كيف يقوّض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الديمقراطية ويدمّران حقوق الإنسان (88)
تدمير الديمقراطية والاقتصاد في المكسيك كحالة أولى
(اليوم، بعد عقدين من اتباع وصفات صندوق النقد الدولي وسبع سنوات من تطبيق اتفاقية نافتا، لا تزال المكسيك بلدا مُعذّباً بالفقر وعدم المساواة. أغلبية المكسيكيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر. حتى البنك الدولي أقرّ بأن 15 عاما من تحرير التجارة في المكسيك لم تنجح في سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية : الصحة والتغذية والسكن والتعليم – تظهر جميع المؤشرات الرئيسية تدهورا خطيرا على مدى السنوات الـ 15 الماضية. اليوم يمكن للمرء أن لا يتحدث فقط عن عقد من الزمن الضائع، ولكن عن جيل كامل ضائع).
غلوبال إيكونومي
(لقد صار عبء الديون أسوأ. في عام 1982، كان إجمالي الدين العام الخارجي على المكسيك هو 57 مليار دولار. في عام 1993، وصلت الديون إلى 80 مليار دولار. وبحلول عام 1997، صارت ديون المكسيك 99 مليار دولار. وتستمر ضائقة الديون هذه في إجبار المكسيك إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بأي وسيلة مهما كانت، بما في ذلك سحق الحقوق الأساسية للعمال، وعدم إنفاذ اللوائح البيئية).
غلوبال إيكونومي
(تمهـــــــيد : الصندوق والبنك أفسدا الديمقراطية في عشرات البلدان - هذه هي حقوق الإنسان التي انتهكها الصندوق والبنك الدولي - كل حقوق الإنسان هذه سحقها الصندوق والبنك الدولي في عشرات البلدان فقوّض الديمقراطية - المكسيك: "الطالب النموذج" - صندوق النقد الدولي يصل المكسيك ويبدأ بتدمير اقتصادها - أوّل عشر سنوات ضيّعها صندوق النقد من عمر المكسيك - كلفة الخصخصة : تدمير شركة الاتصالات أوّلاً - صندوق النقد والبنك الدولي يدمّر القطاع الزراعي في المكسيك - صندوق النقد الدولي يبيع القطاع العام المكسيكي لدفع فوائد الديون الأجنبية - مع ذلك أفلست 12000 شركة وسقطت ملايين الأُسَر تحت خط الفقر - صندوق النقد والبنك الدولي يعدّل الدستور المكسيكي من أجل أرباح المستثمرين الأجانب - الآن، وبعد "إصلاحات" الصندوق زادت القروض إلى 99 مليار دولار وتم تحطيم الاقتصاد المكسكي، والعبرة لمن يعتبر)
تمهـــــــيد : الصندوق والبنك أفسدا الديمقراطية في عشرات البلدان
_______________________________________
سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي تقويض منهجي للمبادئ الديمقراطية وتآكل لحماية حقوق الإنسان في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم.
فبالإصرار على أن يضع القادة الوطنيون مصالح المستثمرين الماليين العالميين فوق احتياجات مواطنيهم، فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يشلّ القدرة على المساءلة في قلب الحكم المدني والمؤسساتي ، وبالتالي يُفسد العملية الديمقراطية. وبإخضاع الاحتياجات الاجتماعية لمتطلبات الأسواق المالية، يجعل، بدوره، من الصعب على الحكومات الوطنية ضمان أن أناسها يتلقون الغذاء والرعاية الصحية والتعليم – وهي حقوق الإنسان الأساسية كما حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . دور الصندوق والبنك الدولي في تآكل حقوق الإنسان الأساسية وتحريف العملية الديمقراطية ، جعل المؤسستين تهديدا واضحا وقائما لرفاه مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. لأكثر من 50 عاما، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي يقدّمان شكل من أشكال "التنمية" الاقتصادية يعطي الأولوية لمصالح المقرضين الأغنياء والشركات متعددة الجنسيات في الشمال الصناعي ويهمل احتياجات الأغلبية الفقيرة في العالم. عملت المؤسستان كنوع من سمك قرش القروض الدولي، ومارستا تأثيرا هائلا على اقتصادات أكثر من 60 بلدا. من أجل الحصول على القروض والمساعدات الدولية، وتخفيف عبء الديون، يجب على البلدان أن توافق على الشروط التي يضعها البنك وصندوق النقد. وخلف ستار تعزيز "التجارة الحرة" وتحرير السوق، وتحقيق الاستقرار المالي، أجبرت هاتان المؤسستان الحكومات على إجراء تخفيضات هائلة في الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى بالنسبة للملايين من الناس في جميع أنحاء المعمورة، فأدت بالتالي إلى تعميق الفقر وزيادة عدم المساواة. وبوضع الانشغال بشأن الاستقرار المالي في الاقتصاد الكلي في المركز ورفعه فوق كل القيم الأخرى المهمة، خلقت هاتان المؤسستان كارثة في مجال حقوق الإنسان.
هذه هي حقوق الإنسان التي انتهكها الصندوق والبنك الدولي
___________________________________
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، هو أساس الدفاع الدولي الحديث عن حقوق الإنسان وتعزيزها. بُني الإعلان على مبدأ أن حقوق الإنسان تتأتي من "الكرامة الإنسانية المتأصلة" لكل شخص. هذه الكرامة، والحق في الحرية والمساواة التي تستمد منها، غير قابلة للتصرف.
على الرغم من أن الإعلان ضامن للحريات مثل التحرر من القمع، وحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، فإنه قد وضع لضمان الحقوق الاقتصادية الأهمية نفسها التي منحها لحماية الحريات السياسية والمدنية. والإعلان واضح ولا لبس فيه في تأكيده على أن الأمن الاقتصادي هو مركزي تماما كما هي كرامة الإنسان، وحرية الضمير.
على سبيل المثال، يحدد الإعلان "الحق في العمل، وحرية اختيار نوع العمل، والحق في شروط عادلة وملائمة للعمل والحماية من البطالة" كحق أساسي من حقوق الإنسان. كما أكد على "الحق في أجر متساوٍ عن العمل المتساوي" ، فضلا عن حق العامل "في أن ينشئ وينضم إلى النقابات حماية لمصالحه" واعتبرها أمور أساسية لكرامة الإنسان. واعتبر التعليم الأساسي، والمجاني أيضا حقا من حقوق الإنسان العالمية. وأكد الإعلان وعلى نطاق واسع على أن : "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية الأساسية، وله الحق في الأمن في حالات البطالة والمرض والعجز والترمّل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته ".
وتؤكد مواد الأمن الاقتصادي من الإعلان على أن الحقوق السياسية لا يمكن التمتع بها إلا عندما يتم إشباع الاحتياجات الإنسانية الأساسية. فدون الأمن الاقتصادي، تصبح حرية الضمير - الحرية لتنمو كفرد مستقل - أمرا مستحيلا. كما تنص المادة 22 على أن : "لكل شخص ... الحق في الضمان الاجتماعي ... والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته".
كل حقوق الإنسان هذه سحقها الصندوق والبنك الدولي في عشرات البلدان فقوّض الديمقراطية
__________________________________________
في عشرات البلدان حول العالم، انتهك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي "الحق في الضمان الاجتماعي". وقد أجبرت المؤسستان البلدان المدينة على خفض الإنفاق الاجتماعي على الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات العامة. لقد ضغطت على الدول الفقيرة لتحميل مواطنيها كلف استخدام المدارس الحكومية والمستشفيات العامة. كما أجبرت البلدان على الحفاظ على مستويات أجوره منخفضة، وهي السياسة التي تضر المواطنين العاديين في حين تفيد الشركات المتعددة الجنسيات. وفي إجبار البلدان على تبنّي مثل هذه السياسات، فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا يهدد فقط حق المجتمعات المحلية في الضمان الاجتماعي ، بل يقوّض أيضا النظم الديمقراطية في تلك الدول. تقوم الديمقراطية على مبدأ أن المسؤولين الحكوميين والممثلين المنتخبين هم "خدم" للمواطنين بشكل عام. مساءلة القادة المنتخبين في نهاية المطاف تكون من قبل الشعب الذي تخدمه. لكن البنك والصندوق حطّما هذه السلسلة من المساءلة عن طريق جعل القادة الوطنيين أكثر قلقا وانشغالا بمصالح المستثمرين الدوليين من انشغالهم باحتياجات شعوبهم. وحالما يبدأ المسؤولون الحكوميون بالقلق حول ما سوف يفكر فيه أباطرة وول ستريت أكثر من قلقهم حول ما يشغل الناس، فأن الديمقراطية تنحرف عن جوهرها.
منذ عام 1976، وقع أكثر من 100 احتجاج على الأقل ضد سياسات الصندوق والبنك في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم. ومن الواضح أن المواطنين العاديين يشعرون بالغضب من سياسات هذه المؤسسات. واستمرار اعتماد تلك السياسات يكشف عن هتك وانتهاك الديمقراطية الذى يرعاه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إن سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي غير المسؤولة اجتماعيا وغير المستديمة بيئيا هي من الطول بحيث يصعب حصرها في مقالة مثل هذه. فمن الضروري، بسبب ذلك، التركيز على أمثلة قليلة عن الكيفية التي هدّدت بها سياسات هذه المؤسسات حقوق الإنسان وانتهكت الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.
في هايتي والمكسيك، عمل الصندوق والبنك بنشاط للحفاظ على أجور العمال منخفضة، مما جعل من الصعب على المواطنين العاديين إعالة أنفسهم. في جميع أنحاء أفريقيا، فرض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي "رسوم المُستخدم user fees " للخدمات الصحية ، وقاومت هذه المؤسسات تخفيف عبء الديون على بلدان القارة ، قد فاقم من أزمة الإيدز وجعلت هذا المرض الخطير يجتاح تلك القارة. في كولومبيا، فرض صندوق النقد الدولي خفض الخدمات الاجتماعية بالرغم من أن البلاد تعاني من الركود والحرب الأهلية. في البرازيل، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، تدخل البنك الدولي في السياسة الداخلية عن طريق إقحام نفسه إلى جانب واحد من النقاش الاجتماعي المحتدم. وفي كل من هذه الأماكن، كما هو الحال في العديد من الأماكن غير المذكورة هنا، تتخذ هذه المؤسسات أكثر القرارات سياسية - خصخصة الموارد الوطنية - وبالتالي تقويض الديمقراطيات الوطنية.
بعد أكثر من 20 عاما من إدارة العشرات من الاقتصادات، خلق الصندوق والبنك المزيد من عدم المساواة، والمزيد من الدمار البيئي، ولم يوفر الأمن الاجتماعي الحقيقي.
المكسيك: "الطالب النموذج"
________________
لأكثر مما يقرب من 20 عاما، اتبعت المكسيك تقريبا كل شروط ومتطلبات السياسة الاقتصادية المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كانت المكسيك حريصة على الامتثال لإملاءات صندوق النقد الدولي بصورة موثوقة جدا، حتى أنه في عام 1994 أشاد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالمكسيك ووصفها بأنها "الطالب النموذج" الذي على البلدان الأخرى في أمريكا اللاتينية أن تحتذيه.
ومنذ أن اعتمدت المكسيك على وصفات صندوق النقد الدولي في "تحرير" التجارة ، وإجراءات الخصخصة، انخفضت الأجور الحقيقية وعمّ الفقر وانتشر عدم المساواة ، وزاد عبء الديون الضخمة على كاهل البلاد. وتجربة المكسيك مع سياسات صندوق النقد الدولي تقدم مثالا واضحا على كيف يضحي الصندوق برفاهية الناس العاديين ليستجيب لمصالح المستثمرين الدوليين. وفي محاولة لتجنب الأزمات المالية على المدى القصير وتطمين مخاوف المستثمرين ، قوّض صندوق النقد الدولي فرص المكسيك في خلق مجتمع مستقر واقتصاد متوازن.
صندوق النقد الدولي يصل المكسيك ويبدأ بتدمير اقتصادها
_________________________________
قد يعتقد الكثير من القراء بأن دخول المكسيك في الاقتصاد العالمي الجديد حصل عندما وقّعت الدولة المكسيكية على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) في عام 1993. ولكن الاقتصاد المكسيكي كان مفتوحا أمام قوى العولمة تماما التي تقودها الشركات قبل فترة طويلة من التوقيع على نافتا. قبل أن يسمع أي شخص بالنافتا، وضع صندوق النقد الدولي المكسيك فعليا على طريق برنامج التكيف الهيكلي.
في عام 1982، ومع انخفاض أسعار النفط العالمية جنبا إلى جنب مع ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق المالية الدولية ، أُجبرت المكسيك على أن تعلن أنها على وشك التخلف عن دفع ديونها الخارجية. "أزمة الديون" لسنة 1982 أثّرت أيضا في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وأعطت صندوق النقد الدولي فرصة لتحديد السياسات المالية والنقدية للكثير من الدول حول العالم. طلبت المكسيك المساعدة من صندوق النقد الدولي، فعرض الصندوق حزمة قروض مقدارها 3.9 مليار دولار. وللحصول على القرض الجديد كان على المكسيك الشروع في سلسلة من الإصلاحات في السوق. يجب عليها أن تقوم بخفض الإنفاق العام، وخصخصة الشركات الحكومية، وإعادة تنظيم القطاع الصناعي، وكان على الدولة أن تفتح الأبواب لمزيد من التجارة الأجنبية والاستثمار الأجنبي. الاتفاقات اللاحقة مع صندوق النقد الدولي في عام 1986 و 1989 عزّزت هذا المنهج أكثر فأكثر.
في محاولة لتعزيز الاستثمار الأجنبي في المكسيك وخفض واردات البلاد - الذي من شأنه خفض العجز التجاري للبلاد (أو الحساب الجاري) – عمل صندوق النقد الدولي في أواخر الثمانينات على تحجيم النشاط الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في الأجور. عمل صندوق النقد الدولي مع الحكومة المكسيكية والشركات في البلاد والنقابات العمالية التي تسيطر عليها الحكومة إلى وضع مجموعة من الاتفاقيات الاجتماعية، أو "Pactos" للحفاظ على ضبط الأجور. تم ضبط أجور العمال وفقا للمستويات "المتوقعة" من التضخم. لسوء الحظ بالنسبة للعمال المكسيكيين، ارتفع التضخم أكثر مما كان متوقعا بكثير. بين تنفيذ الإتفاقية الأولى في ديسمبر 1987 ومايو 1994، زاد الحد الأدنى للأجور بنسبة 136 في المئة، في حين ارتفعت تكلفة سلة السلع الاستهلاكية الأساسية إلى 371 في المئة.
أوّل عشر سنوات ضيّعها صندوق النقد من عمر المكسيك
______________________________
هذا النوع من الانخفاض في الأجور الحقيقية جعل المكسيكيين يطلقون على عقد الثمانينات تسمية "العقد الضائع". خلال الثمانينات، انخفضت الأجور الحقيقية (المعدلة بالنسبة إلى التضخم) بأكثر من 75 في المئة، وتدهورت حصة العمال من الدخل القومي بين عامي 1981 و 1990 من 49% إلى 29 في المئة. تم تخفيض الاستثمارات الحكومية في مجال التعليم والبحث والتطوير، والبنية التحتية. سياسات صندوق النقد الدولي، التي من المفترض أنها كانت تهدف إلى جعل المكسيك أكثر قدرة على المنافسة دوليا، كانت تفعل ، في الواقع ، عكس ذلك عن طريق الحد من الاستثمار في المجالات ذاتها اللازمة لجعل البلاد أكثر إنتاجية. وكانت "استراتيجية" التنمية محكوم عليها بالفشل.
كلفة الخصخصة : تدمير شركة الاتصالات أوّلاً
___________________________
في حين شهد الأُجَراء العاديون هبوط أجورهم وتدهور دخولهم، فإنهم واجهوا زيادة أسعار السلع الاستهلاكية. منذ عام 1983، باعت المكسيك ما يقرب من 1000 من مؤسساتها العامة. كان القصد من هذه الخصخصة هو حقن بعض الاموال في خزائن الحكومة. وفي حين حصل ذلك على المدى القصير، وكسبت الحكومة الجديدة بعض المال، فإن الخصخصة أضرّت بالمستهلكين العاديين. خصخصة تلمكس Telmex، شركة الهاتف الوحيدة في البلاد، هو مجرد مثال واحد فقط على الكيفية التي اضر بها برنامج الخصخصة لصندوق النقد الدولي بالمواطنين العاديين.
في عام 1990 أعلن الرئيس المكسيكي كارلوس ساليناس دي غورتاري بيع شركة الهاتف المُربحة في البلاد، تلميكس. قدم البنك الدولي مساعدة تقنية كبيرة للحكومة المكسيكية للمساعدة في عملية البيع. وكان الرابحون هم شركات الاتصالات متعددة الجنسيات مثل جنوب غربي بيل وفرانس تليكوم. في حين كان مستخدمو الهاتف المكسيكي هم الخاسرين. في الأشهر التي سبقت بيع الشركة - وفي محاولة لجعل شراء تلميكس أكثر جاذبية - زادت الحكومة أسعار الفائدة على المكالمات المحلية من 16 بيزو في الدقيقة الواحدة إلى 115 بيزو في الدقيقة الواحدة.
في تقرير عام 1992، اعترف البنك الدولي أن "خصخصة تلمكس، جنبا إلى جنب مع النظام الرقابي المصاحب لسعر الضريبة، كانت نتيجته "فرض ضرائب على المستهلكين" - وهي جماعة غير منظمة منتشرة إلى حد ما - ومن ثم توزيع المكاسب على جماعات محدّدة بدرجة أكبر مثل المساهمين والموظفين، والحكومة. وتوقع البنك أن هذه المعدلات من شأنها أن تقل على المدى الطويل. ولكن هذا المدى الطويل لم يصل حتى الآن. وعلى الرغم من أن أسعار المكالمات الدولية قد انخفضت، فقد تم تعويض هذا الانخفاض بارتفاع في كلفة المكالمات داخل المكسيك.
صندوق النقد والبنك الدولي يدمّر القطاع الزراعي في المكسيك
___________________________________
كانت خطوات الخصخصة الأخرى مؤلمة على حد سواء للمواطنين المكسيكيين العاديين. وقد خلص البنك الدولي إلى أن "الخصخصة ساهمت في "تفاقم نمط مشوّه ومركّز من توزيع الملكية في الاقتصاد". ومن الأمثلة الصارخة على ذلك هو الذرة والمحاصيل الأساسية التقليدية في المكسيك. لسنوات، شهد صغار المزارعين تبخر الدعم الحكومي لأن صندوق النقد الدولي طلب وضع حد للتعريفات الجمركية والحصص على الواردات من الحبوب وإلغاء المساعدات الحكومية لتسويق وتوزيع المنتجات المزروعة محليا. في السنوات الأخيرة، تسبب مدّ الذرة المدعومة المستوردة من الولايات المتحدة انخفاضا بنسبة 45٪ في أسعار الذرة التي يزرعها الفلاحون المكسيكيون. وقد تسبّبت إجراءات الصندوق هذه بإجبار الملايين من المزارعين على ترك أراضيهم والرحيل إلى الغيتوات في المدن أو الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. وحتى الآن - وبسبب السيطرة الاحتكارية على صناعة معالجة الذرة المكسيكية – فإن الأسعار لم تنخفض بالنسبة للمستهلكين، بل بالعكس زادت الأسعار فعلا في السنوات الـ 15 الماضية.
صندوق النقد الدولي يبيع القطاع العام المكسيكي لدفع فوائد الديون الأجنبية
_____________________________________________
مع بداية التسعينات ، وبعد "العقد الضائع"، بدأ الاقتصاد المكسيكي بإظهار بعض علامات التحسن. فقد حصل بعض الانخفاض في معدلات التضخم، وحدث بعض النمو الاقتصادي. ولكنه كان "نجاح" بُنى على الرمال. فالاقتصاد المكسيكي صار يعتمد أكثر فأكثر على تدفقات رأس المال الأجنبي، ومعظمها من محفظة الاستثمارات قصيرة الأجل. عزّزت تدفقات رأس المال على نحو متزايد البيزو المكسيكي، ولكن لفائدة المستثمرين الأجانب، وتفاقم العجز التجاري للبلاد عن طريق جعل الصادرات المكسيكية أكثر تكلفة.
وبحلول منتصف عام 1994، ومع شعور المستثمرين الأجانب بأن الحكومة المكسيكية مقبلة على خفض قيمة البيزو لجعل الصادرات المكسيكية أكثر قدرة على المنافسة - بدأوا بسحب أموالهم من المكسيك. في ديسمبر عام 1994، اضطر المسؤولون المكسيكيون إلى خفض قيمة البيزو. في يناير 1995، طلبت الحكومة من جديد مساعدة صندوق النقد الدولي. قدم صندوق النقد الدولي للمكسيك قرضاً بمقدار 75،7 مليار دولار، وقدمت وزارة الخزانة الأمريكية قرضا آخر مقداره 18 مليار دولار. بدأت جولة جديدة من عمليات الخصخصة لجمع المال السريع لغرض سداد القروض للبنوك الأجنبية. بموجب اتفاق عام 1995 مع صندوق النقد الدولي، صار على الحكومة المكسيكية أن تبيع النقل العام، والخدمات المصرفية والمالية، والسكك الحديدية والصناعات البتروكيماوية. مرة أخرى، فرض صندوق النقد الدولي سياسات على المدى القصير كلها لفائدة المستثمرين الدوليين بدلا من تلبية الاحتياجات الأساسية للمكسيكيين العاديين.
مع ذلك أفلست 12000 شركة وسقطت ملايين الأُسَر تحت خط الفقر
_____________________________________
مع انخفاض قيمة البيزو عام 1995 - جنبا إلى جنب مع ارتفاع معدلات الفائدة التي فرضها صندوق النقد الدولي بهدف جذب المستثمرين إلى المكسيك – شهدت المكسيك أسوأ كساد خلال 60 عاما. تضاعفت البطالة. أفلست كثر من 000،12 شركة مكسيكية. وسقطت ملايين الأسر المكسيكية تحت خط الفقر.
وعندما وصل الاقتصاد المكسيكي إلى طريق مسدود، بدأ صندوق النقد الدولي بإلقاء اللوم على المكسيكيين، مشتكيا من أن الأخطاء البشرية وسوء إدارة المتغيرات المالية قد أدت إلى الأزمة. محاولة صندوق النقد الدولي في تحويل اللوم في الانهيار الاقتصادي بدت لكثير من المكسيكيين إهانة ومؤامرة. فالبلاد نفّذت كل الوصفات التي فرضها الصندوق. وانخفاض قيمة البيزو، بعد كل شيء، يعود في جزء كبير منه إلى إغراق البلاد برؤوس الأموال الأجنبية على المدى القصير، وذلك الطوفان قد تضاعف تأثيره بسبب رفع القيود عن الأسواق المالية في البلاد الذي كان الصندوق قد طالب به.
صندوق النقد والبنك الدولي يعدّل الدستور المكسيكي من أجل أرباح المستثمرين الأجانب
_____________________________________________
وبالرغم من كون اقتصاد البلاد قد وقع في كماشة الانكماش، فإن المكسيك قامت بتنفيذ الركن الآخر من حزمة التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي وهو: تحرير التجارة. في عام 1994، دخلت اتفاقية التجارة في أمريكا الشمالية (نافتا) حيز التنفيذ خالقة كتلة عملاقة لـ "التجارة الحرة" بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا. تضمنت الاتفاقية العديد من "الإصلاحات" التي كان صندوق النقد الدولي قد طالب بها منذ مدة طويلة، ومن بينها إصدار قانون يسمح بالملكية الأجنبية المباشرة للشركات المكسيكية بنسبة 100%. أيضا فرضت نافتا تعديل المادة 23 من الدستور المكسيكي، التي كانت تحمي الملكية الجماعية للأراضي ، والمعروفة باسم ejidos، وتحميها من التفكك. كانت هذه المادة مصدر غضب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمدة طويلة. ألغى التعديل الدستوري الضمانات التي كانت تحمي كثيرا من الناس وتوفر لهم الأراضي، وبالتالي أُلقي المزيد من الناس في كارثة الأزمة المالية.
في السنوات التي أعقبت انهيار عام 1995، تمتعت المكسيك ببعض النمو في الاقتصاد الكلي. ولكن الفوائد لم تكن موزعة بالتساوي. فقد ارتفع عدد المكسيكيين الذين يعيشون في فقر "شديد" (يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا) إلى أربعة ملايين منذ أن بدأ تطبيق النافتا. وقد انخفضت الأجور، بدلا من أن ترتفع. فعمال الصناعة المكسيكيون اليوم يكسبون أجورا أقل بـ 10 في المئة مما كانوا عليه قبل النافتا. كانت التسعينات، تماما مثل السنوات العشر التي سبقتها، "عقد ضائع".
اليوم، بعد عقدين من اتباع وصفات صندوق النقد الدولي وسبع سنوات من تطبيق اتفاقية نافتا، لا تزال المكسيك بلدا مُعذّباً بالفقر وعدم المساواة. أغلبية المكسيكيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر. حتى البنك الدولي أقرّ بأن 15 عاما من تحرير التجارة في المكسيك لم تنجح في سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية : الصحة والتغذية والسكن والتعليم – تظهر جميع المؤشرات الرئيسية تدهورا خطيرا على مدى السنوات الـ 15 الماضية. اليوم يمكن للمرء أن لا يتحدث فقط عن عقد من الزمن الضائع، ولكن عن جيل كامل ضائع.
الآن، وبعد "إصلاحات" الصندوق زادت القروض إلى 99 مليار دولار وتم تحطيم الاقتصاد المكسكي، والعبرة لمن يعتبر
_____________________________________________
وماذا عن عبء الديون التي بدأت المكسيك تنوء تحت ثقلها منذ أن بدأ برنامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي؟ لقد صار عبء الديون أسوأ. في عام 1982، كان إجمالي الدين العام الخارجي على المكسيك هو 57 مليار دولار. في عام 1993، وصلت الديون إلى 80 مليار دولار. وبحلول عام 1997، صارت ديون المكسيك 99 مليار دولار. وتستمر ضائقة الديون هذه في إجبار المكسيك إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بأي وسيلة مهما كانت، بما في ذلك سحق الحقوق الأساسية للعمال، وعدم إنفاذ اللوائح البيئية.
وعلى الرغم من فشل هذا "الطالب النموذج" فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يزال يفرض السياسات القديمة نفسها على المكسيك. في مايو 2001، عرض البنك الدولي توصيات محددة على الرئيس المكسيكي فيسنتي فوكس لتعديل سياسات العمل في البلاد. قال البنك انه اذا ارادت المكسيك جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، فإنها تحتاج إلى زيادة "المرونة" في مجال العمالة المكسيكية. اقترح البنك أن على المكسيك إلغاء قوانينها أنظمتها بخصوص إلزامية مكافأة نهاية الخدمة، والمفاوضة الجماعية، والفوائد الواجبة للعمال، وبرامج التدريب التي ترعاها الشركات، ومدفوعات الشركات للأمن الاجتماعي ومشروعات السكن.
قال الرئيس فوكس أن هذه التوصيات تتماشى إلى حد كبير مع ما كنا نفكّر فيه". ولكن الصناعي المكسيكي الرائد، كلاوديو اكس غونزاليس، الذي رأس منظمة الأعمال الأكثر تأثيرا في المكسيك، فوجئ بخطة البنك ، وقال :
"بعض هذه المقترحات التي قدمها البنك الدولي لا تُقدّم لأكثر الدول تقدما.. فلماذا يوصون بها للبلدان النامية؟".
وسوم: العدد 663