كلمة إلى الوفد المفاوض، قبل التاسع من آذار

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

الهدنة التي أعلنت – برعاية دولية – بين النظام و الفصائل المقاتلة خرقت منذ يومها الأول أكثر من خرق و على أكثر من جبهة. و قد علمت بذلك الخرق الجهات الضامنة، و لما يزل الخرق قائما، و إلى ساعة إعداد هذا المقال، دون أن يكون هنالك رد فعل يذكر من الجهات الضامنة أو مجلس الأمن صاحب القرار الأول و الأخبر في هذه المسألة.

 و كسل الجهات الدولية الضامنة، أو تأخرها في الرد يشكل للمراقب السياسي أكثر من لافت للنظر. حيث تبدو المسألة السورية، و كأنها محكومة بقرار تخفى أبعاده حتى على أصحاب القضية أنفسهم و على المعنيين كذلك.

 وهذا يتطلب من العاملين من أجل القضية السورية حذقا و مهارة غير عاديين فالوفد المفاوض السوري الذي يستعد للسفر إلى جنيف في القريب العاجل، يوضع على المحك فيما هو ذاهب من أجله. و من حيث الواقع، هو أمام مشكلة حقيقية، و ذلك لأمور ثلاثة:

 أولا- أن المشكلة التي يذهب من أجلها، هي مشكلة أمة بكاملها، و هي مشكلة حياة أو موت. و نهر الدم الذي يجري في سورية يشكل الصريخ للمفاوض السوري ، و للأمة كلها من غربيها إلى شرقيها ومن شماليها إلى جنوبيها. و لايستثنى صاحب ضمير نابه إلا قصده ذلك الصريخ.

 ثانيا- أن اللاعب الرئيس في المفاوضات، صاحب مشروع و مخطط، ولايهمه الدم السوري بقدر مايهمه مشروعه و مخططه؛ و لذلك فهو مناور، و متآمر، و سيلجأ إلى الخديعة إن أعيته الحيلة من أجل فعل مايريد.

 ثالثا- ان المفاوض الرئيس المبعوث من قبل النظام محكوم بآوامر داخلية و خارجية، و لذلك فهو لا يقدم و لايؤخر في هذه المسألة، إلا بقدر ما توحيه إليه تلك الأوامر.

 و بناء على ماتقدم يجب على المفاوض السوري معرفة مسألتين:

 المسألة الأولى- تتعلق بالمشروع الذي يتبناه اللاعب الرئيس و بمحططه. و هذا المشروع باختصار هو الذي يطلق عليه اسم ( الشرق الأوسط الجديد) و مخططه، الذي بدأت صفحاته الأولى منذ أكثر من قرن من الزمان، هو الذي يجب أن يعرف و بدقة.

 ذلك أن الحروب الصليبية التي أعلن نهايتها الجنرال اللمبي مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، لم تكن قد انتهت حقيقة. و هذا الكلام يؤكده قول جورج بوش الابن:" إنها حرب صليبية بعيدة- المدى" و ذلك بعد تدمير أبراج نيويورك و مسؤولو السياسة الأمريكية منذ هنري كسنجر و حتى جون كيري جمعيهم على رأي واحد و إن اختلفوا في الأسلوب. و هم ينفذون و بدقة الصفحة الثانية – التي أعقبت معاهدة سايكس بيكو، و اتفاقية سان ريمو - و التي تتمثل بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي توضع من أجله المخططات، و ترسم السياسات و يرعاه و يسهر على تحقيقه دوائر مختصة في البنتاغون، و التي أقل ما يقال عنها، أنها تتحرك بأوامر لوبي صهيوني مختص يخدم المصلحة الصهيونية و يتبناها.

 و مشروع الشرق الأوسط الجديد – و هو بأبسط تعاريفه يعني تجزئة المجزأ، أي: إخضاع منطقة الشرق الأوسط إلى تقسيمات جديدة على أسس مذهبية و عرقية و دينية- يعد الصفحة التالية لاتفاقية سايكس بيكو، كما يعد الحقيقة التي يجب أن تنطلق منها كل الحقائق و بدون استثناء. و هو اليوم في سورية يوضع موضع التطبيق، و ماعداه ليست أكثر من بالونات اختبار، يقصد بها الخداع و التضليل. و علاقات كيري و لافروف لاتخرج عن هذا المسار. بل تتبناه بدقة. ذلك أن الكنيستين الكاثوليكية و الأرثوذكسية تلتقيان عند هذه المسألة و اعتبار رجال الكنيسة الأرثوذكسية الحرب الروسية في سورية مقدسة، و تأييدهم بوتين يؤكد حقيقة ذلك.

 المسألة الثانية- تتعلق بالوفد المفاوض. و هي من باب مايجب أن يعرف أولا- إذ أنه و بناء على المهمة التي يضطلع بها يجب عليه معرفة أمور ثلاثة:

 الأمر الأول- يتعلق بمعرفة نفسه و بالإجابة على الأسئلة الثلاثة: أولاً - : هل هو من المنتمين حقيقة لهذه الأمة؟ و ثانياً هل هو من الملتزمين بثقافتها و فكرها، و بما هي عليه من خلق أو دين؟ و ثالثاً هل هو من الثوريين الحقيقين، الذين ثاروا على النظام؟ وهذه الأسئلة الثلاثة، هي التي يجب أن يعرفها، أولا، فهي له بمثابة الهوية، و بدونها لايحق له أن يكون ضمن الوفد المفاوض، و لا أن يشغل نفسه بقضية غير معني بها أصلا.

 الأمر الثاني- يتعلق بمعرفة الصديف: و الصديق مساحته واسعة في هذه المسألة. و هو من حيث المعنى منتزع من متعدد، فهناك الصديق الداعم، و الصديق المثير، و الصديق المشارك، الذي يضطلع بكفل من المسؤولية، و الصديق المواسي الذي يقصر جهده على مراسيم التعزية ، و الصديق الذي يقصر جهده على الابتسامة!! و كل أولئك يجب معرفتهم معرفة حقيقية، و أخشى مايخشاه السوري أن يدخل عليه العدو من بوابة الصديق، و ما أكثر الأعداء الذين دخلوا علينا من هذا الباب!

 الأمر الثالث- يتعلق بمعرفة العدو- و الذي يشغل ذهننا وبمرارة

 السؤال التالي- هل العدو هو النظام؟ أم العدو هو اللاعب الرئيس الذي أوجد النظام وو ظفه لخدمة مشاريعه الخفية و المعلنة و منها على سبيل المثال مشروع الدولة الطائفية. الذي أخذ طريقه إلى ظلام ليعمل كالخفاش منذ سنة 1963م و إلى اليوم. و هذا الأمر يقودنا بالضرورة إلى معرفة أمور ثلاث كذلك:

 الأمر الأول- يتمثل ب ( من نفاوض؟) و معرفة هوية الوفد المفاوض قبل الشروع في المفاوضات ضرورة تمليها طبيعة الموقف. فالسوري المنتمي لأمته، و الملتزم بقضية بلده، لايؤخذ بالإملاءات، و لا بالتوصيات و لا بالعواطف، بل يؤخذ بما تمليه عليه مصلحة الأمة أولاً، و بالصريخ المنبعث من الخنادق ومن تحت الأنقاض ثانياً، و بالتغوّل الروسي ثالثا، و بالغزو الإيراني الرافضي رابعاً، و بالسياسة الصهيو أمريكية خامساً.

 و هذه المآخذ الخمسة، إذا لم تأخذه بسببها هزة راعبة فهو العدو، و كونه العدو سيجعله يصطف مع الأعداء، و ينفذ مخططاتهم. و من يتبنىَّ محططات عدوه فهو عدو حتى و إن حل ألف معضلة و معضلة.

 الأمر الثاني- يتمثل في ( لماذا نتفاوض). و لماذا نتفاوض لوغرتما سياسية،قدَّر الظل و التظلّ فيها اللاعب الرئيس. و نحن نقولها و بصراحة: لو بقدرة قادر انعطف الطرفان المفاوضان على بعضهما بالعناق و قدما المصلحة العامة على الخاصة، و حلاّ المشكلة كلها بجرة قلم لجنَّ اللاعب الرئيس و لأعاد المشكلة إلى مربعها الأول و لرأيت العودة إلى تأزيم الموقف شغله الشاغل وذلك لإدامة مسلسل القتل و إهراق الدماء، و للحيلولة دون المصالحة الوطنية التي يزعمون أنهم يعملون من أجلها.

 الأمر الثالث- يتمثل في الذي ستؤدي إليه المفاوضات. و المعروف أن المطلب الشعبي السوري يتمثل في إسقاط النظام، و في إقالة بشار وفي تمكين الشعب السوري من نيل حريته، و من اختيار نظامه الذي يريد، على وفق التقاليد الوطنية التي عليها دول العالم الحرّ. و إذا تبيّن أنها ليست أكثر من تمرير الوقت للقضاء على الثورة، و لتثبيت كرسي بشار ، و تثبيت نظامه. فليس أمام الوفد المفاوض غير العودة بسرعة- ولو من الجولة الأولى- و مصارحة الأمة مصارحة حقيقية و الابتعاد عن التصريحات الملتوية التي تؤذي السوريين في مواقفهم الجهادية. و هذا مانحذر منه و نخشى عواقبه، و نتمنى أن يكون الوفد المفاوض على مستوى المسؤولية فيه. و الأيام القادمة ستثبت صحة ذلك أو خطأه.

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 658