هل أطلق سليماني كلابه على الصدريين؟
" الإرهاب في مدينة الصدر، له هذه المرة دين ومذهب وجنسية ورائحة وطعم واضح".
لم تكن التفجيرات الإرهابية التي إستهدفت مدينة الصدر بمفاجأة للمطلعين على المشهد العراقي، فقد جرت العادة عندما تصطدم الأحزاب السياسية الحاكمة فيما بينها وفقا لأجنداتها الخاصة، تبدأ على الفور حلقات مسلسل التفجيرات في بغداد وبقية المحافظات، وقد ألقى النائب ممثل محافظة المثنى الضوء على هذا الأمر بقوله " لدينا معلومات مؤكدة تفيد بأن عجلات تابعة لجهة امنية رافقت السيارتين الملغومتين اللتان انفجرتا يوم 10/5/2016 قرب كراج للسيارات في السماوة وأسفرتا عن استشهاد واصابة العشرات من المدنيين". مما يعني أن هناك قاسم مشترك بين التفجيرات الإرهابية من جهة والخلافات بين الأحزاب الحاكمة من جهة أخرى يدفع ثمنها الأبرياء من أبناء هذا الشعب المقهور والساكت عن مصيبته، ولا يوجد تفسير مقبول أكثر من هذا.
أما التفجيرات اللاحقة التي إستهدفت مدن الكاظمية والجامعة فأنه ليست أكثر من محاولة فاشلة للتغطية على تفجيرات مدينة الصدر، سيما انها إستهدفت مناطق أما أغلبية سكانها من الشيعة أو من السنة. إن خروج البعض من التيار الصدري عن الخطوط الحمراء بالتأكيد ستثير غضب نظام ولاية الفقيه سيما أن الشعارات إستهفدت هذه المرة شخص الجنرال سليماني نفسه أي القائد الفعلي للعراق. ثلاثة شعارات مدمرة أرقت نظام الملالي "ايران برة برة"، " انا العراقي اني خل يطلع الايراني" و" أنا الصدر رباني اسمعني يا سليماني". والمصيبة ان هذه الشعارات رددها أهل الجنوب من الشيعة المحسوبين على نظام الملالي أصلا! لذا وكان لا بد من إتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة أمام هذا التيار المفاجيء. حتى يثبت نظام الملالي للولايات المتحدة أولا ودول الخليج ثانية بأن العراق لا يزال بقبضتها الحديدية، لذا سارعت في تفعيل ردة الفعل من خلال عدة خطوات.
أولهما: خروج جماعات من اتباع ولاية الفقية (ميليشيات حزب الله وبدر والخراساني وعصائب أهل الحق) في إستعراضات طافت شوارع بغداد والمحافظات ترفع العلم الإيراني بكل وقاحة وصفاقة. مع تهديدات واضحة من قبل زعماء هذه الميليشيات لمن يتجرأ على الطعن في ولاية الفقيه.
ثانيا: صدور تصريحات رسمية تشدد على أهمية الدور الإيراني في العراق من قبل القادة الشيعة والأكراد وجحوش أهل السنة في البرلمان والحكومة، سيما بعد زيارة وزير المخابرات الإيراني محمود علوي للنجف ولقاءاته بالمراجع الشيعية العليا ومناقشة الأوضاع الأمنية معهم.
ثالثا: إهانة الصدر من خلال قطع خلوته المزعومة رغم أنفه، وكشف حقيقة أنه لا يستطيع ان يخرج عن إرادة الولي الفقيه حتى لو كان في منتصف طريقه للحج لبيت الله الحرام. علاوة على إستقباله المهين إبتداءا من ركوب الطائرة الإيرانية ووصوله المطار والإنتظار الطويل خلال اللقاءات مع المسؤولين الإيرانيين، مع إنهم حاولوا ان يشفعوا له بعد الإعتذار منهم، وتعهده بعدم تكرار الهفوة، وإدعائه ان مندسين بين المتظاهرين هم من رددوا تلك الشعارات، فأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا تدعي فيه بأن الهدف من زيارته هو لقاء أقاربه، وتبدو الحجة مثيرة للضحك، فما شأن وزارة الخارجية بزيارته لتصدر بيانا؟ ثم لماذا ترسل له طائرة خاصة لزيارة شخصيىة؟ وكيف قرر الصدر الإعتكاف وهو مشتاق لزيارة أقاربه لهذا الحد القاطع؟ الا يمكن زيارة الأقارب بعد الإعتكاف؟ مع ان الإعتكاف نفسه هو جزء من مسرحية سخيفة من ناحية الزمان والمكان والظرف. الظرف الحالي في العراق يحتاج الى ظهور وطني وليس إعتكاف ذليل.
رابعا: الردع الحاسم من خلال توجية ضربة موجعة للتيار الصدري من خلال التفجير، فقد أطلق الجنرال سليماني كلابه كما وعد عندما هدد الصدر بقوله: أما أن تجمع كلابك من الشارع أو أطلق عليهم كلابي". المهم ان المهاجمين والمدافعين في نظر الجنرال سليماني كلاهما كلاب! أما السبب فهو لأن الطرفين من العراقيين.
الحقيقة لا يمكن تجاهل المواقف السابقة والمرافقة للتفجير الإرهابي في مدينة الصدر. علاوة على تهديد سليماني السابق الذكر. فقد هدد علي أكبر ولايتي احد كبار مستشاري المرشد الإيراني الاعلى في 7/5/2016 بأن أية قوة لا تستطيع ازاحة رؤساء الجمهورية فؤاد معصوم، والحكومة حيدر العبادي، ومجلس النواب سليم الجبوري من مناصبهم، لافتا الى ان الحشد الشعبي سيتصدى للاطراف غير المسؤولة التي تثير بعض الاضطرابات والقلاقل في الساحة العراقية. ومن المعروف ان التيار الصدر قد طالب بتنحية الرئاسات الثلاث قيل ان يتنازل عن هذه المطلب ويركض وراء كابينة التكنوقراط. كما أن قول لارجاني بأن الحشد الشعبي (كلاب سليماني) ستتصدى للأطراف المثيرة للإضطرابات يجعل مسؤولية التفجير من حصة الحشد الشعبي، سيما إن الأنفجار تم عبر سيارات مفخخة وليس إنتحاريين.
من جهة أخرى سبق هدد أقزام إيران في العراق التيار الصدري من مغبة التمادي في مطالبهم وتحركاتهم، فحدثت نزاعات مسلحة بين انصار التيار الصدري من جهة وعناصر من ميليشيات العصائب وبدر والخراساني من جهة أخرى في عدة أحياء داخل بغدتد بشأن تقاسم النفوذ، في حين تقف وزارتا الدفاع والداخلية متفرجتين على صراع النفوذ! أما تصريح المالكي" نحمل من ساهم بارباك الاوضاع السياسية مسؤولية التفجيرات" فإنه يمثل الحماقة في أوج قمتها. بلا شك بأن كل واحد من زعماء الميليشيات يحاول ان يظهر نفسه بأنه سيد الشارع العراقي بإستثناء رئيس الوزراء حيد العبادي الذي سمح لهذه الميليشيات بالتمدد والتسلط فباتت كالبعبع تخيفه أكثر داعش لأنها أقرب له. والطريف في الأمر إنه يدعي بلا حياء بأن هذه الميليشيات تذعن لأوامره!
إن هذه التفجيرات هي بحق درس بليغ لشيعة العراق، بأن نظام الملالي لا يشتري شيعة العراق بزبانة ولا شيعة إيران أيضا ولنا في عرب الأحواز ومجاهدي خلق أسوة حسنة فهم من شيعة إيران ايضا. عندما تصطدم مصالح نظام الملالي مع قيمهم المقدسة فأنهم يتخلون عنها بلا أدنى تردد. منذ الغزو الأمريكي الغاشم لم يخرج مقتدى الصدر ولا تياره من جلباب الولي الفقيه في إيران، كان يتبع أوامره بحرفية تامة، ونفذ أكبر مجزرة بشرية عام 2006 بعد أن فجر نظانم الملالي العتبات المقدسة ولبست التهمة من قبيل عبيد ولاية الفقية برقبة أهل السنة الذين حافظوا على مكانة هذه العتبات طوال إثنى عشر قرنا. ومع ظهور الحقيقة في باريس خلال التجمع السنوي لمجاهدي خلق، لم يطالب جحوش أهل السنة في البرلمان والحكومة ولو إعتذار عن ضحاياهم الأبرياء، ولم يقدم زعماء الميليشيات إعتذار لأهل السنة عن الضرر البليغ الذي لحق بهم. مع هذا مجرد ثلاثة هتافات أطاحت بمكانة الصدر عند نظام الملالي.
المسألة التي تثير الحيرة هي إدعاء تنظيم داعش بأنه يقف وراء التفجيرات، مع إن بعض التفجيرات لا علاقة له بها كما أثبتت التحقيقات، فهو يقدم بزعمه الكاذب خدمة كبيرة للحكومة وأجهزتها الأمنية، لأنه يبرأ ساحة الميليشيات الإرهابية الشيعية من مسؤولية التفجيرات التي تقوم بها، وبالتالي يقع أهل السنة الأبرياء ضحايا للإنتقام من قبل عناصر الميليشيات الشيعية كما حصل في المقدادية وأطراف بغداد. كما إن إصرار تنظيم داعش بمسؤوليته عن التفجيرات الإرهابية التي يقوم بها غيره لا يمكن تفسيرها إلا في صالح الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، وهذا موضوع يستحق التركيز عليه. ربما يرى التنظيم ان تحمله مسؤولية ما يقوم به الغير من تفجيرات إرهابية يخدم أجندته في إثبات انه يمكن أن يصل الى أبعد نقط وأحصن تقطة في العراق، مما يعني هشاشة الوضع الأمني وفشل مساعي الأجهزة الأمنية وخططها الأمنية، لكن تكلفة هذا الإدعاء باهظة، والثمن يدفعه الأبرياء. كما ان التنظيم فشل اصلا في الوصول الى المنطقة الخضراء والوزارات الحساسة والمؤسسات الأمنية الأخرى، كما فشل في إستهداف كبار المسؤولين، وهذا يبطل حجته في إمكانية وصوله الى أحصن منطقة في العراق.
من جهة أخرى، أن تصريحات حاكم الزاملي رئيس اللحنة الأمنية كانت واضحة في تحميل مسؤولية التفجير لجهة محددة بقوله" ان من قام بالتفجيرات هم الذين عارضوا الاعتصامات وهددوا التيار الصدري، وان التيار الصدري وجماهيره يدفعون ثمن موقفهم". وهناك علامات تثير الإهتمام منها ان الزاملي نفسه جمع تواقيع لاكثر من 70 نائبا لاستجواب وزير الداخلية محمد الغبان (من قادة ميليشيا بدر وهي من تشكيلات الحشد الشعبي) وذلك قبل أحداث مجلس النواب، بسبب فشله في إدارة الملف الأمني، وهذا ما أزعج ميليشيا بدر. كما أن وزير الداخلية قام بحملة كبيرة في مدينة الصدر سحب خلالها (3000) قطعة سلاح من المدينة قبل تنفيذ الهجوم الإرهابي. علاوة على سحب الكثير من منتسبي الداخلية وتوزيعهم على محيط منطقة الخضراء ومداخل بغداد بحجة التظاهرات. صرح القيادي الصدري( فاضل الساعدي) لمراسل شبكة الخليج أونلاين في14،5/2016 بأن" رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالوقوف خلف التفجيرات التي وقعت في عهد ولايته، وأن أتباعه ما زالوا حتى الآن ينفذون تعليماته، بتنفيذ هجمات إرهابية ضد الأبرياء" منوها بأن "جهاز مكافحة الإرهاب اعتقل قبل أشهر عدداً من المسلحين كانوا يخططون لتفجير سيارات في عدد من مناطق بغداد، من بينها مدينة الصدر، واتضح بعد التحقيق أن هؤلاء القتلة يقف وراءهم نوري المالكي، وتعرض الجهاز لضغوطات كبيرة للإفراج عنهم وعدم الإفصاح عن المعلومات".
كما ان وزارة الداخلية قامت أعلنت نفيرا لعناصرها مؤكدة وصول معلومات إستخبارية تشير الى تفجيرات سيقوم بها داعش في بغداد، وذلك قبل التفجير الإرهابي في مدينة الصدر بيوم واحد. ويبقى السؤال المهم: ما هو دور (40000) جهاز كشف متفجرات و(40) جهاز لكشف السيارات المفخخة في وزارة الدخلية؟ وكيف نفسر إستهداف مدينة الصدر مرة أخرى خلال إسبوع رغم تشديد الإجراءات الأمنية؟ وهل يصعب حقا حصر التفجيرات ومعرفة من يقف ورائها وكذلك بقية الجرائم الأخرى كالقتل والإختطاف والتسليب؟ هاك طريقة سهلة لا تقبل التعقيد، وهي منع أي عجلة تسير في شوارع بغداد والمحافظات بلا لوحة تسجيل بما فيها العجلات الرسمية والحشد والميليشيات وسوف تُكشف الجهة التي تقف وراء هذه العمليات الإجرامية؟ هل يصعب هذا على الحكومة؟ أم هناك تغافل مقصود ونية سافلة، طالما أن الأبرياء هم من يدفعوا الثمن؟
وسوم: العدد 669