كلمة إلى المجاهدين "في حلب و أكنافها"

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011م و المعارك سجال بين النظام و الشعب السوري. و قد تعددت الأطراف المشاركة فيها، حتى صعب حصرها و بيان توجهات كل منها.

 ومنذ ذلك التاريخ و الدماء تراق على مذبح الحرية في سورية، و قد كثرت الضحايا إلى درجة يصعب فيها حصرها أو الحديث علنها، بالرغم من توافر المراسلين الإعلاميين، و من القنوات الإعلامية الفضائية و الوسائل المقروءة و المسموعة و المنظورة المختصة بالحدث السوري، و التي لايكاد يخلو منها بلد من البلدان في القارات الخمس.

 و الذي يكاد يجمع عليه العدو و الصديق، أنّ في سورية شعب يذبح، و بنى تخرّب، و حريات تنتهك، و أقداس تدمر. و بيوت تهدّم على رؤوس ساكنيها دون أن يشكل ذلك و خزة ضمير عند الأعداء و الأصدقاء، الذين يبدو و كأنهم يتبادلون أنخابهم في حفل راقص بعيدا عن أنّات المصابين.

 وقيل ماقيل عن حصار المدن السورية، و عن تشريد المشردين، و جوع الجوعانين، تبقى الكارثة أكبر قياسا على مايحدث في حلب اليوم و هي أشبه بجسد يحترق، على مرأى و مسمع من العالم أجمع.

 و الغريب في المسألة أن الذين يحرقونها اليوم تجمع من خليط شتى، من ميلشيات رافضة، و من إيرانيين حاقدين، و من روس أعداء، و من تحالف دولي يأتمر بأمر السياسات الصليبية و الصهيونية، و هيئات دولية تعنى بتنفيذ تلك السياسات تحت مظلة مايسمى بهيئة الأمم المتحدة و مجلس الأمن ، يضاف إليها نظام مجرم أعد خصيصا لقتل الشعب السوري و لتدمير بناه التحتية و الفوقية، وقد أوغل في الجريمة، إلى درجة يصعب تعريفه معها إلا بالمجرم لكثرة ماالتاث به من جرائم. و من مجرمين متخفين بثياب الأصدقاء، و هم الأكثر جريمة من كل ماذكر، و يضاف إليهم من أعمى الله أبصارهم ، فكانوا أجنادا للنظام المجرم، يرون رأيه و يأتمرون بأمره و يمشون خلفه و أمامه. و كأنهم بعض منه.

 والذي نريد أن نقوله في هذه المناسبة، و حلب على ماهي عليه من عدوان، كلمات أربع:

 الكلمة الأولى- موجهة إلى المقاتلين في حلب و أكنافها. نقول لهم:

 أيها الرجال الآن و قد حصحص الحق وبان، و لم يعد مجال للبس أو غموض. أنتم الآن في عليين من مقامات الجهاد، وقد باتت إحدى الحسنيين أقرب إليكم فبادروها ب( لاإله إلا الله) التي تعلو و لايعلى عليها، و بصيحة( الله أكبر) التي تذل أمامها الطواغيت، ثم استقبلوا الموت و لا تستدبروه، و اعلموا أن استقبال الموت خير من استدباره، و أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وقد جعل الله مع العسر يسرا، و مع الشدة رخاء، و جعل عقبى المجاهدين جنة عرضها السماوات و الأرض، أعدت للمخلصين من عباده، ، و إن الحور العين لتتشاوف من الغرف و هي تشتاق إليكم، و تتطلع إلى لقائكم فياسعد من فاز بالشهادة و طوبى له و حسن مآب.

 الكلمة الثانية موجهة إلى المجرمين، من المؤلبين مع النظام من شبيحة و نبيحة. ومن حلفائه الخواص، الذين مثلهم مثل الحمار يحمل أوزرا لم يقترفها، و لكنه كلّف بحملها. نقول لهم:

 لابشرى لكم اليوم أيها المفسدون في الأرض، و القتلة المجرمون، لقد ساقتكم أقدراكم و كل شيء عند الله بقضاء بقدر لتبؤوا بأسوء مصيرين يمكن أن يبوء بهما البشر. فأنتم واحد من اثنين:

الأول- مفسد في الأرض و قاتل، و مصيره- و لاريب- إلى العذاب الشديد إلى نار الوعيد، إلى جهنم التي أزلفت للمجرمين، و هي تكاد تميز من الغيظ و هي تستقبل الهلكى منكم، ليكونوا وقودها، و ليخلدوا فيها، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 و الثاني مغرربه ممن استجره ترف الحياة ليكون جنديا يقاتل تحت راية نظام مجرم: و ليسدن عرش حاكم ظالم، و ليكون عونا له في مواجهة الشعب السوري البطل الذي خرج يطالب بحريته فمكن الله منه في معارك الكرامة على أيدي المجاهدين فسقط على غبرائها يمج نجيعا أسود و قد غضب الله عليه فكان عليه أن يذوق العذاب مرتين، المرة الأولى على أيدي المقاتلين، و الثانية عند الله الذي هو شديد العقاب. و هو لايقل عن صاحبه في المصير الذي ينتظره.

 الكلمة الثالثة موجهة إلى العدو القريب الدار من القادة العرب بخاصة- ومن المسلمين بعامة، الذين زعموا أنهم مع الشعب السوري أولا ثم نكصوا على أعقابهم بعد أن استجرهم التحالف الدولي الذي تقوده القوى الصليبية و الصهيونية من أجل سيادة الدولة اليهودية في فلسطين مستقبلا.فتخلوا عن الشعب السوري، و تركوه و شأنه ليؤخذ على حد سكين، و ليذبح كما تذبح الشياه. نقول لهؤلاء و من موقع العارفين بالحدث السوري و مجرياته: كلكم أو بعضكم سيكون الضحية رقم اثنين و يومها ستعدمون النصير في مواجهة أولئك و سيكون التاريخ شاهدا عليكم بمافرطتم. و يومئذ لا بشرى لكم بما ستلاقونه من مصير أليم.

 الكلمة الرابعة موجهة إلى الشيطان الأكبر إلى القوى الصليبية و الصهيوينة، لنقول لهم، إن من لايقرأ التاريخ لايفهم حركة الحياة و لايعرف سرها- فذات يوم قدم الصليبيون إلى بلاد الشام و قتلوا في الأقصى أكثر من سبعين ألفا من المسلمين، ثم بعد أقل من قرن من الزمان، في يوم حطين أخرجهم منها صلاح الدين صاغرين، فكان ذلك مصداقا لقوله تعالى" و تلك الأيام ندوالها بين الناس"

 و يومئذ كانت الحروب الصليبية سجالا بين المسلمين و الصليبين، و قبلها كان الفتح الإسلامي، و قد انتزعت من مقلهم الشام كلها، و منها فر هرقل مذعورا و هو يقول: سلام عليك ياسورية سلاما لا لقاء بعده، و بعد عصر الاستعمار سيكون النصر المبين، بعودة المسلمين إلى الظفر من جديد. وهذا الكلام و إن كان مما لايلتفت إليه في مثل هذا اليوم، و حلب تحترق، و دمشق تؤخذ من أطرافها و حمص تستباح و حماة تنتهك فلسوف يأتي اليوم الذي تثأر فيه الأمة من مجرميها،طال أمد ذلك اليوم أو قصر بإذن الله. فلقد كان رسول الله صلى عليه و سلم و هو يضرب بفأسه الصخرة في جذم الخندق يوم الأحزاب- وقد تألب عليه القوم يبشر أصحابه بفتح الحيرة و المدائن ، و بالقصور الحمر من أرض الروم و يخبرهم بأنهم ظاهرون عليها. و نحن نبشر المجاهدين اليوم بأن النصر لنا إن شاء الله، و أنه سبحانه تكفل لنا بالنصر، و هو القائل: "و كان حقا علينا نصر المؤمنين."كان ماكان من أمر هذه الامة، رغم جراحها و آلامها،ورغم التآمر عليها من العدو و الصديق. و الذي يعرف الحرب و قوانينها يعرف أنها كر و فر، و أن سقوط بعض المواقع في يد قوات النظام لاتعني سقوط الثورة أو القضاء عليها . فبعد كبوات الرجال تأتي نهضاتهم. و بعد ضعفهم تأتي قوتهم و بعد هزيمتهم يأتي نصرهم. فأنتم أيها الرجال الذين يرسمون سير المعركة مع أعدائكم كائنة ماكانت إمكانيتكم الذاتية، و عليكم ألا تنتظروا من الآخرين أن يمنحوكم النصر، فالنصر إنما يؤخذ بسواعد الرجال، وبقدر الله و توفيقه الذي يعلو على أقدار الآخرين

 و بناء عليه فنحن نبشر المقاتلين في حلب و أكنافها و في دمشق و ماحولها و في إدلب و درعا و حمص و حماة و اللاذقية و في دير الزور بالنصر و التمكين و نطمئنهم إلى أن الدائرة لن تكون عليهم بحال من الأحوال، و أن الله سبحانه و تعالى هو الغالب على أمره، وقد جعل من نواميسه الثابتة بعد العسر يسراً و بعد الضيق فرجاً، و جعل العاقبة للمتقين و جعل البشرى للذين آمنوا.و هو القائل و قوله الحق:" و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".

 فاطمئني ياحلب ياحصن الشمال و قلعة الصمود فيه، فإن من يجعل دمه عربونا لمعركته، لن يخسر تلك المعركة حتى ولو تألبت عليه أمم الأرض كافة، و تلك هي سنن الصراع و ماكان عليه البشر منذ القديم و إلى اليوم.

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى

رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 679