أبطال على خط النار
حب الوطن يجري بداخلي مجرى الدم ومنذ طفولتي وضعت أمامي كل النماذج المشرفة وواصلت طلب العلم وعندما اندلعت معارك الاستنزاف بعد نكسة 1967 بمعركة رأس العش تابعت الأحداث برغم صغر سني وقتئذ ، مرت السنوات وبدأت معارك تحرير سيناء يوم السادس من شهر أكتوبر 1973 م الموافق للعاشر من شهر رمضان 1393 هـ وشعرت أن المولى عز وجل سوف يكون في عون مصر الحبيبة وبالفعل تحقق النصر العظيم .
بدأت رحلة بحثي عن قصص الأبطال والشهداء في محافظات مصر وجبت الكفور والنجوع والقرى والمدن وتوصلت إلى العديد من البطولات الحقيقية كما رصدت الكثير من المعجزات التي حدثت أثناء معارك أكتوبر 1973 / رمضان 1393 هـ ورصدها نخبة من أبطال مصر فقد أخبرني البطل محمد العباسي أول من رفع العلم المصري على أول نقطة تم تحريرها وهى القنطرة شرق أنه شاهد ( الله أكبر ) بخطوط السحب في السماء بعد عودة الطيران المصري من تنفيذ الضربة الجوية الأولى أيضا في المواجهة مع إسرائيل فى اللحظات الأولى للحرب كانت القذائف تخطئ الهدف دائماً وتصيب تلاً يسمى هضبة أبو خشيب وحاول مراقبوا المدفعية تعديل التصويب لإصابة الهدف الأساسى دون جدوى ولاحظ المراقبون بعدساتهم المكبرة أن هضبة أبو خشيب تشتعل وبها نيران ودخان لا يصدر من الأحجار عادةً وبعد العبور اكتشف الجنود المصريون أن هذه الهضبة كانت تحمل بداخلها مركزاً إسرائيلياً متطوراً للإعاقة والتشويش والتصنت تم تدميره بالكامل دون قصد وعرف بذلك اللواء محمد سعيد الماحي مدير سلاح المدفعية المصرية فأقترح على الرئيس السادات أن يصبح شعار سلاح المدفعية الجديد (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) ووافق السادات وأصبح هذا الشعار هو الشعار الرسمى للمدفعية المصرية حتى اليوم .
أيضا ذكر البطل السيد داود ( رحمه الله ) أنه عانى من العطش الشديد وكان معه أحد الأبطال من المصابين وعند أحد الجبال بسيناء خرجت الماء فشرب منها مع زميله وقام بغسل جرح رفيقه وأيضا ذكر البطل سمير عبد الرحمن طه أنه خلال المعارك تمكن مع رفاقه من أسر أحد الطيارين الإسرائيليين وعندما سألوه : لماذا لم تضرب على جنود مصر ؟ فقال : كيف أضرب وقد شاهدت الآلاف من الذين يرتدون الملابس البيضاء على أرض سيناء .
معارك أكتوبر 1973 أكدت عظمة الجندي المصري لمن لايعرفه وكشفت الجندي الإسرائيلي فالمصري حارب لأجل قضية وهى تحرير سيناء التي اغتصبتها إسرائيل في عام 1967 أما الجندي الإسرائيلي فلا قضية يحارب من أجلها ولأن الحق ماشهد به العدو أذكر ماجاء في رسالة أحد الأسرى الإسرائيليين خلال معارك أكتوبر 1973 م : ( لقد كنت أعرف أنه ليس للمصريين طائرات جسورة ، وكنت أعرف بيقين أن أمامي مياه قناة السويس هادئة ساكنة لا حركة فيها،إلا لبعض الأسماك الصغيرة،التي كنا نصيدها أحيانا ،الشجيرات علي الضفة الغربية للقناة جافة، أو ذابلة تعكس صفرتها لون الصحراء،وتوحي بالتوقف والركود ،لم أر في حياتي طائرة مصرية، ولم أشاهد للمصريين دبابة واحدة، وفجأة .. ومضت في السماء طائراتهم وأحالت ـ علي الأرض ـ مواقعنا جحيما ، فجأة.. زأرت مدافعهم وبصقت في وجوهنا،وازداد الجحيم اشتعالا،فجأة..وقبل أن نفيق مما نحن فيه،نظر الموت لنا بعيون جاحظة،وتلفت حولي – بحركة لا إرادية – لعلني وقتها كنت أبحث عن مخرج لكنني لمحت الجحيم يمد ألسنته في كل مكان ،حتى مياه القناة الهادئة أظهرت ثورتها وعلا الموج فيها وغطى سطحها طوفان عظيم من الدبابات والمدافع،وأخذت تموج بالحركة تكاد مياهها تشتعل ..الثواني بطيئة قاتلة.. العجز أمام الخطر غير المتوقع فظيع ومدمر..لاسيما إذا كان هذا الخطر هو الموت المحقق،الحديد والنار،وطلقات الرصاص،والأصوات الملعونة تطوقني،العيون التي تشع ما هو أقوى من النار..كان إصرارها علي قتلي واضح،كل هذا الزحف قادم من الغرب لقتلي،قتلي أنا وحدي،وأنا ضعيف أمام هذا الهول الكاسح.
يواصل الأسير الإسرائيلي كلامه : نعم كيف أواجه هذا الرجل الأسمر المتوقد العيون،الصلب العود،رقبة كجذع شجرة مطمورة متحجرة منذ آلاف السنين ،صرخته .. الله أكبر .. تفتت كل عزيمة وتذهب كل شجاعة،ليتني أستطيع أن أكتب إلى الذين يهاجرون إلي إسرائيل تخدعهم وسائل الأعلام، وتمنيهم بعالم وردي، وتؤكد لهم أن الجيران في سبات – وما هم كذلك – فالسلاح والوهم والشر أعمت الأبصار وخدعت العقول، وصورت المستحيل،لن أنسى يا صديقتي منظر زميلي الذي كان يعمل علي جهاز لاسلكي،والذي وجدته فجأة يردد كلمتين اثنتين ولم ينطق بكلمة سواهما ،كان يبلغ خلال الجهاز بطريقة هستيرية :المصريون عبروا .. المصريون عبروا .
حتى عندما ترك الجهاز وابتعد عنه ظل يردد الكلمتين بنفس الهستيريا،وفقدت وعيي علي صوته الذي مازال يرن في أذني حتى الآن .
آه.. لقد سمعت بأذني، ورأيت بعيني ).
إلى التاريخ قدمت كتابي ( أبطال على خط النار ) الذي ضم مجموعة من الأبطال وحرصت على أن تكون البداية مع البطل الفدائي محمد مهران صاحب البطولات المشرفة والصمود العظيم ومحاربة قوات الاحتلال في بور سعيد مما يؤكد لكل من يشاوره الشك أن المصريين خير الخلف لخير السلف) وقبل أن نفترق أقول مع الشاعر القدير عبد الهادي الشعراوي :
ياما مسكت القلم ورسمت بطولاتك
وكتبت لك مواويل على كل صفحاتك
الله يطول الأجل وأفضل أغنيلك
ياأم الحسين والسيدة الطاهرة راياتك.
....................
كتب التاريخ تشهد جواها حكاويكى
بطولات كتيرة ومعارك ضد اعاديكى
من قديم الأزل عيونهم ما بتسيبك
مهما ترابك بكى الرب حاميكى .
..................
يامصر ياغنوتى .. ياطاهرة من يومك
مهما فعل العدو الضى فى عيونك
نيل جوه الحشا م الجنة ينابيعه
وطور سينا زينك وملايكة بتصونك .
...................
أكتوبر دا غنوتك وبداية التحرير
غناه تراب الوطن مع صرخة التكبير
دم الشهيد ابتسم ساعة ما شاف النور
شق الظلام وابتدى العصر بالتنوير .
.....................
قالوا ذكرى عبور قلت دى حقيقة
محفورة جوه القلوب يوم ستة بدقيقة
بدماء اعز رجال شالوا الكفن ع الإيد
عبروا جميع المحال ورجعولنا حقيقة .
....................
ستة من أكتوبر فى التاريخ محفور
بدماء حلفت يمين لتحرر المأسور
وتعيد نخيل الرطب وتعيد لنا الزيتون
رمضان سمع الندا يوم عشرة جه بالنور .
....................
فوق شطى القنال اترسمت السكة
بدماء شباب ورجال والصحبة من مكة
ساعة ماقطع الهمام فيصل البترول
وحدة عروبة ولغة بداية السكة .
.....................
لحظة ماعبر الولد وبدأ يزيل بارليف
كل السما كبرت لنهاية التخاريف
جيش اليهود اترعد من صرخة التكبير
لحظة ما شاف عساف مأسور مع بارليف .
....................
بارليف لما انتهى صرخت جولدا مائير
نادت على أمها ولوبى الخنازير
جالها طيور المدد وبيانات بتدين
ردت عليهم ملايكة اليوم دا التطهير .
......................
لما عبرنا القنال والراية فى ايدينا
كبر جميع الرجال يارب قوينا
نمسح دموع الألم من عيون سينا
الرب سمع الندا النصر كان لينا .
.....................
لما عبرنا الخطوط وسينا لمحتنا
نادت علينا بفرح جاوبنا بحياتنا
نفديكى بدمنا قومى امسحى دمعك
وغنى ويا العلم ياحته من بيتنا .
***********
شهداء بلدنا رموز وشجاعة وطنية
بالدم شالو الأمانة وعادوا لنا بالحرية
دا مهما مر الزمن السيرة محفورة
فوق جبين الوطن وارضنا العربية .
...................
ياسينا يامزهزهه بدم أغلى شهيد
يامسرى الأنبية وطور سينا شهيد
الكل فيك طمعان لكن ورب الدين
حب الشهادة مزروع فى قلب كل وليد .
.......................
معروف لكل الأمم نصر بدم رجال
حلفوا مايعلو بغنا ولا حتى بالموال
الا اما يرجعلهم النخل والزيتون
اللى اغتصب واتسجن بايدين عدو محتال .
..................
مهما غنى القلم للنصر والامة
عمر حبر القلم ماهيرفع الغمة
إلا اما قدس الأمم يعود بالتحرير
ساعتها يحلا الغنا ونبرأ الذمة .
..................
فى النهاية التحية للشهدا والحيين
من قلب ياما اتوجع وتاه مع التايهين
واليوم عاد للفرح وذكرى التحرير
الله عليكى يامصر الله يامصريين .
وسوم: العدد 676