ضم جبهة النصرة للهدنة ، جنيف 4 على الأبواب ؟

 

بات من الواضح أن هدف كل من روسيا وإيران و الجناح المتطرف "للنظام" السوري وبغطاء أمريكي مؤقت هو العمل على استعادة حلب بالقوة ففي استعادتها تصبح باقي المحافظات التي خرجت عن سلطة النظام مجرد تفاصيل إن ضمن الروس والإيرانيون وجود العاصمتين السياسية والإقتصادية دمشق وحلب تحت سلطة النظام (بالشكل)إلى جانب أن استعادة حلب تعني توجيه ضربة لتركيا وقطع طرق الإمداد عن المعارضة نظراً للموقع الاستراتيجي لحلب البوابة السورية نحو أوربا.

إن استثناء جبهة النصرة من الهدنة يفسر أحد أسباب و مبررات الحرب على حلب رغم ضعف ومحدودية حضور جبهة النصرة فيها وتركزه على ريف محافظة إدلب فالهدف الأساسي هو فرض الحل (تسوية) السياسي بالقوة العسكرية وفرض الأمر الواقع لضمان مصالح الروس والأمريكيين في المرحلة الانتقالية بعد الأسد بمعنى الدفع نحو الاستسلام وليس السلام.

جبهة النصرة غير موجودة في مشفى السكري  أو غيرها من المشافي ولا في بيوت المدنيين العزل والأبرياء الذين يدفعون فاتورة الدم والدمار وهم المستهدفون عشوائيا بالقصف الجوي الروسي ـ السوري لأن الهدف من هذا الضربات سواء في حلب أو غيرها هو دفع الحاضنة الشعبية للمعارضة وبالقوة للكفر بالثورة والقبول بالهدن المحلية والقبول بأي تسوية للنزوع والجنوح نحو الخنوع والتوجه نحو نداء طلب الخلاص فقط لوقف العنف والدم والدمار والتجويع فاستخدام ضرب العامل المدني موجه لضرب الحاضنة الشعبية بل إن هناك جهوداً لبعض الأشخاص يعملون على إستمالة بعض القادة العسكريين المنشقين وقادة بعض الفصائل في الداخل وإغرائهم (ابتزازهم) بوقف القصف الروسي على مناطقهم  إن تعاونوا……!!

من الجيد بل من الضروري والملح تشديد مجلس الأمن الدولي حول حماية المستشفيات وهذا تطبيق للقانون الدولي الإنساني ولكن ماذا عن حماية ملايين المدنيين في حلب وغيرها سواء كانوا في مناطق الخاضعة للنظام وحلفائه أو المناطق التي فقد السيطرة عليها ؟

لم يفهم ولم يتقبل بعد الأسد وميليشياته  وحلفائه فكرة أنهم عاجزين عن استعادة السيطرة على بلدة صغيرة مثل داريا في ريف دمشق الغربي وما زال  المعتوه يحلم باستعادة السيطرة على سورية.

بعد نحو أسبوعين من الحرب على حلب تبين لأطراف العدوان شبه استحالة استعادتها مع تفاعل الرأي العام الدولي مع الحملات التي شنها النشطاء بالتزامن مع فتح الإعلام الغربي النار حول علاقة نظام الأسد بداعش (تحقيق قناة سكاي نيوز) ومقارنة بين هولوكست هتلر وهولوكست الأسد (في مقال طويل في نيويورك تايمز) دون أن ننسى أهمية الوثيقة المصورة (فيديو) التي تثبت انسحاب داعش من منطقة الضمير في ريف دمشق بحماية من قوات الأسد وطيرانه المروحي.

استمرار القصف على حلب أو قصف و استهداف مناطق سورية أخرى  بحجة استهداف جبهة النصرة (معلومات تشير إلى استعدادات لعمليات مكثفة ضد الغوطتين في ريف دمشق) سيهدد بانهيار كامل للهدنة وسيغلق الباب أمام فرص التوصل للحل السياسي بل ستقيد المفاوضين عن الذهاب والحج إلى جنيف مرة جديدة وحتى ولو ذهبوا تحت الضغط فإنها ستكون دون قوة شعبية مساعدة إن لم يتم تطبيق حقيقي لوقف إطلاق النار وتحقيق الهدنة وإرسال مبعوثين دوليين لمراقبة احترامها.

لو تم طرح فكرة أن تشمل الهدنة  جبهة النصرة وفق شروط ومعايير وأطر محددة لربما سيدفع ذلك الأطراف الداعمة للنصرة (التي ربما تنتظر مثل هذه المبادرة) لإعادة النظر والمساعدة في إنجاح فرصة الحل السياسي  وهذا لا يعني على الإطلاق أنه على روسيا أو غيرها تغيير الموقف من جبهة النصرة فهدف تحقيق الحل السياسي يتطلب رؤية واضحة على مستوى الاستراتيجيا والتكتيك للحل لكن التحجج بالنصرة في حلب هو دليل على الرغبة بالاستمرار في خلق الذرائع والإعاقات للحل.

كل ملفات الإعاقة لكسر إرادة السوريين فشلت بدءاً من العسكرة والأسلمة والإفساد بالمال السياسي والوصايات الخارجية وفشل كل أنواع العدوان والتدخل العسكري الإيراني وأدواته من حزب الله والميليشيات الشيعية المتطرفة من العراق وأفغانستان وغيرها ومرتزقة من جميع أنحاء العالم وملف النصرة وملف داعش وأخواتها وملف سياسة الحصار والتجويع جميعها فشلت كملفات إعاقة ولم ولن تتمكن من إعادة المارد الشعبي المقموع  للقمقم وهذا يضع القوى الإقليمية والدولية أمام تحديات كبرى وخطيرة غير مسبوقة.

لقد أعطت المعارضة بكل أشكالها وألوانها موافقتها على الحل السياسي بناء على مبادئ جنيف ودخلت في المفاوضات والمباحثات رغم أن بعض الأطراف كانت تراهن على أن المعارضة لن تذهب إلى جنيف ومع ذلك أبدى جميع المشاركين في جنيف من جانب المعارضة مرونة وليونة للوصول إلى حل عادل إلا أن جنيف 1 و2 و3 فشل في نهاية كل جولة وكانت معظم المواقف الدولية تشير إلى أن سبب انهيار المفاوضات هو تعنت الجناح المتطرف للنظام وعدم احترام الهدن إلى جانب أن من دفع لعقد جنيف خطط أيضاً لفشله.

لا حل ممكن في سورية  إلا إن كان قائماً على مبادئ جنيف وعلى رأسها تشكيل هيئة الحكم الانتقالي و بكامل الصلاحيات وليس حكومة شراكة مع أركان حكم الأسد ولن ينجح أساساً أي حل يفرض بالقوة حتى ولو استمرت الحرب لعشرين سنة قادمة.

لا يمكن أن يكون هناك حرب وهدنة في آن واحد وهذا ضرب من الخيال والتذاكي واستغباء للرأي العام ومن الحروب المستحيلة وهناك مشكلة حقيقة في عقلية إدراك الحدث ولم تدرك كل الأطراف أن ما يحدث في سورية حركة مجتمع عميقة ستنسف كل ما يفرض عليها وأن الحل الذي يفرض بالقوة مجرد أوهام وأحلام وأن الأسد وحلفائه لن يستعيدوا حلب فقاعدة الاستثمار الإقليمي والدولي في إدارة الحرب في وعلى سورية قائمة أساساً على مبدأ لا غالب ولا مغلوب ، لا منتصر ولا مهزوم وحققت هذه الاستراتيجية الكثير الكثير من أهدافها.

الروس ليسوا أمام أفق مفتوح للحل وبدؤوا بخسارة كل روافعهم مع المعارضة وإن استمرت موسكو في سياستها فهي تدفع بالجميع نحو التصلب والتشدد وستخسر حتى أوهى خيوط  الاتصال مع المعارضة وهذا دون شك يهدد مستقبلها في سورية والمنطقة وعلى روسيا أن تدرك أن الغطاء الأمريكي الحالي هو غطاء مؤقت وغير مستدام ولن يطول كثيراً لا سيما وأن الإدارة الأمريكية التي تفقد أيضاً روافعها مع المعارضة مقبلة على استحقاقات داخلية ودون شك فإن أوباما أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة وبعد رحيله عن سدة الرئاسة سيبقى حاضراً لعقود في ذاكرة السوريين كشريك في القتل وسفك الدم السوري.

روسيا تمتلك الكثير من الأوراق الرابحة ولعبت بذكاء وخبث ودهاء ويمكنها الانتقال من السلبية نحو الإيجابية والتحول من طرف في الحرب إلى وسيط ولاعب يمتلك الكثير من القوة والنفوذ في محيط و موالاة الأسد إن كانت موسكو تنظر بعقلانية نحو مستقبلها في المنطقة.

الزمن المفتوح الآن أمام الروس ليس إلى ما لا نهاية لأنه يتغطى بموقف أمريكي نابع عن رغبة أمريكية في الضغط على المعارضة لمزيد من التنازلات وإن وجد الروس الآن آذاناً صاغية فهي بسبب الغطاء الأمريكي المؤقت لا أكثر وهذا لن يستمر كثيراً.

مع اقتراب الإعلان عن جنيف 4 إن كان هناك إرادة فعلية للحل السياسي فإنه يمكن الوصول إلى نتيجة وبحث كل الملفات مع المعارضة الفاعلة بما فيها ملف جبهة النصرة والحرب على داعش ومكافحة التطرف والإرهاب لكن المشكلة أن هناك رغبة بفرض الحل السياسي بالقوة وهذا لا يدل على حسن نوايا ولا يمكن فصل القوى المسلحة على الأرض بهذه الطريقة التي تجري في حلب.

الهدن الهشة المحلية والمناطقية التي عمل عليها نظام الأسد بالتعاون مع إيران وأدواتهم كانت دليل ضعف وإنكسار و إلا لما كانوا هادنوا أي منطقة  لو كان ميزان القوة في صالحهم.

الهدنة التي عمل على فرضها الروس والأمريكيون لن تنجح وستذهب أدراج الرياح ولن تسقيم وتستديم إن لم تترافق مع اتساع لزوايا الرؤية ومع إرادة حقيقية لإنهاء المأساة السورية بحل عادل يقبل به كل الشعب السوري.

إن داعش في سورية لن ينهيها ويجتثها من جذورها سوى السوريين أنفسهم ولن تعرف المنطقة والعالم الأمن والاستقرار إن لم تتعافى سورية  وتستعيد أمنها واستقرارها وفي إطار وحدتها الوطنية والترابية.

فهد المصري

منسق مجموعة الإنقاذ الوطني

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حول سورية

وسوم: العدد 667