ليلة انقطع فيها الإرسال على «بهجت الأباصيري»!
«شوفتيني وأنا ميت»؟! هذا ما قاله الطالب «بهجت الأباصيري»، في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، والذي قام بدوره الفنان «عادل إمام»، وكان هذا بعد ادعاء «الأباصيري» أنه مات، ثم وقف ليوجه هذا السؤال لمعلمته «عفت عبد الكريم»، أو الفنانة «سهير البابلي». وقد أردف «بهجت الأباصيري» وهو لا يزال يوجه حديثه للأستاذة «عفت»: «أجنن وأنا ميت»؟! وهو مقطع تذكرته، عندما استيقظت صباح يوم الخميس الماضي، على دعاية مكثفة لقطع الإرسال في قناة «دريم» عن «حمدين صباحي» المنافس الثاني في الإنتخابات الرئاسية في مصر بعد الإنقلاب، والذي حصل على المركز الثالث فيها في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الإنتخابات، التي يترشح فيها اثنان، فيحصل الثاني على المركز الثالث، لأن عدد الأصوات الباطلة أكثر من الأصوات التي حصل هو عليها! لا أعرف ما إذا كانت فضائية «دريم» سالفة الذكر، نوهت عن هذا اللقاء، مع الرجل الذي خاض الإنتخابات الرئاسية مرتين، كانت الأولى بعد الثورة، ولم يوفق فيهما؟! فالشاهد أن أحداً لم يعلم بأن «صباحي» سيحل ضيفاً على برنامج «العاشرة مساء»، وربما لم يتم الإعلان عن اللقاء «المطول»، من باب مفاجأة المشاهد، ليس بما سيقوله الضيف، ولكن لأنه سيكون من شهود لحظة «كسوف» إضاءة الأستوديو، وانقطاع الإرسال. وربما «نوهت» القناة عن اللقاء، لكن لم يهتم أحد، فماذا يمكن أن يقول «حمدين صباحي»؟ وأي شيء يقال بعد كل ما قيل؟ وهل قول يقال مثل قول قيل قبل ذلك؟ كما يقول «عادل إمام» في إحدى مسرحياته، وهو يقوم بدور المحامي، الذي لا يعرف وقائع القضية التي يترافع فيها؟! كانت الأنظار قد اتجهت في هذه الليلة، إلى «قداس» ميلاد السيد المسيح، والذي حضره السيسي بشكل مفاجئ، وفي كل عام يقولون إنه فاجأ قادة الكنيسة والرعايا بحضوره، حتى صار حالنا، حال المطرب الشعبي «عبد الباسط حمودة»: «تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتي»! الكنيسة والثورة المضادة يسعى السيسي للحفاظ على شعبيته مع المسيحيين الأرثوذكس، فلا ينسى للكنيسة القبطية بقيادة البابا الراحل والبابا الحالي أنها كانت جزءاً من الثورة المضادة، والبابا شنودة، طلب من رعاياه ليلة ثورة يناير عدم المشاركة فيها، وأعلن أنهم مع مبارك، والبابا تواضروس كان جزءاً من مشهد الإنقلاب، بكل تفاصيله، سواء بالإحتشاد يوم 30 يونيو، وبحصار القصر الرئاسي، أو بكونه جزءا من المشهد الإنقلابي لحظة إعلان «عبد الفتاح السيسي»، بيانه في 3 يوليو/تموز، وهو أمر لا تخطئ العين دلالته! حضور «السيسي» لا يعكس اهتماماً بالأقليات، لأنه لم يول الإهتمام نفسه بالكنائس الكاثوليكية والإنجيلية، التي احتفلت بعيد الميلاد المجيد دون حضور للسيسي، الذي قوبل حضوره في الكنيسة الأرثوذكسية الأم بتصفيق حاد، تذكرت على أثره ليلة حضور «جمال مبارك» هذا القداس، فقد كان هناك ثلاثة حظوا بما تم وصفه بـ «التصفيق الحاد»، هم على التوالي: مبارك (الابن)، والسفير الأمريكي في القاهرة، وأحمد عز (الرجل القوي في الحزب الحاكم). ما علينا، فهذه ليلة، لا يجوز فيها أن يقدم حوار مهم، مع «الزعيم الأباصيري»، والذي يستمد أهميته من قطع الإرسال عليه لحظة حديثه عن الحكم الإستبدادي.. لكن من الواضح أن المهم في هذا الحوار هو لحظة القطع، ولم يكن هناك اهتمام بالدعاية لما سيقوله، ولهذا فإن هذه الليلة هي المناسبة لاستضافته، عندما يكون المسيحيون يحتفلون بعيدهم، والمسلمون يشاهدون «القداس» عبر الأثير، استعداداً للنوم! قرأت لمن كتب أن قناة «دريم» نفسها، هي من أذاعت لحظة قطع الإرسال على مواقع التواصل الإجتماعي، ولم أتمكن من التحقق من صحة ذلك، فقد لفت اهتمامي الدعاية المكثفة، على طريقة هل رأيتم لحظة قطع الإرسال عن «حمدين صباحي»، وهذا لا بد وأن يدفع إلى الإهتمام بما قال، ومن لم يهتم، فسوف يستقر في وجدانه أن «الزعيم المتقاعد» رجع في قرار تقاعده، وقال كلاماً حاداً في مواجهة السلطة، دفع إدارة القناة إلى قطع الإرسال عنه، وربما كان القطع من إدارة «النايل سات»، لخطورة ما قال في مواجهة السلطة، وقد حرصت على مشاهدة حديثه سبر أغوار ما يجري لعلي أجد على النار هديا. قهر الرجال لقد بدا لي المشهد كله غريباً، فها هي نبرة صوت المتحدث تعود لسيرتها الأولى، فقد كان صوته منذ أن حملوه على الترشح لإضفاء شكل على نجاح عبد الفتاح السيسي يأتي ضعيفاً، كاشفا عن معنى قهر الرجال، فقد كان يظن أنه الرئيس المختار بعد الإنقلاب العسكري، فإذا به يترشح خوفاً وطمعاً في انتخابات يعرف نتيجتها مسبقاً، ولم يحفظوا له كرامته بعدد أصوات مناسب، وإنما أذلوه بالترتيب وبالأصوات، فلا يجوز له أن يكون في الترتيب بجانب الزعيم «السيسي»، ولو بعده، فكان لا بد من أن يوضع بينهما حجاب، وكان هذا الحجاب هو الأصوات الباطلة! ولم يحفظ جميل أنه كان من الذين مهدوا للانقلاب العسكري، وإعطائه شكل الثورة الشعبية التي انحاز لها الجيش، فقد أغروا به غلمانهم من المذيعين فأهانوه، وشهروا به، وحتى أصدقاؤه التاريخيون باعوه في هذه المعركة، فالمخرج «خالد يوسف» أيد السيسي، و»عبد الحليم قنديل» الذي وصفه من قبل بأنه «غاندي»، لم يتوقف دوره على التخلي عنه ومبايعة السيسي، ولكنه أهانه بوصفه له بـ «الزعيم الموسمي»، فلم يعد «حمدين صباحي» هو «غاندي؟! كان صوته يأتي من القبر، لكن في هذه المرة كانت «نبرة» الصوت مرتفعة، وبدا لي أنه يجري تخليقه زعيماً من جديد، بيد أن المسرح الآن ليس مستعداً لاستقبال زعماء، فلا زعيم إلا الزعيم، و»السيسي»، كالفريك، لا يحب «شريك»، فهو القائد وما دونه هم «عساكر مراسلة»، ولو حتى انتابت صاحبنا الشجاعة، وقرر الخروج على الطوع، فلن يجد قناة «تلفزيونية» تقدمه، وكل المحطات الفضائية هي في قبضة سكرتير سيادته «الجنرال عباس كامل»! شعبية عكاشة حمدين في الحوار الذي استمر حتى مطلع الفجر، كان يتحدث ويسترسل، وكأنه يلقي بياناً، رغم وجود محاور يحرص في مقابلاته كل على أن يكون هو النجم، فهو يقاطع أكثر مما يستمع، ويحضر في «الكادر»، أكثر من ضيوفه، لكن في هذه المرة كنا أمام مشهد لا شبيه له، إلا عندما تستضيف «حياة الدرديري»، في قناة «الفراعين»، «توفيق عكاشة» صاحب القناة، أو الإبن الوحيد والوريث الشرعي لصاحبة القناة! ولا يعقل أن يكون «حمدين صباحي»، و»وائل الأبراشي»، قررا الإستحواذ على مشاهدي برنامج «الدرديري – عكاشة»، وبالعكس، بعد منعه من الظهور بقرار من السلطة، فلا أظن أنهما تركا فراغاً، قرر الثنائي شغله على قناة «دريم»، وبتقليد الشكل، يتحدث «توفيق»، وتتحول «حياة»، إلى مشاهدة، لا تملك حق المشاهد العادي في استخدام جهاز التحكم في التلفزيون وهو كما تعلمون ليس من الحقوق الدستورية، ولكنه من الحقوق الأعلى منزلة فهو من الحقوق اللصيقة بالإنسان! ينسى توفيق عكاشة نفسه، بعد أن تدفع به إحدى الجهات الأمنية، فيتصرف على أنه شريك في الحكم، وأنه مفجر ثورة 30 يونيو، التي استغلها «السيسي» لكي يكون رئيساً، فيتصرف على أنه هو والمذكور رفقاء ميدان، فتكون لا بد من «قرصة أذن»، تلزمه حدوده، وتعرفه حجمه، وأن يعرف بها أن العين لا يمكن أن تعلو على الحاجب، وأن «عسكري المراسلة»، وإن تطوع في الجيش، فلن يصبح ضابطاً، وإن أصبح بالأقدمية، فهو «ضابط مخلة»، لا يمكن تصعيده إلى أكثر من رتبة «الرائد»، والسيسي يحمل رتبة المشير، و»عباس كامل» الذي تطاول عليه «عكاشة»، هو «لواء»! حاجتهم لتوفيق «عكاشة»، تدفعهم لوضعه في حجمه بين الحين والآخر، ومن سماته أن يفيق بسرعة، وقد اعتذر في حديثه الأخير لكل الجهات ولكل الأفراد الذين تجاوز في حقهم، وقال إن «الخطة كانت كده». ولو أرادوا أن ينتهوا منه بالقانون لفتحوا ملف جمعية «الإعلاميين الشبان وأسرهم وغيرهم»، واستحواذها على أكثر من أربعة آلاف فدان من أراضي الدولة بتراب الفلوس، والفدان الواحد يباع الآن بثلاثة ملايين جنيه! بيد أن غياب «توفيق عكاشة» وجارته بالجنب «حياة الدرديري»، ليس هو السبب في أن يتكلم «حمدين صباحي» ويصول ويجول، بينما «وائل الأبراشي» يصمت ولا يتدخل مقاطعاً، كالدرديري وهي تستمع للأستاذ المعلم وبحر العلوم! لم تقع جريمة فض «رابعة» بالأمس، ليدينها «حمدين صباحي»، الآن، ويرى أن «دم الإخواني في رابعة دم مصري»، وأن طريقة فض الإعتصام لم تكن فيها مهنية أو التزام بقواعد فض الاشتباك. ولكي يبدي تعاطفه مع المتظاهرات من الإخوان! ماذا حدث إذن؟ عندما وصل بعد حديثه عن استبداد الحكم، وقتله للأبرياء، وأن الإخوان مصريون مثلنا، إلى أنه لا بديل إلا أن يستمع النظام الحاكم لمعارضته، وأن الثورة الآن ليست مطلوبة.. وقفت على طبيعة المهمة! هناك قلق الآن في رأس سلطة الإنقلاب من 25 يناير، لا أعرف مصدره، ولهذا كان سماح الإنقلاب بالهجوم عليهم بهدف تمرير النصيحة الغالية التي تتمثل في أنه «لا بديل» عن السيسي، و»لا قدرة» على اسقاطه، ومن ثم فـ « لا للنزول يوم 25 يناير»! لقد اتضحت الرؤية! صحافي من مصر سليم عزوز
وسوم: العدد 650