صندوق النقد والبنك الدولي وتدمير اقتصاد الفلبين 100

كيف حول البنك الفلبين من بلد مصدر للأرز إلى مستورد له؟(100)

(أصبحت محاولات مانيلا اليائسة لتأمين إمدادات الأرز لسكانها مهما كان الثمن عنوان الصفحات الاولى من الصحف، وأصبحت صور الجنود المستنفرين لتوفير الأمن عند لتوزيع الأرز في المجتمعات الفقيرة رمزا لأزمة الغذاء العالمية. ومع ذلك كان هذا البلد حتى وقت متأخر من عام 1993 مُصدّرا صافيا للغذاء ، ولم يكن يستورد سوى كميات صغيرة بين وقت وآخر. ما الذي حصل وجعل هذه البلاد تنزلق إلى مصيدة تبعية أكبر وأكبر في استيراد الأرز والواردات الزراعية الأخرى؟ إنّها برامج صندوق النقد وابنك الدولي)

الباحث الاقتصادي

إريك توسيه

(تُقدّر منظمة أوكسفام الدولية أنه في الفلبين وحدها، فإن التخفيضات التي فرضها صندوق النقد الدولي في الطب الوقائي سوف تؤدي إلى 29000 حالة وفاة بسبب الملاريا وبزيادة قدرها 000،90 في عدد حالات السل غير المُعالجة. (اليس من المفروض أن محاكم التحقيق في "الجرائم ضد الإنسانية" تراعي ذلك وتقوم بالتحقيق مع ذئاب الصندوق في هذه الجريمة!).

الباحث الاقتصادي

مارتن كور

(السحر الذي وعدوا به لم يعمل. كان كل ما تحقق من ضربات برامج التكيف المفروضة من صندوق النقد الدولي وتحرير التجارة المفروض من منظمة التجارة العالمية هو التحول السريع من اقتصاد زراعي كان مكتفيا ذاتيا إلى حد كبير إلى اقتصاد قائم على الاستيراد الواسع والتهميش المستمر لصغار المزارعين. لقد كانت عملية موجعة، والألم الذي اعتصر مفاوض الحكومة الفلبينية خلال واحدة من دورات منظمة التجارة العالمية في جنيف انطلق بقوة من خلال خطابه: "قطاعنا الزراعي الذي تعتمد عليه استراتيجية الأمن الغذائي وسبل العيش وفرص العمل في الريف، تم بالفعل تدميره من خلال ذبح صغار المنتجين لدينا بسبب ما يعانونه من ظلم صارخ في البيئة التجارية الدولية. وحتى وأنا أتكلم أمامكم، يُذبح لدينا صغار المنتجين في الأسواق الخاصة بنا بلا رحمة).

الباحث الاقتصادي

إريك توسيه

 

المحتوى

_____

(تمهيد -  نبذة تاريخية موجزة - الصفاء الأمريكي لا يدوم دون الركوع : بدأ مخطط التبنك والصندوق في تخريب اقتصاد الفلبين - هجوم موحد من قبل الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي - إلغاء أي تشريع اقتصادي لصالح اقتصاد الفلبين ويزعج الشركات الغربية - وزير الدفاع الأمريكي الذي دمّر فيتنام يصبح رئيسا للبنك الدولي ويبدأ بالعناية بالفلبين !! - الصندوق والبنك يدعمان الدكتاتورية في الفلبين علناّ - البنك يزيد القروض للدكتاتور برغم الفساد والاحتجاجات الشعبية - لا خلاص من دين صنوق النقد حتى الموت - من كل 100 بيزو يحققها اقتصاد الفلبين يُدفع 55 منها لسداد الديون !! - في ظل الرئيسة أكينو: المزيد من القروض والمزيد من الخراب - صندوق النقد الدولي يحوّل الفلبين من مصدّر للأرز إلى مستورد له - تفاصل خطة صندوق النقد والبنك الدولي لخلق أزمة الرز في الفلبين - تدمير بيئة الفلبين: 7000 جزيرة ممطرة حوّلها البنك الدولي إلى أرض شبه جرداء - حالة غريبة: الفلبين بلد جائع يتعهد بإطعام شعب السعودية !! (شراء وتأجير الاراضي الخصبة من قبل الدول الغنية هل سيحصل في العراق؟) - تدمير القطاع الصحي -  صندوق النقد الدولي يدمّر الفلبينيين ثم يشمت بهم ويتخلى عنهم - مصادر هذه السلسلة من الحلقات)

 

تمهيد

_____

لا ينتهي مسلسل الخراب الذي سبّبته مؤسسات الشيطان الأمريكي (مؤسسات بريتون وودز) المالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، لاقتصاديات البلدان النامية خصوصا . أكثر من 100 دولة قام هذان الشيطانان بتدمير اقتصاداتها وتحويلها من شعوب منتجة إلى شعوب مستوردة فقيرة تعاني الجوع والفاقة والمرض والجهل مقابل مصادرة ثرواتها الوطنية إلى الأبد وتكبيلها بالقروض حتى الموت . إلى الآن – ووفق بعض البحوث – دفعت بلدان العالم الثالث أكثر من 400 مليار دولار للبنوك الغربية من خلال صندوق النقد والبنك الدولي ولم تنته ديونها . كل عام ترفع الضرائب وأسعار الخبز والكهرباء والماء ويقلص الدعم الحكومي للتعليم والصحة لكي تجمع الدولة المكبلة بالديون الفوائد التي لا تنتهي وتبقى الديون على حالها ، فتضطر لطلب (أو استجداء) ديون جديدة يقوم صندوق النقد والبنك الدولي بتقديمها بسخاء مقابل الإلأتزام ببرنامج الاصلاح الهيكلي (تصفية دور الدولة في الاقتصاد وبيع القطاع العام بأبخس الأسعار) من ناحية ، وتسليم موارد البلاد للشركات الغربية من ناحية ثانية . هذه عملية استعمار قديم وليس جدديد كما يحاول الكثيرون من الباحثين السياسيين والاقتصاديين تلطيف الحالة . إنه استعمار أشرس وأكثر وحشية من الاستعمار القديم . تظهر حالة الفلبين والكيفية التي دمّر فيها صندوق النقد والبنك الدولي اقتصادها وأفقر شعبها ونهب ثرواتها معقدة وشائكة نسبيا ، ولكن كل الخيوط المتشابكة سوف تلُفكّك مع مضي السادة القرّاء مع مجريات هذه الحلقة ، وخصوصا عندما يتابعون – في الحلقة المقبلة – الكيفية التي أسقط بها القتلة الاقتصاديون الأمريكيون الدكتاتور ماركوس ، دكتاتور الفلبين ، وهو حليف أمريكا الأصيل !!

نبذة تاريخية موجزة

__________

"قرار الولايات المتحدة عام 1946 منح الفلبين استقلالها دشن فترة من الازدهار في البلاد. لعدد من الأسباب الجيواستراتيجية، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان الأمريكان على استعداد للسماح للحكومة الفلبينية بأن تتابع السياسات التي حكموا بها في أماكن أخرى.

لقد سُمح للحكومة الفلبينية بتنفيذ سياسات مستقلة عزّزت التنمية الاقتصادية في البلاد. ومع ذلك، فإن التسامح الأمريكي لم يدم طويلا. فمن عام 1962 فصاعدا، وبدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحزب المحافظين (الذي كان قد فاز بأغلبية المقاعد في الكونغرس الفلبيني في انتخابات عام 1959) تمّ فرض سياسات مختلفة جذريا. وتسبّبت هذه السياسات الجديدة في الهروب الجماعي لرؤوس المال، وإعاقة الديون، وتخفيض قيمة العملة، وانخفاض الأجور بالنسبة للسكان. وفي هذا السياق من الأزمة أعلن الديكتاتور "فرديناند ماركوس" الأحكام العرفية في البلاد في عام 1972. حصل الديكتاتور على إعجاب البنك الدولي لاتباعه سياسات تتفق كثيرا مع توقعات واشنطن. أشعل الفساد المستشري السخط الشعبي الذي أسفر عن سقوط فرديناند ماركوس واستبداله بكورازون أكينو في عام 1986 في مؤامرة خططت لها – ويا للغرابة – الولايات المتحدة الأمريكية نفسها !! وكانت اكينو زعيمة للمعارضة الديمقراطية ، ولكنها كانت أيضا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأصحاب المزارع. وقد نفذت – بعناد - السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة وبصورة تحمل بصمة واضحة من البنك الدولي. ومن المؤكد أن هذا كان خيبة أمل كبيرة للشعب".

الصفاء الأمريكي لا يدوم دون الركوع : بدأ مخطط التبنك والصندوق في تخريب اقتصاد الفلبين

____________________________________________

ظلت الفلبين مستعمرة اسبانية حتى عام 1898، عندما هُزمت اسبانيا في الحرب التي أعلنتها عليها الولايات المتحدة. ثم احتلت الولايات المتحدة بنفسها دولة الفلبين. انقطع هذا الاحتلال لمدة من قبل الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. في عام 1946، منحت الولايات المتحدة الفلبين استقلالها في مقابل قبولها لعدد من الشروط : سعر صرف ثابت بين البيزو الفلبيني والدولار الأمريكي لحماية الشركات الأمريكية العاملة في الفلبين من آثار تخفيض قيمة العملة الفلبينية ؛ اتفاقيات التجارة الحرة، وهكذا ... في البداية، عملت هذه الترتيبات بصورة جيد نسبيا لأن الولايات المتحدة جلبت كمية كبيرة من الدولارات إلى الفلبين، في المقام الأول من خلال وجودها العسكري القوي في البلاد.

ومع ذلك، في عام 1949 تباطأ تدفق الدولارات الأمريكية بشكل كبير. فأنشأت الحكومة الفلبينية رقابة صارمة على الصرف لتجنب الاستنزاف الكبير للعملة. ومنعت الشركات الخاصة من اقتراض المال من المستثمرين الأجانب. تسامحت الحكومة الأمريكية وصندوق النقد الدولي مع هذه الإجراءات من أجل البقاء على علاقة جيدة مع حليفتهم : الفلبين. إدخال الرقابة على صرف العملات وتدفقات رأس المال والواردات أثارت طفرة اقتصادية كبيرة في البلاد، مدفوعة بشكل خاص بالنمو الصناعي. هذه الفترة من النمو الاقتصادي انتهت بعد اثني عشر عاما، في عام 1962، عندما تم التخلي عن تدابير الرقابة تحت ضغط من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

هجوم موحد من قبل الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي

__________________________________________

خلال الخمسينات ، نما قطاع الصناعات التحويلية سنويا بنسبة من 10 إلى 12٪، وأبقى على معدل التضخم السنوي أقل من 2٪، وكانت احتياطيات النقد الأجنبي قوية، والدين الخارجي منخفضا للغاية. ومع ذلك، لم يكن ذلك ليروق للجميع. الشركات الأميركية والأجنبية الأخرى وغيرها شكت من فرض التشريعات الفلبينية الحاجة إلى إعادة استثمار جميع أرباحها في اقتصاد البلاد. واضطرار شركات التصدير الرأسمالية لإيداع عائدات التصدير بالعملة الصعبة في البنك المركزي الفلبيني ، التي تُعاد إليهم بالبيزو الفلبيني بمعدلات فائدة غير مواتية. وكان هذا مصدرا هائلا للدخل بالنسبة للدولة. في عام 1954، ومتشجعة بفضل نجاحاتها، طالبت الحكومة الفلبينية الولايات المتحدة بتغيير قواعد اللعبة التي فرضتها الأخيرة عليها في عام 1946 في فترة ما بعد الاستقلال. استجابت واشنطن لهذا الطلب، مما عزّز موقف السلطات الفلبينية.

وبطبيعة الحال، يتعين على المرء أن يكون حريصا على عدم تمجيد إنجازات الفلبين في هذه الفترة. فقد ظلت مجتمعا رأسماليا يتسم بعدم مساواة عميقة، كما أن التصنيع لم يذهب إلى أبعد من التجميع والصناعات الخفيفة. ومع ذلك، فإن الوضع في الخمسينات كان واعدا بالتأكيد بالمقارنة مع كل ما حدث منذ عام 1962. وفي الواقع، فإن هذه التطورات الواعدة هي التي كانت وراء الهجوم الموحد من قبل الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي - جنبا إلى جنب مع القطاعات الأكثر محافظة من الطبقات الحاكمة الفلبينية – الذي سعى لوضع حد لهذه التجربة.

إلغاء أي تشريع اقتصادي لصالح اقتصاد الفلبين ويزعج الشركات الغربية

__________________________________________

في عام 1962، قام حزب المحافظين، الذي فاز بالأغلبية في الكونغرس الفلبيني بعد انتخابات عام 1959، بإلغاء الرقابة على تحركات رأس المال. أظهر صندوق النقد الدولي والحكومة الأمريكية موافقتهم السريعة على هذا القرار عن طريق منح الفلبين فورا قرضا بمقدار 300 مليون دولار. القضاء على ضوابط الرقابة أدى إلى هروب رؤوس الأموال الضخمة من الفلبين نحو البلدان الأجنبية. وقد تم تمويل العجز الناجم عن هذا القرار بمجموعة من القروض الخارجية قرضا بعد آخر. ارتفع الدين الخارجي على الفلبين سبع مرات بين عامي 1962 و 1969 من 275 مليون دولار إلى 1.88 مليار دولار .

ابتهجت الشركات العابرة للقومية والمصدرون الفلبينيون للمنتجات الزراعية والمواد الخام حيث ارتفعت أرباحها بشكل كبير. من ناحية أخرى، تراجع قطاع الصناعات التحويلية الموجهة نحو السوق المحلية بسرعة. في عام 1970، كان لا بد من تخفيض قيمة البيزو تخفيضا حادا. فتراجعت مداخيل وأرباح صغار المنتجين.

وكان في هذا السياق من أزمة السياسات المعتمدة والمسنودة من قبل الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمحافظين، أقام فرديناند ماركوس نظامه الدكتاتوري في عام 1972، وكان هدفه هو تعزيز السياسات الليبرالية الجديدة عن طريق القوة.

وبعد عام واحد فقط، وعلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، انتزع الدكتاتور "أوغستو بينوشيه" السلطة من الرئيس المنتخب "سلفادور أللندي" في تشيلي معتمدا - وبالضبط – نفس الأهداف ونفس الأسياد ونفس الدعم! وهذه ليست مصادفة بريئة.

وزير الدفاع الأمريكي الذي دمّر فيتنام يصبح رئيسا للبنك الدولي ويبدأ بالعناية بالفلبين !!

__________________________________________

القروض الأولى الممنوحة من قبل البنك الدولي للفلبين يعود تاريخها إلى عام 1958. ولكن القروض ظلت منخفضة للغاية إلى أن أصبح "روبرت ماكنمارا" الذي كان وزيرا للدفاع في الولايات المتحدة رئيسا للبنك الدولي في عام 1968. . قال مكنمارا إن الفلبين - حيث كانت فيها قواعد عسكرية أمريكية، كما هو الحال في إندونيسيا وتركيا - كانت من الأهمية الاستراتيجية بحيث كان من الضروري للغاية تعزيز علاقاتها مع البنك الدولي. وكان إقراض المال وسيلة للحصول على مزيد من النفوذ في هذا البلد. مؤرخو البنك الدولي لا يشيرون صراحة إلى : "إنزعاج ماكنمارا وموظفيه من الطريقة التشريعية في الفلبين والتي كانت تشل الإصلاحات السياسية التي تريدها الولايات المتحدة. وهكذا صارت الأحكام العرفية في الفلبين ضرورية لتمرير القروض المصرفية. ألغى الدكتاتور ماركوس السلطة التشريعية في البلاد وأصبح يحكم بموجب المراسيم الرئاسية في أغسطس 1972. ماكنمارا وموظفو البنك رحبوا بهذه الخطوة بشكل كبير. كان واحدا من التدابير الأولى التي اتخذها الدكتاتور ماركوس هو إلغاء سقف المديونية العامة، والتي فُرضت في السابق من قبل البرلمان الفلبيني في عام 1970. (لمزيد من المعلومات عن روبرت مكنمارا راجع الحلقة (11) مأساة بنما : تغتال الرئيس الشريف وتعتبر الرئيس المحتال "نوريغا" ديمقراطياً ! كيف تتحكم شركة "بكتل" في السياسة الأمريكية ؟، وحلقة البنك الدولي السابق – الحلقة 20 – بأقسامها الأربعة ) .

حدّدت التنظيمات السابقة هامشا للديون بقيمة مليار دولار مع سقف سنوي بمقدار 250 مليون دولار. وضع ماركوس حدا لهذا الحد، قوبل بارتياح كبيرمن قبل البنك الدولي. أعلن روبرت ماكنمارا أن البنك الدولي على استعداد لمضاعفة المبالغ التي مُنحت للفلبين. في ذلك الوقت كان متأخرا جدا زيادة القروض الممنوحة لسنة 1973، مما أثار الكثير من الاستياء لدى ماكنمارا. هذا هو السبب الذي جعل البنك يقوم بهذه المهمة في وقت سريع مزدوج ويضاعف المبلغ الإجمالي بنسبة 5.5 لعام 1974 (165 مليون دولار بدلا من 30 مليون دولار).

الصندوق والبنك يدعمان الدكتاتورية في الفلبين علناّ

_____________________________

دعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي علنا ​​الدكتاتورية في الفلبين إلى حد أنهما عقدا اجتماع الجمعية العمومية السنوي في مانيلا في عام 1976. في تلك السنة، أعلن برنار بيل، نائب رئيس البنك لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ : "إن المخاطر في الإقراض للفلبين أقل من الإقراض لماليزيا أو كوريا". ومن الجدير بالذكر أيضا أن البنك الدولي أنشأ واحدة من المراكز الثلاثة المتخصصة في البحوث حول الثورة الخضراء في الفلبين، في شراكة مع مؤسسات فورد وروكفلر.

ومع ذلك، لم يقم الدكتاتور فرديناند ماركوس تماما بالسياسة الاقتصادية التي كان البنك الدولي يأملها ويشجعه عليها. أصيب البنك الدولي بخيبة أمل لأنه كان على علاقة جيدة جدا مع الدكتاتور ومع فريق الأكاديميين الذين أحاط نفسه بهم وتجمعوا حوله - وبعضهم أصبح في وقت لاحق من مسؤولي البنك الدولي نفسه، مثل جيراردو سيكات ، وزير التخطيط الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للبنك الوطني في الفلبين ، وهو البنك الرئيسي في البلاد.

البنك يزيد القروض للدكتاتور برغم الفساد والاحتجاجات الشعبية

___________________________________

لم يصدر عن البنك الدولي أدنى انتقاد للإجراءات القمعية للنظام. ومع ذلك، فإنه كان يشعر بالقلق إزاء بطء الإجراءات التي تتخذها الحكومة الفلبينية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية. انه يريد من الدكتاتورية أن تُحل محل ما تبقى من نموذج التصنيع القائم على الواردات نموذج التصنيع الموجه للتصدير والذي يناصره ويدافع عنه. ومن أجل ممارسة نفوذ أكبر على الحكومة الفلبينية، قرّر البنك منحها قرضين ضخمين في عام 1981 و1983 لتنفيذ برامج التكيف الهيكلي التي تهدف إلى ترويج الصادرات. وكان البنك يدرك تماما حقيقة أن معظم هذه الأموال ستنتهى في حسابات مصرفية للدكتاتور ماركوس وجنرالاته. ومع ذلك، فإنه اعتبر أنه من المجدي الدفع (رشوة طبعا) لأعضاء الزمرة الحاكمة في مقابل تسريع الإصلاحات النيوليبرالية (لاحظ المصطلح الرنّان : النيولبرالية !! الذي يغطي مؤامرة استنزاف ثروات البلاد).

في هذه المرحلة، في عام 1981، اندلعت أزمة مصرفية حادّة في الفلبين بسبب قضية فساد ضخمة تورط فيها الرأسماليون وأجزاء من بيروقراطية الدولة. انتشرت الأزمة تدريجيا إلى النظام المالي بأكمله، الأمر الذي هدّد أكبر مصرفين عامين بالإفلاس. انتشرت الأزمة من 1981 إلى 1983 - 1984 حيث تفاقمت أكثر بسبب اندلاع أزمة الديون الخارجية دوليا في عام 1982. توقفت المصارف الخاصة الأجنبية عن منح القروض للفلبين. كان هذا فشلا واضحا للبنك الدولي وأصدقائه الجيدين، مثل فرديناند ماركوس، وجيراردو سيكات ورئيس الوزراء سيزار فيراتا.

تصاعد الاستياء الشعبي بشكل حاد. واصطدم عدد من القطاعات الرئيسية من الطبقات الحاكمة بنظام ماركوس. وتعمقت الأزمة بعد قتل أحد أعضاء طبقة ملاك الأراضي، السيناتور بنينو أكينو، الذي كان قد نُفي في وقت سابق الى الولايات المتحدة، حيث أُردي قتيلا بالرصاص في مطار مانيلا عند عودته إلى البلاد في أغسطس آب 1983.

وعلى الرغم من المعارضة المتنامية ضد ماركوس، اختار البنك الدولي أن يقف مساندا للدكتاتور وداعما له. وخارج إطار خططه ، عزّز البنك بشكل كبير قروضه للفلبين: 600 مليون دولار في عام 1983، أي أكثر من ضعف القروض في العام الماضي : 251 مليون دولار. مؤرخو البنك الدولي كتبوا أن موقف البنك الدولي هذا هو مسألة ولاء لصديق جيّد.

أصبحت كورازون أكينو أكثر شعبية وأكثر راديكالية إلى أن قامت المعارضة داخل الطبقات الحاكمة والجيش بإسقاط ماركوس. وقد فعلوا ذلك بمساعدة الأمريكان - ممثلين في مانيلا بالمجرم "بول وولفويتز" - الذين دعموا نظام ماركوس حتى النهاية ثم أرغموه على المغادرة إلى المنفى (لمزيد من المعلومات عن المجرم بول وولفويتز مصمّم خطة تدمير العراق ورئيس البنك الدولي لاحقا والذي أقيل بسبب فضيحة عشيقته راجع الحلقة (33) مذبحة أندونيسيا وتيمور الشرقية : أمريكا قتلت مليون أندونيسي وذبحت 200,000 مواطن في تيمور الشرقية من أجل الديمقراطية(.

بدأ البنك الدولي بالتردّد بشأن المسار الذي يتبعه في التعامل مع النظام الجديد. كتب رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، أتيلا كاراعثمان أوغلو، مذكرة داخلية فاترة وبلا حماسة حول النظام الديمقراطي الجديد مقارنة بحماسة البنك في التعامل مع النظام الدكتاتوري السابق : "نحن نتوقع أن عملية صنع القرار ستكون أكثر صعوبة مما كانت عليه في الماضي، بسبب الطابع الجماعي للفريق الجديد، وتعزيز دور السلطة التشريعية والنزعات الشعبوية للحكومة الجديدة".

لا خلاص من دين صنوق النقد حتى الموت

________________________

بدأت كورازون أكينو (كوري) حكمها مع إجمالي دين هو 2،60 مليار دولار. كان الدين المحلي هو 60،30 مليار دولار ، في حين بلغ الدين الخارجي حوالي 2،28 مليار دولار. وقد ورثت مشكلة الديون الخارجية هذه من نظام ماركوس. كانت كوري تنظر في خيار التنصل من الديون التي حصل عليها نظام ماركوس نظرا لطبيعة تلك الديون الاحتيالية والتي يعرفها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نفسيهما. وزير الاقتصاد والتنمية الوطنية كان يؤمن بذلك، أي من أجل استعادة النمو، يجب على بلاده أن لا تسدّد الديون. الدائنون لم يعطوا اهتماما كبيرا للوضع في البلاد، وفي البداية رفضوا أي إعادة للتفاوض حول الديون. من ناحية أخرى، خايمي أونغبين، وزير المالية، والسيد فرنانديز، محافظ البنك المركزي الفلبيني، جنبا إلى جنب مع ممثلي البنك الدولي ومختلف البلدان، وقفوا ضد الفلبين في محاولتها التبرؤ من ديونها. فنتيجة لعدم احترام الدين، وفقا لآرائهم ، ستخسر الفلبين الدعم والمساعدات المالية من الدول الأجنبية والتي تحتاجها الفلبين لاعادة بناء اقتصادها. كما هدد خايمي أونغبين بالاستقالة من منصبه إذا قررت كوري التنصل من الديون الأجنبية. في النهاية، قررت كوري الإعتراف بالدين. وفي وقت لاحق، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية "خطة مارشال" لمساعدة البلاد تضمنت اقتراحات بتوسيع استثمارات القطاع الخاص، وتعزيز الفرص التجارية، والبحث عن حلول للدين الخارجي للفلبين. وعلاوة على ذلك، يتم سداد 4 مليار بيزو (عملة الفلبين) من الديون الخارجية (بما في ذلك الفوائد) في غضون 6 سنوات. ولكن ، لتمويل هذا، اقترضت البلاد ما مجموعه 9 مليار بيزو، ليرتفع بذلك إجمالي الدين الخارجي من 2،28 مليار دولار إلى 33.2 مليار دولار لمدة حكم الرئيسة أكينو.

من كل 100 بيزو يحققها اقتصاد الفلبين يُدفع 55 منها لسداد الديون !!

_______________________________________

وإذا انتقلنا إلى عهد الرئيس بنينو أكينو الثالث الذي انتُخب عام 2010 لوجدنا أن خدمة الدين الخارجي والدين العام واصلت الارتفاع. فقد دفعت الفلبين 634 مليار بيزو في خدمة الدين بين يوليو 2010 وأبريل 2011، والتي هي أكثر بـ 8 مليار بيزو مما كانت عليه في الفترة السابقة ، أي ما يعادل كل ما دُفع في ظل الإدارة السابقة. كما تتجاوز هذه المدفوعات خلال شهورها العشرة الأولى بالفعل مدفوعات لمدة عام كامل من 2007 و 2008 و 2009 على التوالي (وأول سنتين من الإدارة السابقة). ورغم ذلك فقد واصل دَيْن الحكومة الوطني الارتفاع من 4،582 مليار دولار في نهاية يونيو 2010 إلى 4،706 مليار دولار في مارس 2011.

وتشير التوقعات إلى أن من كل ما قيمته 100 بيزو تحصل عليه الحكومة من السلع والخدمات التي تنتجها البلاد في الاقتصاد بين سنوات 2012-2017 فإن حوالي 42 إلى 55 بيزو سوف تذهب لسداد الديون.. وهذه كارثة وطنية كبرى .

في ظل الرئيسة أكينو: المزيد من القروض والمزيد من الخراب

____________________________________

وأخيرا سعى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة للإستفادة الأفضل من الوضع من خلال دعم الرئيسة كورازون أكينو التي قطعت على نفسها التزاما بالحفاظ على التزام بلادها بالجانب اليميني، وتعميق الإصلاحات النيوليبرالية. أقرض البنك الدولي الفلبين 300 مليون دولار في عام 1987 و 200 مليون في عام 1988: كان كل شيء موجّهاً نحو تشحيم عجلات خصخصة الشركات المملوكة للدولة (تصفية القطاع العام). بين عامي 1989 و 1992، أقرض البنك الدولي الفلبين 1.3 مليار دولار لتمويل التكيف الهيكلي. هدّدت الولايات المتحدة بمنع هذه القروض في حال نفّذت الفلبين خطتها بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها.

أما بالنسبة للإصلاح الأراضي الذي تطالب به الحركة الشعبية القوية التي أدت إلى الإطاحة بالدكتاتور ماركوس وأصبح أقوى في عام 1987، فإن الرئيسة كورازون أكينو قد تحالفت مع الأوليغارشية الزراعية التي جاءت منها أصلا. بين عامي 1986 و 1990، سيطرت الدولة على 122 هكتار فقط.

وكل شيء صار يشير إلى أن حكومة كورازون أكينو قد ذهبت أبعد من الدكتاتور ماركوس في تنفيذ الوصفات السياسة النيوليبرالية المحدّدة. وكان هذا مدعاة لارتياح كبير في البنك الدولي.

صندوق النقد الدولي يحوّل الفلبين من مصدّر للأرز إلى مستورد له

_____________________________________

قالت رئيسة الفلبين "جلوريا أرويو" التي أعقبت كورازون أكينو على سدّة الرئاسة في الفلبين أن على البلاد تغيير المسار وعكس الدورة لكي تكون قادرة على إطعام نفسها . وقالت أيضا : "علينا أن نتحرك نحو مزيد من الاكتفاء الذاتي، وليس بالضرورة 100 في المئة، ولكن المزيد من الاكتفاء الذاتي، بتقليل الاعتماد على استيراد الأرز".

الدول الأفريقية مثل غانا ومالي نفّذت بالمثل مشورة البنك الدولي. في عام 1992، اشترط البنك على غانا خفض الرسوم الجمركية على الأرز إلى 20 في المئة بدلا من 100 في المئة، مما تسبّب في مضاعفة سعر الأرز الرخيص المستورد إلى ثلاثة أضعاف.

وفي عام 2004، نصح البنك إثيوبيا بوقف توفير الأسمدة والقروض لصغار المزارعين كجزء من صفقة لتخفيف عبء الديون، كما أقنع اندونيسيا بتفكيك مجلس تسويق الأرز.

كتبت "إلين هودجسون براون" مؤلفة كتاب ، شبكة من الديون The Web of Debt : "تفضل البنوك عملاء وزبائن من حكومات "مستقرة". وعموما، هذا يعني الحكومات التي يسيطر عليها الطغاة والدكتاتوريون. كيف وصل هؤلاء الحكام المستبدون إلى السلطة، وماذا فعلوا بالأموال المقترضة، لم تكن هذه الأمور ذات أهمية مباشرة للبنوك".

كانت الفلبين وشيلي والبرازيل والأرجنتين وأوروغواي جميعها أهدافا مباشرة للإقراض. وفي كثير من الحالات، استخدم الطغاة المال سعيا وراء أهدافهم الخاصة، دون تحسّن كبير في حالة الناس؛ ولكن الشعب يُثقل بفواتير القروض. قَبَلَ الديكتاتور فرديناند ماركوس المساعدات والقروض من الولايات المتحدة وكان هو المسؤول عن الديون الضخمة التي تكبدتها الفلبين خلال الفترة التي قضاها في السلطة. قبل ماركوس العديد من القروض والمساعدات المالية من الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين الأوضاع في الفلبين؛ ولكنه أعطى مبالغ كبيرة من المال لأصدقائه وعائلته، الذين استثمروا هذه الأموال – بمعرفة الحكومة الأمريكية طبعا - في العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها لتحقيق مكاسب شخصية لهم وللدكتاتور. بالرغم من أن ماركوس كان فاسدا  فإنه لم يسمح بأن يجوع الشعب الفلبيني، لأن ذلك سيسبّب الاضطرابات المدنية بين الفلاحين خصوصا. قدم ماركوس الدعم للأسمدة والبذور، وبدأ بخطط للائتمان ، وبنى بنية تحتية ريفية لفائدة المزارعين. ومع ذلك، عندما غادر هذا الدكتاتور الفاسد البلاد كانت هناك ديون خارجية على الفلبين مقدارها 26 مليار دولار. للأسف، كانت هذه مرحلة حاسمة لاقتصاد الفلبين. وأوضح "الكسندر ماغنو" هذه الحاجة إلى النمو في مقالته: "الفلبين: صدمة من رئاسة فاشلة" : "كان من المهم استعادة زخم النمو الذي تقلص من العدوى الآسيوية. في ظل اقتصاد عالمي تتزايد فيه المنافسة، كان هناك الكثير الذي يتعين القيام به لرفع القدرة التنافسية الفلبينية. من أجل خفض تكاليف ممارسة الأعمال التجارية في البلاد، كان مطلوبا تحديث البنية التحتية اللازمة بسرعة، وكان تصميم السياسة الاقتصادية المطلوبة بحاجة لإصلاحات عاجلة، وجلب الحكم للمعايير العالمية، وإنشاء رؤية موحدة لتوحيد مجتمع معقّد ومشوّش".

وعندما تولت كورازون أكينو السلطة تعرّضت لضغوط كبيرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لسداد الديون المتراكمة على الفلبين. للقيام بذلك سوف تضطر إلى طلب قرض آخر من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي سيجبرها على اتباع سياسات خفض الإنفاق الحكومي، وبالتالي وقف الإصلاحات اللازمة لجعل البلاد قادرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي. في الفلبين، كانت ضربة واحدة أو اثنتين من ضربات برامج التكيف الهيكلي المفروضة من صندوق النقد الدولي وتحرير التجارة المفروض من منظمة التجارة العالمية كافية لتحوّل - وبسرعة - اقتصاد البلاد من اقتصاد زراعي يتسم إلى حد كبير بالاكتفاء الذاتي إلى اقتصاد يعتمد على الاستيراد ويهمّش المزارعين بصورة مطردة. وكان لتحرير التجارة هذا آثارا على الزراعة في البلدان فضلا عن بنيتها التحتية.

انخفض الإنفاق الحكومي، وتبع ذلك انخفاض الإنفاق على الزراعة إلى أكثر من النصف، وبدأ القطاع الزراعي بالإنكماش. لم يعد يجري بناء الطرق، مما زاد من الاضرار التي لحقت بالمزارعين في المناطق الريفية والقطاع الزراعي ككل. تم خفض الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية في البلاد. أدى مزيد من تحرير التجارة في الفلبين إلى دخولها الى منظمة التجارة العالمية في عام 1995 الذي كان له نفس تأثير انضمام المكسيك لمعاهدة نافتا . فرضت عضوية منظمة التجارة العالمية على الفلبين القضاء على نظام الحصص على جميع الواردات الزراعية باستثناء الأرز، والسماح لكمية معينة من كل سلعة بالدخول تحت معدلات رسوم جمركية منخفضة. شهد العديد من البلدان في قارة أفريقيا الأسوأ من برامج التعديل الهيكلي للبنك الدولي وسياساته الاقتصادية المدمرة.

تفاصيل خطة صندوق النقد والبنك الدولي لخلق أزمة الرز في الفلبين

_______________________________________

أن أزمة الغذاء العالمية الحالية تنبع أساسا من إعادة هيكلة السوق الحرة للزراعة في العالم النامي ، هذه السياسة التي تتجسد بصورة أكثر وضوحا في حالة محصول الأرز في الفلبين. على عكس الذرة في المكسيك ، يتم تداول أقل من 10 في المائة من الأرز المنتج عالميا. وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك أي تسريب من محصول الأرز من الاستهلاك الغذائي لاستخدامه كوقود حيوي. ومع ذلك، وهذا العام وحده، فإن الأسعار قد تضاعفت ثلاث مرات تقريبا من 380 دولار في يناير كانون الثاني إلى أكثر من 1000 دولار في ابريل نيسان. ومما لا شك فيه، أن التضخم في الأسعار ينبع جزئيا من مضاربات العصابات القوية من تجار الجملة في وقت الأزمات الشديدة. ومع ذلك، وكما هو الحال بالنسبة لمحصول الذرة في المكسيك ، فإن اللغز الكبير يتمثل في تساؤل هو : لماذا تحول عدد كبير من البلدان المستهلكة للأرز التي اعتادت ان تكون مكتفية ذاتيا من هذا المحصول إلى بلدان مستوردة له بصورة شديدة ؟. (لمزيد من المعلومات عن تدمير المكسيك راجع الحلقة (88) كيف يقوّض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الديمقراطية ويدمّران حقوق الإنسان:  تدمير الديمقراطية والاقتصاد في المكسيك كحالة أولى، وكذلك الحلقة 20 عن البنك الدولي).

تُقدّم الفلبين مثالا قاتما على الكيفية التي تحول بها إعادة الهيكلة الاقتصادية النيوليبرالية بلداً من مصدّر صافٍ للغذاء إلى مستورد صافٍ للغذاء. هذا البلد هو الآن أكبر مستورد في العالم للأرز، يؤمّن بانتظام 1 – 2 مليون طن من حاجته السنوية من الأرز من السوق الدولية. أصبحت محاولات مانيلا اليائسة لتأمين إمدادات الأرز لسكانها مهما كان الثمن عنوان الصفحات الاولى من الصحف، وأصبحت صور الجنود المستنفرين لتوفير الأمن عند لتوزيع الأرز في المجتمعات الفقيرة رمزا لأزمة الغذاء العالمية. ومع ذلك كان هذا البلد حتى وقت متأخر من عام 1993 مُصدّرا صافيا للغذاء ، ولم يكن يستورد سوى كميات صغيرة بين وقت وآخر. ما الذي حصل وجعل هذه البلاد تنزلق إلى مصيدة تبعية أكبر وأكبر في استيراد الأرز والواردات الزراعية الأخرى؟

الخطوط العريضة لقصة الفلبين مماثلة لتلك التي حصلت في المكسيك. كان الديكتاتور فرديناند ماركوس مذنبا في العديد من الجرائم والآثام، بما في ذلك الفشل في متابعة إصلاح الأراضي، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يُتهم به هو حرمان القطاع الزراعي من الدعم الحكومي. قدم النظام للمزارعين الأسمدة والبذور المُدعمة، وبدأ بخطط الائتمان، وبنى البنية التحتية الريفية ، مع تصاعد مساحة الأراضي المروية من 000،500 هكتار في منتصف الستينات إلى 1.5 مليون هكتار في منتصف الثمانينات ، وكل ذاك طبعا لتجنّب سخط الفلاحين. ونظرا لهذه الاستثمارات، حقّقت الفلبين الاكتفاء الذاتي في الأرز لأكثر سنوات حكم ماركوس، وإن كانت قد استوردت  في العام الأخير من حكمه ، 1985، أكثر 000،500 طن من الأرز. ومع ذلك ، وعندما فر ماركوس من البلاد في عام 1986، أعلن أنه كان هناك 000،900 طن متري من الأرز في المستودعات الحكومية.

ومن المفارقات، ان السنوات القليلة اللأحقة - وفي ظل النظام الديمقراطي الجديد - شهدت الاستثمارات الحكومية في القطاع الزراعي تقلصا كبيرا جدا. وكما هو الحال في المكسيك، ضغط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان يعملان لصالح الدائنين الدوليين للبلاد، على إدارة الرئيسة كورازون أكينو لجعل سداد الديون الخارجية التي تبلغ 5،21 مليار دولار أولوية اقتصادية وطنية بدلا من التنمية الاقتصادية. أذعنت أكينو، على الرغم من أنها كانت قد تم تحذيرها بشكل جماعي من قبل كبار الاقتصاديين في البلاد من أن "البحث عن برنامج للانتعاش الاقتصادي يتفق مع جدول سداد الديون التي يحددها الدائنون لبلادنا هو خيار عقيم، وبالتالي ينبغي التخلي عنه".

في الفترة الحرجة بين 1986-1993، كان ما يقرب من نحو 8 إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يغادر الفلبين سنويا كمدفوعات خدمة الديون وهي تقريبا نفس نسبة فوائد الديون السنوية في المكسيك. لدفع فوائد الديون الخارجية التي استقرت عند 5،21 مليار دولار في عام 1986، دفعت الفلبين 30 مليار دولار خلال تلك الفترة الحرجة. وتعزّز هذا التدفق عن طريق إعادة هيكلة جذرية للميزانية الوطنية : مدفوعات الفائدة كما ارتفعت كنسبة في الإنفاق الحكومي ارتفعت من 7 في المائة في عام 1980 إلى 28 في المائة في عام 1994؛ كما انخفضت النفقات الرأسمالية أو الاستثمارية من 26 في المائة إلى 16 في المائة. خدمة الدين، وباختصار، أصبحت أولوية وطنية في الميزانية، وهذا ما كان منصوصا عليه قانونيا في "قانون الاعتمادات التلقائي" الذي تعهدت الحكومة بموجبه بأن تضع سداد الديون المستحقة أولوية قبل جميع الالتزامات الأخرى.

ومن بين البنود التي تمّ خفضها بشكل حاد هو الإنفاق على الزراعة، الذي تراجعت إلى أكثر من النصف؛ من 7.5 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي في عام 1982 في ظل ماركوس إلى 3.3 في المائة في عام 1988 في ظل أكينو. ولم يكن البنك الدولي وأتباعه المحليون الخاصون به يشعرون بالقلق، نظرا لأن جزءا من أهداف ممارسة التقشف كلها هو السيطرة على السوق المحلي وجعل القطاع الخاص يخترق الريف الفلبيني وينشّطه كما يزعمون.

ولكن القدرة الزراعية في البلاد سرعان ما تآكلت بسرعة. فمساحة الأراضي المزروعة بالري ركدت عند 1.3 مليون من 4.7 مليون هكتار. وبحلول نهاية التسعينيات، كانت 17 في المائة من شبكة الطرق في الفلبين مُعبّدة، مقارنة بـ 82 في المائة في تايلاند، و 75 في المائة في ماليزيا. وكانت غلة المحاصيل في جميع المجالات هزيلة ، مع متوسط العائد في الأرز الذي بلغ 2.8 طن متري لكل هكتار وهو دون عوائد السند في الصين وفيتنام، حيث تتدخل الحكومات هناك بصورة فعالة في تعزيز الإنتاج الريفي. برنامج الإصلاح الزراعي الضعيف فعليا والملىء بالثغرات تلاشى بعد ماركوس، وحُرم القطاع الزراعي من تمويل خدمات الدعم التي كانت مفتاح الإصلاح الزراعي الناجح في تايوان وكوريا.

وما يؤكد هذا المشهد غير المشجع هو أنه كما هو الحال في المكسيك، ما كان يواجه الفلاحين في الفلبين هو تراجع الدولة الشامل عن توفير الدعم الواسع لهم ، وهو الدور الذي يعتمد نجاحهم في زراعة المحاصيل عليه.

وكما هو الحال بالنسبة للمكسيك أيضا، فقد أعقب خفض تمويل البرامج الزراعية الذي فُرض من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بفعل برامج  التكيف الهيكلي، فرض تحرير التجارة، مع دخول الفلبين الى منظمة التجارة العالمية (WTO) في عام 1995 ، وهو نفس الدور الذي حصل مع المكسيك بفعل دخولها معاهدة النافتا .

العضوية في منظمة التجارة العالمية فرضت على الفلبين القضاء على نظام الحصص في جميع الواردات الزراعية والسماح لكمية معينة من كل سلعة بالدخول في معدلات الرسوم الجمركية المخفّضة. وفي حين سمح للدولة بالحفاظ على الحصص على واردات الأرز، فقد كان لزاما على الحكومة الموافقة على ما يعادل واحد في المائة من الاستهلاك المحلي في عام 1995 ليرتفع إلى 4 في المائة في عام 2004. في الواقع، نظرا لحالة الضعف الشديد لإنتاج الأرز الناتجة عن الحرمان من الدعم الحكومي، استوردت الحكومة أكثر مما كان مقررا تحت اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة وذلك من أجل توفير الاحتياجات المحلية. وكان لهذه الواردات التي ارتفعت من 000،263 طن متري في عام 1995 إلى 2.1 مليون طن في عام 1998، تأثيرا كبيرا في خفض أسعار الأرز المحلي، وعدم تشجيع المزارعين على زراعته ، والحفاظ على نمو في إنتاج الأرز بمعدل أقل بكثير من إنتاج اثنين من كبار الموردين للبلاد، وهما تايلاند وفيتنام.

دخول الفلبين  الى منظمة التجارة العالمية زعزع استقرار إنتاج الأرز، ولكنه اكتسح ايضا ما تبقى من الزراعة الفلبينية مثل الإعصار الساحق. مزارعو الذرة في مينداناو، تم محوهم، وليس مشهدا غير مألوف أن ترى المزارعين هناك وقد تركوا محصولهم من الذرة ليتعفن في الحقول لأن أسعار الذرة المحلية قد انخفضت إلى مستويات ليس لديهم القدرة على منافستها. تدفقت عليهم واردات الذرة الرخيصة، وجزء كبير منها من الذرة الأمريكية المدعومة، ولهذا لم يكن من المستغرب أن المزارعين قللوا بشكل كبير من مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الذرة من 003،941،3 هكتار في عام 1993 إلى 003،015،2 هكتار في عام 2000. ترافقت متاعب الذرة مع مشكلات في القطاعات الأخرى : استيرادات ضخمة من قطع الدجاج أدت إلى قتل صناعة قطع الدجاج تقريبا ، ومثل ذلك حصل في مجالات صناعات لحوم الخنازير، والخضروات.

خلال حملة التصديق على عضوية منظمة التجارة العالمية في عام 1994، وعد اقتصاديو الحكومة الذين درّبهم خبراء البنك الدولي بأن الخسائر في الذرة والمحاصيل التقليدية الأخرى ستعوّض بأكبر قدر ممكن من خلال ظهور صناعة تصديرية جديدة متخصصة في إنتاج ما يسمى "المحاصيل المُضافة ذات القيمة العالية" مثل الهليون، والقرنبيط، وغيرها ، إلا أن ذلك لم يتحقق. كما لم تتحقق الـ 000،500 فرصة عمل زراعية التي كان من المفترض أن يتم توفيرها سنويا من قبل "سحر" سياسة السوق الحرة. بدلا من ذلك، انخفضت العمالة في قطاع الزراعة من 11.2 مليون شخص في 1994  إلى 8،10 مليون في عام 2001.

السحر الذي وعدوا به لم يعمل. كان كل ما تحقق من ضربات برامج التكيف المفروضة من صندوق النقد الدولي وتحرير التجارة المفروض من منظمة التجارة العالمية هو التحول السريع من اقتصاد زراعي كان مكتفيا ذاتيا إلى حد كبير إلى اقتصاد قائم على الاستيراد الواسع والتهميش المستمر لصغار المزارعين. لقد كانت عملية موجعة، والألم الذي اعتصر مفاوض الحكومة الفلبينية خلال واحدة من دورات اللجنة الزراعية لمنظمة التجارة العالمية في جنيف انطلق بقوة من خلال خطابه :

"قطاعنا الزراعي الذي تعتمد عليه استراتيجية الأمن الغذائي وسبل العيش وفرص العمل في الريف، تم بالفعل تدميره من خلال ذبح صغار المنتجين لدينا بسبب ما يعانونه من ظلم صارخ في البيئة التجارية الدولية. وحتى وأنا أتكلم أمامكم ، يُذبح لدينا صغار المنتجين في الأسواق الخاصة بنا بلا رحمة. وحتى من هم أكثر مرونة وكفاءة يعيشون في محنة".

لقد تماثلت التجربتان في بلدين هما : المكسيك والفلبين ، واحدا تلو الآخر بعد أن تعرضا لمزيج قاتل من برامج التكيف الهيكلي المفروضة من صندوق النقد الدولي وتحرير التجارة المفروض من قبل منظمة التجارة العالمية.

لقد وجدت دراسة أُجريت من قبل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) على 14 بلداً أن مستويات الواردات الغذائية في هذه البلدان في 1995-1998 تجاوزت تلك التي في 1990-1994. وهذا لم يكن مفاجئا منذ أن كان واحدا من الأهداف الرئيسية لاتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة هو فتح أسواق البلدان النامية حتى تتمكن من استيعاب فائض الإنتاج في دول الشمال الاستغلالية المتطورة.

تدمير بيئة الفلبين: 7000 جزيرة ممطرة حوّلها البنك الدولي إلى أرض شبه جرداء

__________________________________________

 الجزر الفلبينية التي تبلغ 7000 جزيرة، على سبيل المثال، كانت قد وُهبت بسخاء الغابات المطيرة، والأسماك، والأراضي المنخفضة الخصبة، والرواسب المعدنية الواسعة. في الآونة الأخيرة صار الحال مثل ما حصل في الحرب العالمية الثانية. اليوم، هناك عدد قليل من الأماكن التي يمكنك الذهاب إليها في الفلبين دون أن تجد نوعا من كارثة بيئية. في جزء واحد من مينداناو ، كانت هناك غابات كثيفة، وقليل من الناس. الآن، وذلك بفضل جشع شركات الأخشاب التجارية الكبيرة وحاجة الرأسماليين الزراعيين (الذين لا يستطيعون أن يتحركوا في الغابات إلا بعد قطع الاشجار لشق الطرق)، ستجد الجبال عارية تقريبا. لقد انخفضت نسبة المساحة من الفلبين التي تغطيها الغابات من 35 في المئة إلى 20 في المئة، وهي أقل من نصف الكمية المطلوبة للحفاظ على نظام إيكولوجي مستقر في البلاد منذ عام 1969.

حالة غريبة: الفلبين بلد جائع يتعهد بإطعام شعب السعودية !! (شراء وتأجير الاراضي الخصبة من قبل الدول الغنية هل سيحصل في العراق؟)

_________________________________

يشهد العالم الثالث ظاهرة غريبة محيّرة عند النظر إليها نظرة سطحية ، ولكنها مفسّرة ضمن المخطط الكوني الإمبريالي الذي يجري تنفيذه لتحقيق الإبادة البشرية وتقليل عدد نفوس العالم إلى 500 مليون حسب نصب ؟؟ (انتظر الحلقة الخاصة بالمخطط الأمريكي للإبادة البشرية) . فهناك حركة واسعة جدا تشهدها دول العالم الثالث وتتمثل بتأجير أو بيع خيرة ما تبقى من أراضيها الزراعية للدول الخليجية وللدول الأخرى ذات الإمكانات المالية الهائلة لكن غير القادرة على توفير الغذاء الكافي وبسعر معقول لشعوبها، وهي عملية مبرّرة في الظاهر).

على سبيل المثال ، في الفلبين، البلد الجنوب شرق آسيوي الفقير ذي الـ 90 مليون نسمة، قال السياسي "رافاييل ماريانو" ، الذي يدافع ويمثل محاولة المزارعين الفلبينيين إدخال تشريع يدعو إلى إجراء تحقيق فوري في ما وصفه بأنه "الاستيلاء الأجنبي الكبير على الأراضي الفلبينية" : "هذا هو ذروة الغباء لبلادنا أن تقوم بالمساومة على أراضينا من أجل الأمن الغذائي لدولة أخرى، في حين أنها تعتمد على استيراد احتياجات الأمن الغذائي الخاصة بنا. وبالتالي، فمن الضروري أن نتتساءل كيف يمكن أن تقوم إثيوبيا، البلد الذي يرتبط اسمه إلى حد كبير بالمجاعة والمساعدات المبقية على الحياة، بالتوقيع على صفقات تأجير وبيع الأراضي مع المملكة العربية السعودية؛ ثيوبيا لا تستطيع إطعام سكانها ولكنها تتعهد بتغذية شعب المملكة العربية السعودية؟ وبالمثل، لماذا تدرس الحكومة الكينية تأجير قطع من الأراضي الساحلية الغنية في دلتا نهر تانا في كينيا، التي هي موطن للمجتمعات الزراعية والرعوية، عندما يواجه كينيا في الوقت الراهن ليس فقط نقص الغذاء وارتفاع الأسعار الهائل ، ولكن تواجه الجفاف للعام الثالث على التوالي؟

تدمير القطاع الصحي

___________

تقدر منظمة أوكسفام الدولية أنه في الفلبين وحدها، فإن التخفيضات التي فرضها صندوق النقد الدولي في الطب الوقائي سوف تؤدي إلى 29000 حالة وفاة بسبب الملاريا وبزيادة قدرها 000،90 في عدد حالات السل غير المُعالجة. (اليس من المفروض أن محاكم التحقيق في "الجرائم ضد الإنسانية" تراعي ذلك وتقوم بالتحقيق مع ذئاب الصندوق في هذه الجريمة!).

صندوق النقد الدولي يدمّر الفلبينيين ثم يشمت بهم ويتخلى عنهم

_____________________________________

الفلبين هي مثال كلاسيكي على هذا النوع من الاقتصاد الذي يفرضه صندوق النقد الدولي، جنبا إلى جنب مع توأمه الشيطان : البنك الدولي، والذي سعى إلى إقامته في جميع أنحاء العالم الثالث. خلال السبيعنات ، كانت الفلبين في إطار شكل أو آخر من برامج التعديل الهيكلي، مما جعلها بحلول منتصف الثمانينات البلد الثالث الأكثر مديونية لصندوق النقد الدولي في العالم. وبالعمل بشكل وثيق مع البنك الدولي، استخدم الصندوق قوته المالية الهائلة لإعادة هيكلة الإنتاج الفلبيني على غرار استراتيجية التنمية "الموجهة للتصدير". يتألف هذا المنهج من تضافر الجهود لدفع رأس المال الإنتاجي بعيدا عن الإنتاج للسوق الداخلية - من خلال تدمير آليات دعم الشركات الفلبينية المنافسة للشركات المتعددة الجنسيات – وذلك بالتوجه نحو التركيز من جانب واحد على إنتاج صادرات مصنعة كثيفة العمالة. وجذب الاستثمارات الأجنبية للإستثمار في الفلبين في حقل الإنتاج المخصص للتصدير يعني أيضا سياسة الأجور المنخفضة وانخفاض قيمة العملة الوطنية المستمر لضمان القدرة التنافسية للمنتجات الفلبينية في أسواق التصدير كما يروّج ذئاب البنك الدولي والصندوق الدولي.

ولكن استراتيجية النمو هذه، لا يمكن أن تنجح إلا إذا واصل الاقتصاد الدولي التوسع من ناحية ، وظلت الأسواق الغربية واليابانية مفتوحة أمام الواردات الفلبينية من ناحية ثانية مكملة. وكلا الناحيتين بدأت تتلاشى في منتصف السبيعنات . أولا، الأسعار العالمية للسكر وجوز الهند وهي المنتجات والمحاصيل التصديرية الرئيسية الفلبينية، انخفضت بشكل كبير جدا. ثم، في عام 1980، انهار الطلب أكثر وأكثر مع بداية الركود العالمي. وفي رد فعل على هذا الركود الاقتصادي، بدأت الولايات المتحدة واليابان وأوروبا الغربية بوضع حواجز حمائية ضد الواردات كثيفة العمالة المصنعة من الفلبين وبقية بلدان العالم الثالث. في تقرير داخلي سرّي، اعترف صندوق النقد الدولي بأن استراتيجيته للنمو التي تقودها الصادرات في الفلبين قد فشلت : "يشارك الموظفون وجهة النظر هذه ... إن ترويج الصادرات أصبح أكثر صعوبة في ظل المناخ الحالي من عدم اليقين في الاقتصاد الدولي وكذلك القيود التجارية التي تواجهها الصادرات الفلبينية في الدول الصناعية". هذا الاعتراف، بطبيعة الحال، لا يفيد الفلبين، التي اتسع العجز في الحساب الجاري فيها بشكل حاد مع مزيج من ضعف الصادرات وارتفاع الواردات الذي لا مفرّ منه (والتي شملت الواردات من المواد الخام والآلات المُستخدمة في دعم الصناعات التصديرية المريضة). وبحلول منتصف عام 1983، ارتفع العجز إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار، مرتفعا من 2 مليار دولار في عام 1980. ولسد هذه الفجوة، اقترضت البلاد بشدة من صندوق النقد والبنوك الكبرى.

في اقتصاد أكثر توازنا، يمكن أن تتم موازنة التراجع في قطاع التصدير من خلال التوسع في الطلب الداخلي لضمان النمو المستمر. ولكن في الفلبين، فإن سنوات من اتباع استراتيجية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في خفض الأجور من أجل تعزيز خدعة "القدرة التنافسية على التصدير" التهمت قدرات السوق الداخلية وأصبح الركود العميق النتيجة الوحيدة الممكنة. في عام 1982، كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الفلبين قد هبط الى 2.4 في المئة - أدنى المعدلات في جنوب شرق آسيا. هنا ساعد صندوق الشيطان الدولي الفلبينيين البؤساء بأسوأ الكلمات الممكنة عندما وصف الحال : "اقتصاد يرزح تحت وطأة الركود العميق وتحت وطأة عبء الديون الخارجية المستحيل" ، متناسيا دور ذئابه في خلق هذا البؤس والخراب.

مصادر هذه السلسلة

____________

مصادر هذه السلسلة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة. 

وسوم: العدد 672