد أبو عواد إن هرتسوغ زعيم حزب المعسكر الصهيوني والذي رفض هو الاخر الانضمام للائتلاف الحكومي في ظل ما تعايشه اسرائيل من ازمة وصل لنفس القناعة وقد عبر عن ذلك بعض اعضاء حزبه قائلين لن نقدم طوق نجاة لنتياهو.

من جانبه قال مدير مركز القدس علاء الريماوي" إن الأداء السياسي للحكومة الإسرائيلية يعاني من جملة عناويين.

أولا : الملف الأمني سواء كان ذلك في الضفة الغربية، غزة وحتى في منطقة الحدود الشمالية عدا عن التفكير الإستراتيجي للحالة الأمنية في الشرق، لازالت إسرائيل تميل لما يعرف بامتصاص الحالة والتكيف معها، الأمر الذي جعل قيادات أمنية إسرائيلية، تطالب بوضوح التوجهات خاصة في ما تريده خلال المرحلة القادمة في الحالة الأمنية.

ثانيا: الملف السياسي  الفلسطيني : وجدت إسرائيل صيغة من التعامل في الملف الفلسطيني يقوم على قاعدة، (الأمن مقابل الاقتصاد) في الضفة،  الأمر الذي يعني إنهاء خيار التعاطي مع القيادة القائمة أوإضعافها، لدرجة الشروع في التمهيد وبالتعاون مع العرب لقيادة جديدة.

الأمر الذي ترى قيادات إسرائيلية منها يائير لابيد وغيرها من قيادات الوسط، هذا السلوك بالخطير خاصة أنه قد يؤدي لواقع أمني معقد، وهذا ما أوصت به قيادات إسرائيلية أمنية من أن هذا الواقع قد يفضي لانهيارات في السلطة، مما سيجبر إسرائيل التورط في ملفات اجتماعية.  

ثالثا: العلاقة مع العرب، لعل من أكثر الملفات لدى نتنياهو ما أحدثته حكومته منذ تولي ليبرمان وزارة الخارجية، بناء علاقة متينة مع بعض الأنطمة العربية، وصلت حد من التعاون الأمني غير مسبقوق، هذا الحال، سيثقل على الحالة المقاومة، كما يتطلب في ذات الوقت تفكيرا مهما في شكل التحرك خلال المرحلة القادمة .

وتشير المعطيات أن إسرائيل وفرت لها مساحة مهمة في العلاقة مع مصر الأردن والإمارات وبعض دول الخليج، تحت مظلة ما يعرف (مواجهة إيران والحرب على الإرهاب).

رابعا: تخطت حكومة نتنياهو التوتر مع الولايات المتحدة، لكنها بلاشك فتحت نقاشا حول تأثير اليهود على السياسة الأمريكية، الأمر الذي جعل قيادات وازنة في إسرائيل تعتبر الشهور الماضية الأخطر على علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، جراء التدخل السافر في رفض الاتفاق النووي وغيرها من المواقف التي مست بالبيت الأبيض وحكم الديمقراطيين.

خلاصة القراءة : إسرائيل على صعيد الحكومة لا زالت متماسكة برغم إرباك الموازنة، لشعور اليمين أن بديل نتنياهو في الحكم، سيكون أحد الشخصيات غير اليمينية مما يجعل البديل لديهم الثابت نتنياهو .

وأضاف المركز" لعب إسرائيل في التكتيك، سيضعها أمام إجابات حتمية لملفات الأمن، الأمر الذي سيضع إسرائيل  أمام إجابات حتمية هي لا تستطيعها خلال المرحلة القادمة".

وتابع المركز" أمام هذا الواقع تحتاج القيادات الفلسطينية مناقشة، طبيعة الحكم القائم في إسرائيل، أفق التفكير السياسي الأمني، والأهم التخطيط الإسرائيلي للمرحلة القادمة في ظل شرق يحترق".

وسوم: العدد 645