هل تحقيق الرخاء الإقتصادي في بلد ما .. سبيل إلى تطبيق شرع الله ؟؟؟
تظن كثير من الجماعات والتنظيمات والأحزاب الإسلامية .. أنها إذا ركزت جهودها في البداية على الإقتصاد .. بأن عملت على تحسين الوضع المعيشي للشعب .. وانتشالهم من حالة الفقر إلى الغنى .. ومن الجوع إلى الشبع .. ومن المرض إلى الصحة .. ستساعدها على الوصول إلى الحكم .. وإذا وصلت إلى الحكم .. وحققت رخاءً إقتصادياً باهراً .. وزادت من الدخل الحكومي .. ستمكنها هذه من تطبيق شرع الله ...
هذه الفرضيات .. والنظريات .. والأوهام التي تتبناها تلك الجماعات .. وتعمل عليها منذ عشرات السنين .. ولاقت في سبيلها العنت .. والملاحقة .. والمطاردة من قبل أجهزة المخابرات الرهيبة .. المتوحشة .. ودخلت السجون .. والمعتقلات .. وتلقت أصنافاً رهيبة ومرعبة من التعذيب والقتل ..
هذا الطريق الذي تسير فيه تلك الجماعات .. خاطئ وغير صحيح البتة .. للأسباب التالية :
1- ليس هذا هو الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته .. بالرغم من أن كفار قريش .. عرضوا علييه من البداية أن يجعلوه ملكاً .. يأتمروا بأمره كما يشاء .. وكان يستطيع أن يحقق الرخاء الاقتصادي بسرعة كبيرة .. ويوفر عليه جهد العنت والعذاب الذي كان يتعرض له ..
ولكنه رفضها رفضاً قاطعاً .. وحاسماً .. وباتاً ..
لأنه طريق خاطئ .. لا يحقق الهدف المنشود .. من رسالته التي جاء لأجلها ..
ولأن الأرض التي يريد أن يبني عليها دعوة التوحيد .. ومن ثم دولة الإسلام .. بهذه الطريقة .. تُعتبر أرضاً هشة .. سبخة لا تتحمل هذا البناء الضخم .. الذي يجب أن يعمر آلاف السنين ..
وللدلالة على خطأ هذا المسلك ..
فقد جاء في السيرة النبوية :
( قال عتبة بن ربيعة يوما وهو جالس في نادي قريش .. والنبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش .. ألا أقوم إلى محمد .. فأكلّمه .. وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها .. فنعطيه أيها شاء .. ويكف عنا .. وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون ، فقالوا: بلى يا أبا الوليد .. فقم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي .. إنك منا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة .. والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم .. فرَّقت به جماعتهم .. وسفّهت به أحلامهم .. وعبت به آلهتهم .. ودينهم .. كفرَّت به من مضى من آبائهم .. فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها .. لعلك تقبل منا بعضها ، فقال رسول الله «قل يا أبا الوليد أسمع»، قال: يا ابن أخي .. إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا .. جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا .. سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك .. وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا .. )
( ولما رأت قريش أن رسول الله قد رفض ما عرضوه عليه قالوا له: يا محمد .. إن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك ، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا .. ولا أقل ماء .. ولا أشد عيشا منا .. فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسيِّر عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا .. وليبسط لنا بلادنا .. وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق .. )
( فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما بهذا بعثت إليكم .. إنما جئتكم من الله بما بعثني به .. وقد بلغتكم ما أرسلت به .. فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة .. وإن تردوه عليّ .. أصبر لأمر الله .. حتى يحكم الله بيني وبينكم ... )
( وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عمران بن حكيم، عن ابن عباس.
قال: قالت قريش للنبي : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك.
قال: «وتفعلون؟».
قالوا: نعم.
قال: فدعا فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا، فمن كفر منهم بعد ذلك أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة.
قال: ( بل التوبة والرحمة ).
لو كان طريق الرخاء الاقتصادي .. سبيلاً .. وسلماً إلى تحقيق الهدف المنشود .. وهو تحكيم شرع الله .. لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بتطبيقه .. خاصة وأنه جاءته العروض المغرية على طبق من ذهب ؟؟؟
وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نبذه .. ورفضه ..
فهذا يعني أنه طريق خاطئ ..
ولا يجوز لأي جماعة .. أو حزب إسلامي .. هدفه الأساسي تطبيق شرع الله .. أن يسلكه ...
2- لم يثبت في التاريخ البشري القديم والحديث .. أن استطاعت جماعة أو حزب إسلامي .. أن يحكم بشرع الله .. عن طريق الإزدهار الاقتصادي إطلاقاً ..
فها هي جماعة الإخوان المسلمون .. وهي أقدم جماعة تأسست في العصر الحديث منذ ثمان وثمانين سنة .. لم تتمكن من أن تحكٍم شرع الله .. بالرغم من أنها قدمت خدمات جليلة للمجتمع .. من الناحية الاقتصادية .. والتعاونية في بلدان عديدة .. وتبوأ بعض أفرادها مناصب حكومية عديدة .. بدءً من دخولهم للبرلمان .. واستلامهم حقائب وزارية عديدة .. ثم وصولهم إلى رئاسة الجمهورية في مصر ..
وها هو حزب إسلامي آخر .. مضى على استلامه الحكم ثلاثة عشر عاماً .. أحدث تغييراً هائلاً في المجتمع على جميع الأصعدة .. وزاد الدخل الفردي .. والدخل الحكومي أضعافاً كثيرة ..
ونقل البلد من دولة فقيرة متخلفة .. إلى دولة غنية ومتقدمة .. وسمح بحرية الرأي .. وحرية التدين .. وحرية التمسك بالعفاف والفضيلة .. مع حرية التعري .. والخلاعة .. والفجور ..
وما استطاع أن يغير مادة واحدة من الدستور ..
وبقي الحكم علمانياً .. لا يؤمن بالدين .. ولا يعترف أصلاً دستورها بالإسلام .. بالرغم من أن شعبها معظمه مسلمون ..
بل الأدهى من ذلك .. أنه حتى قانون الأحوال الشخصية .. من زواج .. وطلاق .. وميراث .. فإن الحكم يتم حسب الشريعة البشرية .. علماً بأنه حتى في الدول المحكومة بحكام مستبدين .. فإن الأحوال الشخصية تتم حسب الشريعة الإسلامية ..
3- إن تحقيق الرخاء الاقتصادي قبل إيجاد الضوابط الدينية .. والشرعية .. وتحكيم شرع الله .. مدعاة إلى مزيد من الفساد .. وإشاعة المنكرات .. والفواحش .. والرذيلة ..وانطلاق الناس كالبهائم .. تتسابق نحو الشهوات .. والملذات .. بدون أية قيود .. أو رادع من ضمير .. أو وجدان .. أو خشية من رب العالمين .. أو خوف من القانون ..
وقد ذكر الله تعالى هذا الشئ في كتابه العزيز :
( وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ ) الشورى 27
إذن ما هو الطريق الصحيح .. السليم لتطبيق شرع الله ؟؟؟
هو :
نفس الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
1- تشكيل جماعة مسلمة .. ذات عقيدة راسخة .. قوية .. وقاعدة صلبة ..
2- الإنطلاق بهذه الجماعة القوية .. للجهاد في سبيل الله .. لتطبيق شرع الله بالقوة .. وليس عبر صناديق الإقتراع المزيفة ..
تصديقاً لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ .
وهذا حديث صحيح في البخاري ..
وسوم: العدد 667