على امانتك يا فرنسا

شرعت فرنسا رسميا في تشكيل لجان العمل الدولي استعدادا للمؤتمر المزمع عقده في باريس تشرين الثاني من هذا العام وهي اربع لجان تختص  في دراسة العديد من الجوانب والمرتكزات والعناصر والمؤثرات  الهامة في الصراع والامكانيات المتوفرة لحل القضايا والامكانيات الأخرى المطلوبة عربيا ودوليا وذلك من خلال الدول الفاعلة بالعالم والاقليم والمعنية  بالصراع والداعمة للحل السلمي على اساس حل الدولتين والمرجعيات الشرعية والمبادرات الدولية ذات العلاقة, ولم يذكر المصدر الدول التي كلفت للمشاركة في تلك اللجان لكن بالطبع هناك اربع دول عربية هامة ومعروفة قد تكون من ضمن تلك الدول بالإضافة لكل من بريطانيا وامريكا و ايطاليا وروسيا واسبانيا واليونان وسويسرا , ولعل اللجان التي تم تشكيلها هي اربع لجان متخصصة في دراسة وبحث مواضيع الامن , والوضع على الارض , والحوافز الاقتصادية التي يمكن للمجتمع الدولي ان يقدمها لتحفز العودة لطاولة المفاوضات  ,ومبادرة السلام العربية, قد تكون هذه اللجان هي اللجان المعلنة وهناك بالطبع اخري تعمل في الظل وتستعد لتلقي المعلومات والتقارير والبيانات من تلك اللجان, والطبيعي ان فرنسا تترأس لجنه توجيهية عليا تدير وتنسق عمل اللجان الاربع بهدف الحصول على المخرجات المطلوبة  للمؤتمر وهنا الخطر واللعب المخيف الذي لابد من الانتباه له جيدا .

نعم فرنسا تؤمن بأن الحل الحقيقي والقابل للتطبيق هو حل الدولتين لكن ما بين فكرة حل الدولتين وآليات تطبيقه والارض التي سيطبق عليها هذا الحل مساحة للعب وهذا مكمن الخطر لان اي حل لا يأخذ بالحسبان حاجة الفلسطينيين للاستقلال التام فانه حل ناقص وحل سوف يسقط ولن يستمر, واي حل لن يأخذ بالحسبان القدس العربية عاصمة ابدية للدولة الفلسطينية فانه لا حل ,و اي حل يقوم على حاجة اسرائيل للأمن على حساب الحاجة الفلسطينية للاستقلال والعيش بالتساوي مع باقي الشعوب فانه حل يصعب قبوله ,واي حل يبني على اساس الامر الواقع وما يجري على الارض في الضفة الغربية والقطاع والقدس فانه حل يولد ميتا , واي حل يعزز ويقوي اسرائيل كدولة اقتصاد من الطراز الاول بالمنطقة على حساب الاقتصاد الفلسطيني  واعتبار هذا الاقتصاد في اخر القائمة فان الحل سيقضي عليه ولن يكتمل ,واي حل مؤقت لأي قضية من القضايا او حل حسب جدول زمنى طويل وتجريبي فانه سيعمل على انهيار الثقة في الدور الفرنسي بالكامل, وكل تلك الحلول بالطبع ان لم تكن ملزمة لإسرائيل فان الحلول كما يقولوا بالعامية  بلاها او حسب المثل الشعبي ( الحل المايل بلاه )

لم يعد امام الفلسطينيين الكثير من الوقت , اللجان بدأت بالعمل ولا نعرف مدي جاهزيتنا كفلسطينيين لهذا وهل جهزنا انفسنا قبل هذا التاريخ وهل جهزنا بالمقابل جيش من الدبلوماسيين والسياسيين والمختصين الفلسطينيين والعرب ليتابع عمل تلك اللجان عن قرب ؟ وهل شكلت جامعة الدول العربية غرفة عمليات لذلك  ,ام اننا نعمل كفلسطينيين وعرب مع فرنسا (على امانتك يا حجه)  , المنطق يقول  انه لابد من الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة يتم استقصائها من قبل تلك اللجان ,والمنطق يقول ان الجيش المطلوب ان يكون قد جهز يعمل بدرجة متقدمة من الوعي السياسي والدبلوماسي والتخصصي ويكون قريب جدا من الدوائر السياسية المختلفة في كل العواصم الاعضاء في تلك اللجان  ليرصد ويتابع ويقيم ويتصل مباشرة مع غرفة عمليات مركزية في جامعة الدول العربية بحضور كامل وتواجد فلسطيني مستمر  ,ولابد من ان يكون هذا الجيش قادر على استخدام كافة اساليب التغلغل الفكري والاقناع وتصويب الروايات المختلفة والمزورة لدي الاخرين, وبالتالي كشف مدي التأثير المقابل من اسرائيل وحلفائها على عمل تلك اللجان  , المفروض ان يكون عندنا اسبقية للرواية الفلسطينية في كافة المجالات مدعومة بالوثائق والمستندات   باعتبار ان الفلسطينيين  هم المتضررين وهم ضحية الاحتلال وليس العكس كما تحاول اسرائيل ترويجه وكما تحاول ان تصور نفسها  حتى  لا يتعامل العالم مع الفلسطينيين والإسرائيليين بالتساوي في كافة قضايا الصراع  .

دخلنا الان معركة هامة جدا من تاريخ نضالنا السياسي والدبلوماسي قد يكون تاريخا جديدا يقره العالم للصراع وهذه المعركة تحتاج الى الجيش الذكي القادر على استخدام كافة الاسلحة العلنية والسرية , وقادر على استخدام كافة الاساليب من المحاكاة والمناورة والتكتيك والمباغتة والهجوم المضاد والهجوم المبكر والدفاع والتدخل السريع الخفي والعلني  امام الخطوط وخلفها  وليس مجرد جيش بالمسمى الدبلوماسي التقليدي يفتقر لادني مفاهيم العمل السياسي  فلدينا منه الكثير لا يعرف في العمل السياسي والدبلوماسي سوي التقاط الصور ولا يستطيع معرفة او حتى متابعة ما يقوم به الطرف الاخر من عمل سياسي يؤثر على اي مخرجات قادمة للمؤتمر, نعم القيادة الفلسطينية مرتاحة للجهد الفرنسي وتثق به كثيرا ,لكن لا نريد ان تكون ثقتنا مطلقة في فرنسا وعلي قاعدة "على امانتك يا فرنسا" , فلا يمكن ان تكون فرنسا حريصة على الحقوق الفلسطينية مثلنا تماما او بالدرجة التي قد توقف اي تدخل امريكي اسرائيلي كبير يؤثر على مخرجات المؤتمر لان لغة المصالح في النهاية هي التي تتحدث وتكون ذات تأثير كبير, ولا يمكن في المقابل لنا منفردين ان نوقف اي تدخل امريكي اسرائيلي في المؤتمر بل يمكننا ان نحذر منه  ونكشف ذلك للجميع وامام الجميع ومع الجميع نتصدى له .

وسوم: العدد 673