كيف ننتصر؟ وسبيل السلام

عبد الله المنصور الشافعي

عبد الله المنصور الشافعي

بسم الله الرحمن الرحيم 

قال الله تعالى آمرا عباده (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال سبحانه محذرا (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) صدق الله 

وجاء في أثر ابن مسعود "يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله عز وجل الذي أمر به وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة" وقال النبي (ص) "إنما أهلك من كان قبلكم من الأمم اختلافهم في الكتاب" وإنما ذكر الكتاب وهو بمعنى القانون العام الجامع فليس كل الأمم قبلنا كان لها كتب, وقال "إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد" وقال "ثلاثة لا يغل عليهم صدر مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة لأولي الأمر منهم ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من وراءهم" أي العمل بهذه النصيحة سبب صلاح القلوب والأمور وعموم الخير على المسلمين فمن أخلص ونصح ولزم, أفلح وأفلحوا وإن دعوا الله أو دعوا بمبادئهم فعملوا عمت بركة دعوتهم الأمة كعموم الغيث. والدعوة هنا تحتمل الدعاء وتحتمل طريقتهم وعملهم كمن يدعو إلى شيء وكلاهما مراد .

إن المُصارع إذا شغل أو أصيب في أحد أعضائه وآلاته وهو يغالب صنوه يوشك أن يهزم وإننا في الشام فرقا على طرائق قددا وإننا في معركة مصيرية وإن الغاية الأولى من الشريعة كما قال العز بن عبد السلام هي تقديم الأصلح للعباد في جلب المصالح ودرء المفاسد, وهذا يتطلب حتما تقديم الأهم وإلغاء المهم عند التزاحم ودفع الأفسد بالفاسد عند التصادم ومن سعى لرقي سطح بغير درج فهو واهم, وقد خلق الله تعالى الكون في ستة أيام ولو شاء لخلقه بكن ولا تسبق الكاف النون وقام نبي الله يدعو إلى الله 13 عاما في مكة وهو المؤيد بجبريل ولو شاء لأمره فرفع عليهم الأخشبين وحالف النبي (ص) مقدمه المدينة يهودا وجعل سكان المدينة أمة دون الناس وفيهم يهود وأهل كفر ونفاق وهو في فترة بلاغ, وغدرت به يهود فلزمه ابن أبي سلول وأخذ بثوبه وأبى أن يتركه حتى تمعّر وجه النبي في 700 محارب من أهل الغدر من يهود كانوا أولياء ابن سلول أن يطلقهم له فلم يأمر (ص) بقتله ولا كفّره ولا سبه ولا خوّنه بل وهبهم له وقال له :"هم لك"! تأليفا لابن أبي سلول ومن خلفه وتوطيدا لأمن مجتمع المدينة وسلامته من الفتن وبناءً على قاعدة ترجيح المصالح وتخفيف المفاسد.
 إن الأمم الأوربية كانت تستأصل كل فرقة دينية مخالفة لمذهب الملك وعموم الشعب ولن أذكر محاكم التفتيش بل كان هذا نهجهم حتى مع أهل ملتهم فقُتلت البروتستانت في باريس والكاتوليك في انكلترا ثم البروتستانت في عهد "ماري النار" ثم اجتثت الكاتوليكية وكذلك في ألمانيا التي خسرت ثلث سكانها ثم تواضعت أوربا على العلمانية كحل وحيد يجمع أفراد المجتمع الواحد, ولما كان الإسلام قد جاء بقانون (لا إكراه في الدين) وب(لكم دينكم وليْ دين) فلم يكن في الإسلام قهر على الدين بدليل وجود الطوائف إلى اليوم بل إن سليمان القانوني لما هزم شيطان جبلة وأراد استئصال الحشاشين (النصيرية) لكثرة فسادهم نهاه أهل جبلة أنفسهم فكف عنهم رحمه الله ومعلوم مواقف علماء الشام من حوادث عام 1860 حين فتحوا أبواب بيوتهم للمسيحيين لحمايتهم من الدروز والعكس.

فكلامي أوجهه للجميع سلفية وإخوان وعلمانية وطوائف أوليس أولى بالعاقل تحصيل الأصل وإن كان مثلوما ناقصا -بظنه- من ضياع الأصل كله ؟ أوليس أن تعود الشام حرة يحكم فيها بالعدل ويراعى فيها أحكام الإسلام جملة خير من أن تكون خلافة أو لا تكون ؟ مع العلم أن الخلافة تحتاج لتكون مثالا يحتذى به ويتألف أمم العالم كما كان الحال في عهد عمر بن عبد العزيز مثلا إلى النهوض بالإنسان وتحريره من قيوده وتطهيره من رواسب وآثار عصور التخلف والجبر والديكتاتورية وإلا فإن هذه الخلافة تضر ولا تنفع وتنمحق ولا تينع, فعلى من تريدون إقامة دولة الخلافة الراشدة ؟ فهاهم نحو مليون شخصا في حماه -بله من تجشم السفر والمخاطرة من تركيا- صوتوا جميعا ليس لبشار بل للتأكيد على قبولهم بالخضوع والاستسلام لصانع السلام وهادم الشام ! فهل على هؤلاء وأمثالهم تقام دولة تكون إسوة في الأخلاق والسيرة للعالم ؟ لأننا لن نقدر على أن نكون نبراسا للأمم في شيء من علوم الأرض فقد سبقنا سبقا شديدا ولكن بالأخلاق والحق والصدق والإحسان وجملة هذا لا يشيد بنيانها إنسان شوهته مفاسد الطغيان والظلم والجبروت على مر العصور, فضلا عن أننا نفتقد حتى لعمر فمثل عمر يولد في بيئة سليمة لا وبيئة فإن كل سلوك شاذ أو إنسان لا جرم من حال شاذ كان من قبل أن يكون . أما معاشر العلمانية والطوائف السورية فقد حرصوا منذ البدء على إفساد كل مشروع فيه الحسم خشية حكم الإسلام بزعمهم ولطالما حذرت والله شهيد ومنذ آيلول 2011 من أن الذي تخشونه من الحسم أهون من التراخي ففيه الدمار والتطرف وعِظم الشقة والخلاف, وأما الإخوان فإني لا أشهد إلا بما علمت وماعلمت عنهم فأقاويل تنسبهم للاستبداد وظاهرهم غير ذلك فمن يقدم غليون لا يكنه, ولكني أراهم أيضا أساؤوا من حيث فقدانهم للتأثير الصحيح فهم لم يزيدوا المعارضة قوة ولا حزما بل كانوا كما العلمانيون كانوا, فلا هم عملوا من خلال وسطيتهم على جمع الفرقاء والتقريب بين الأطراف بطريقة حاسمة ذكية من قبل ولا من بعد, فإن لم يتنازل كل حزب وفريق ويتراجع قليلا في حدوده لنظيره الذي يتراجع بدوره عن قدر مساو حتى يكون ثمة مساحة مبنية تؤوي الجميع فلن تكون لنا قائمة والعدو سليط وإن قامت فلن تكون ونحن جميع بل سيقتل بعضنا بعضا ويكيد, لذا فإني أهيب بكافة الفرق والأحزاب ليتداعوا إلى مؤتمر وطني يتفق فيه على الهدف والسبيل يضم الجميع من الداخل والخارج من سلفي إلى علماني تُغَلّقُ أبوابه ولا يخرج منه قبل الاتفاق أحد إلا سلمت رقبته لداعش وعرضه للحطيئة.