صرخة (سلفي) تائب!
محمد عبد الشافي القوصي
(للعبد ستْر بينه وبين الله، وستْر بينه وبين النَّاس؛
فَمَنْ هَتكَ الستْر الذي بينه وبين مولاه،
هَتكَ الله الستْر الذي بينه وبين النَّاس)!
من أقوال القطب الصوفي/ عبد الرحيم القنائي؛
لمْ تكن الحقائق والأرقام والوثائق التي وردت في كتاب (صرخة سلفي تائب) مفاجأة لمن يعرف أزمة العقل السلفي، والسيكولوجية السلفية، وحقيقة أوغاد السلفية، وضبابية الدعوة السلفية، وأبعاد الموجة السلفية التي اجتاحت البلاد في العقود الأخيرة، بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة!
وقد تأخر صدور هذا الكتاب كثبراً ... فقد جاء بعدما غربت شمس التيارات البدوية، وأفل نجم المدارس السلفية، وجنَّ ليل الوهابية إلى الأبد، وطويَ كتابها في سِجِّين .. وما أدراك ما سِجِّين!
خلاصة الكتاب: أنه على الرغم من حجم الأموال التي أنفقتها مليشيات السلفية، والضجيج الإعلامي الذي أحدثته؛ إلاَّ أنه لمْ ينخدع أحد بما أفرزته حناجر هؤلاء الأعراب؛ سوى السذَّج والغوغائية والدهماء ... ولا يمكن أنْ يعوَّل على هذه القطعان التائهة، وتلك الجماهير الغافلة؛ التي هي كغثاء السيل!
لكن الذي يثير الدهشة حقاً؛ أنْ يظهر من خراف السلفية وغلمان الوهابية؛ مَن يصدع بالحق، ويجهر بالحقيقة، ويعترف بالخطيئة، ويطلب التوبة!
ف"المؤلف" يعدُّ حالة استثنائية في الأوساط والبيئات والجماعات السلفية التي تمتد من كهوف تورا بورا إلى أدغال أفريقيا.
أجل! إنه حالة فريدة لمْ تحدث من قبل، ولا أظنّ أنها ستتكرر ... بسبب ثقافة الخنوع والجبن والغش والتدليس والخداع الذي استمرأه العقل السلفي، ولمْ يستطع أنْ يقلِع عنه لحظة واحدة، فضلاً عن أن يعترف بجرائره التي لا تعدُّ ولا تحصى!
فقد نشأ (المؤلف) في بيئة سلفية رخيصة –على حد قوله! وتربى بداخل أروقة السلفيين!
فسمع ما لمْ يسمعه آخرون، وعرف ما لمْ يعرفه غيره، واطلع على ما لمْ يطلع عليه سواه!
فقد سمع من الكذب والغيبة والبهتان وشهادات الزور ما يتورع من سماعه أبو جهل!
وسمع شيوخ السلفية يرمون علماء الأمة بالكفر والزندقة والإلحاد .. ولا يتورعون!
وعرف كيف يتم التزوير والتلفيق في كتب التراث، وتسويق الأوهام!
كما عرف كيف تحاك المؤامرات الدنيئة ضد المخالفين!
واطلع على "الورش" التي يتم فيها التأليف، والتلفيق!
واطلع على مصادر التمويل المشبوهة .. وجهات إنفاقها.
وقد سمع –المؤلف- ورأى .. دونه ما كان يحدث ب(دار الندوة) في قريش!
ولسنا بصدد نقل ما جاء في هذا الكتاب الأسود، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!
* * *
لقد أكدَّ السلفي التائب –وهو ليس بخافٍ على أحد- أنَّ الكتب المنسوبة للسلفيين الجدد، والملقاة على الأرصفة؛ ليست من تأليفهم أنفسهم، بلْ هناك (ورش) تقوم بجمع المادة المطلوبة، وترتيب مباحثها، وطباعتها، وتوزيعها أيضاً ... ولا يفعل الشيخ السلفي -الذي أمهر هذه الكتب باسمه- شيئاً، سوى أنه يتقاضى ثمن المبيعات!!
ويقول السلفي التائب في اعترافاته: إنه شاهِد على مؤامرة التزوير في كتاب (الأذكار) للإمام النووي، وحذف ما لا يعجبهم منه، خاصة فصل "زيارة قبر الرسول"!
وشاهد –أيضاً- الحذف من حاشية الصاوي على تفسير الجلالين!
وشاهد –كذلك- حذف الفصل الخاص بالأولياء والأبدال والصالحين من (حاشية ابن عابدين الشامي) في الفقه الحنفي!
وشاهد حذف "الجزء العاشر" من الفتاوى لابن تيمية، وهو الجزء الخاص بالتصوف!
وشاهد حذف الكثير من كتب الإمام/ ابن القيِّم- خاصة كتاب "شفاء العليل"، وكتاب "مدارج السالكين" وكتاب "حادي الأرواح"!
* * *
لقد أفصح السلفي التائب: أنه -قبل التوبة- كان واحداً من (العباقرة) الذين ألَّفوا كتباً –مدفوعة الأجر مقدَّماً- لتشويه صورة الأزهر ورجاله وتاريخه، وأخرى لهدم الرموز الفكرية والثقافية الإسلامية؛ كالطهطاوي، والأفغاني، ومحمد عبده، شوقي، والعقَّاد، وبنت الشاطئ، وآخرين!
وكان –سماحته- ممن ألَّفوا كتباً تهاجم الشيخ/ محمد الغزالي!! حيث ألَّف السلفيون (40 كتاباً) للنيْل من هذا العالِم الجليل. وكلها افتراءت وأكاذيب سلفية .. كعادتهم عندما يحاولون تشويه أيّ شخصية لا يرضون عنها سواء من القدماء أوْ المحدثين!
فلمْ يستطع أيّ علجٍ من علوج السلفية أنْ يأتي برد علمي واحد، يقنع القارئ بمزاعمهم، واتهاماتهم، وأكاذيبهم .... لمْ يستطع واحد منهم أنْ يقول هذا كلام الشيخ في كتاب كذا، أوْ كذا ... بلْ هي مزاعم من نسج عقولهم المريضة، التي ران عليها الصدأ!
يقول السلفي التائب: إنه تقاضى (250 ألف ريال) مقابل تأليف كتاب صغير الحجم، هاجم فيه الغزالي، وذلك في مطلع التسعينيات (موسم الهجوم على الغزالي)!!
وقال (سماحته): إنه –بهذا المبلغ- اشترى سيارة، وبنى بيتاً، وأنشأ تحته مسجداً !!
وسألني عن التوبة من ذلك ... فقلتُ له: لا أدري كيف تكون التوبة من النيْل من الأولياء، والعلماء الذين هم ورثة الأنبياء!
لكن الذي أعرفه أنه لا يجوز السكن في ذلك "البيت" الذي ترعرع فيه النفاق، وعشَّشَ فيه الشيطان، وتكاثرت ذريته في الحواري والطرقات!
ولا يجوز الصلاة في (مسجد ضِرار) الذي أُنشئَ لتشويه صورة الإسلام الحنيف، ومحاربة العلماء والأولياء، وخداع البسطاء من الناس، وحشو أدمغتهم بالمغالطات السلفية، والأكاذيب الوهابية!
وأمَّا تلك "السيارة" فثمنها حرام حرام؛ وهي ألعن من عجل السامريّ، وفيل أبرهة، وخيل أبي جهل! وطائرة هتلر! ودبابة شارون! ومن يركبها فقد جعل نفسه في مقدمة وفد النار، وعليه غضب وذِلَّة ومسكنة!
* * *
هذا؛ وقد كشف (السلفي التائب) عن خدعة الدروس والخطب السلفية .. كيف يتم توزيع غلمان الوهابية في القرى والنجوع؟ وما هي أبعاد الخطب السلفية؟ ومن الذي يحدِّد موضوعاتها؟ ومن الذين يقومون بأداء هذه (الأمانة)! ويبلِّغون هذه (الرسالة) الجليلة؟
فكان من جملة ما قاله: إنهم يخصِّصون شهراً كاملاً –مثلاً- للهجوم على التصوف، ومحاربة رموزه، وتشويه أعلامه، ورميهم بالشرك والزندقة، والتحريض على هدم الأضرحة!
بعدها يخصِّصون شهراً كاملاً؛ للهجوم على الأزهريين؛ الذين يخالفونهم في الآراء والفتاوى، كالشيخ/ الشعراوي، والدكتور/ عبد الحليم محمود، والدكتور/ محمد سيد طنطاوي، وجاد الحق، والغزالي، والقرضاوي، وعلي جمعة، وأحمد الطيِّب، وعمر هاشم، وغيرهم!
بعدها يخصِّصون شهراً كاملاً؛ للهجوم على رموز الفكر والأدب والثقافة الإسلامية؛ من الشعراء والكتَّاب والأدباء!
بعدها يخصِّصون شهراً كاملاً؛ لمحاربة البدع؛ كالمسبحة، وتجويد القرآن، وبناء المآذن، وإعلاء المنابر، والزيادة في الآذان، وزيارة القبور، ومجالس الصلوات على النبيّ، والاحتفال بمولد النبيّ، وبدع شهر رجب وشعبان، والتحذير من ذِكر كلمة (سيدنا) قبل اسم الرسول، وغير ذلك من الأوهام والمغالطات التي أدمنها العقل السلفي، وتقلدها ديناً يتعبد به!
بعدها يخصِّصون شهراً كاملاً؛ للدفاع عن "النقاب"، و"الختان" و"اللحى"، والعباءات، والجلاليب!
بعدها يخصِّصون شهراً كاملاً؛ للدفاع عن الوهابية وشيوخها، وشرح كتبهم، وعطائهم الحضاري!
* * *
يقول (السلفي التائب): إنَّ رهبان السلفية كانوا يعلِّمون أتباعهم؛ ألاَّ يخرجوا عن آراء شيوخ السلفية القدامى كابن تيمية، وابن القيِّم. وشيوخ الوهابية كابن عبد الوهاب، وابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، وإخوانهم من "الرضاعة"!
في المقابل؛ عدم ذِكر أيّ عالِمٍ من المذاهب الأخرى، ولوْ كان أبو حنيفة النعمان! والتحذير أشدّ التحذير من ذِكر علماء الأزهر بخير، أوْ الاستشهاد برأيٍ واحدٍ منهم ... إلاَّ في حالة إدانة الأزهر وعلمائه، أوْ الهجوم على التصوف، أوْ الاشادة بالوهابية، وأفكارها، ومناقبها!
* * *
ختاماً؛ فإنَّ قلمي لا يستطع نقل أكثر من ذلك مما جاء في هذا الكتاب الأسود ... فقد سبق أنْ تحدثتُ عنه في كتاب (أزمة العقل السلفي)! الذي فيه ما لا يخطر على بال من الوقائع المشينة، والإدانات الشديدة، والرواسب الفكرية، والأحقاد المذهبية، والعهر الثقافي؛ الذي ران على قلوب المدارس السلفية ... وويلٌ للمكذِّبين!